قرغيزستان: السلطة الانقلابية تعلن تنظيم انتخابات خلال 6 أشهر.. وموسكو تعترف بالحكومة المؤقتة

مخاوف حول مصير قاعدة ماناس العسكرية الأميركية بعد خلع الرئيس باقييف

TT

أعلنت موسكو أمس اعترافها بالحكومة المؤقتة في قرغيزستان، بعد الانقلاب الذي حصل أول من أمس، مؤكدة عدم تدخلها في الشؤون الداخلية لقرغيزستان. وجاء ذلك في وقت وعدت فيه الحكومة الانتقالية التي استولت على السلطة عقب انتفاضة شعبية، بتنظيم انتخابات رئاسية خلال ستة أشهر، مؤكدة أن الرئيس كرمان بك باقييف الذي أطيح به أول من أمس يسعى لحشد مناصريه في جنوب البلاد.

وقالت الولايات المتحدة إنها لم تتخذ قرارها بعد بشأن الاعتراف بالحكومة المؤقتة. وقال مسؤول أميركي إن الولايات المتحدة لم تتخذ قرارا بشأن شرعية الحكومة المعلنة من جانب واحد في قرغيزستان. وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم كشف هويته، لوكالة «رويترز»: «ما زلنا نقيم ما يحدث على الأرض.. ولذلك، فمن الصعب اتخاذ قرار الآن فيما يتعلق بمن يتولى المسؤولية».

وأعلن الرئيس القرغيزي، كرمان بك باقييف، أنه يرفض الاستقالة، محملا المعارضة مسؤولية المواجهات الدامية التي وقعت أول من أمس، لكنه أقر بأنه لم يعد يسيطر على البلاد. وقال باقييف في بيان نشرته وكالة أنباء محلية «أعلن كرئيس أنني لم أتنح ولن أتنحى». وبعد ذلك، أعلن عبر إذاعة «صدى موسكو» الروسية المستقلة، أنه موجود في جنوب قرغيزستان، حيث يتحدر، من دون أن يعطي مزيدا من التفاصيل. وأقر باقييف أيضا في البيان بأنه لم يعد يسيطر على قوات الجيش والشرطة. وقال: «كرئيس لجمهورية قرغيزستان، لم أعد أملك أي وسيلة حاليا للتأثير على الأوضاع في البلاد». وقال «للأسف، لقد أصبحت قوات الجيش والشرطة تحت سيطرة السلطة الجديدة، وهي عاجزة عن بسط الأمن»، في إشارة إلى عمليات نهب المباني الحكومية والمتاجر في بشكيك ليل الأربعاء/الخميس. وحمل المعارضة مسؤولية حمام الدم الذي وقع الأربعاء في بشكيك، واصفا الحكومة الانتقالية بأنها «غير دستورية». وقال باقييف «بسبب التصرف اللامسؤول لقادة المعارضة.. قتل شباب أبرياء، بينهم عناصر في قوى الأمن»، محذرا من «تصعيد جديد للعنف». كما دعا باقييف الأسرة الدولية إلى مساعدة قرغيزستان، التي أصبحت «على شفير كارثة إنسانية».

وأعلنت روزا أوتونباييفا رئيسة الحكومة الانتقالية التي استولت على السلطة إثر انتفاضة أوقعت ما بين 68 ومائة قتيل، بحسب مصادر مختلفة، أنه سيتم حل البرلمان. وقالت أوتونباييفا خلال مؤتمر صحافي، إن «السلطة تحت سيطرة الحكومة الانتقالية. وستعمل هذه الهيئة السياسية لمدة ستة أشهر من أجل إعداد دستور جديد وتنظيم انتخابات رئاسية مطابقة لكل القواعد الديمقراطية». وتعهدت وزيرة الخارجية السابقة بأن حكومتها لن تكرر أخطاء باقييف التي أوصلته ثورة إلى السلطة عام 2005 قبل أن يتخلى عنه أنصاره بعد وقت قصير متهمين إياه بالتسلط وتزوير الانتخابات وتوزيع المناصب والمنافع على أفراد عائلته.

وفي موسكو، نقلت ناتاليا تيماكوفا، المتحدثة الرسمية باسم الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف، عنه قوله «إن الشكل الذي اختاره الشعب للاحتجاج يعبر عن استيائه البالغ من تصرفات سلطات هذا البلد». وقالت تيماكوفا إن الرئيس يعتبر أن الأهم الآن هو تجنب وقوع ضحايا بشرية جديدة.

أما رئيس الحكومة فلاديمير بوتين فقد حرص من جانبه أيضا على نفي أية علاقة لموسكو بما يجري من أحداث في قرغيزستان، مؤكدا أن ما جرى هناك كان «مفاجأة» بالنسبة له. وفي مكالمته الهاتفية أمس مع روزا أوتونباييفا التي تزعمت حكومة الثقة الشعبية ووزيرة الخارجية السابقة، أعرب بوتين عن أمله في الحيلولة دون استخدام القوة وأهمية الابتعاد عن العنف واتخاذ كل الإجراءات اللازمة من أجل ضمان سلامة البعثات الدبلوماسية الأجنبية في قرغيزستان.

وأكد رئيس الحكومة الروسية استعداد موسكو لتقديم كل أشكال الدعم والمساعدات الإنسانية الضرورية. وقد اعترفت أوتونباييفا بحاجة بلادها إلى الدعم الاقتصادي، مشيرة إلى تعقد الأوضاع الراهنة في قرغيزستان، فيما وعد بوتين من جانبه بمساعدتها انطلاقا من طابع العلاقات التي طالما كانت متميزة بين البلدين. وكشفت المصادر الرسمية القيرغيزية عن ارتفاع عدد ضحايا العنف والذي بلغ أربعة وسبعين قتيلا وما يزيد على خمسمائة جريح.

وكان رئيس الحكومة القيرغيزية السابق دانيار حسينوف اتهم موسكو بالوقوف وراء المعارضة، مشيرا إلى أن بوتين سبق والتقى تامر سارييف أحد زعماء القوى لمعارضة والذي جرى اعتقاله بعد وصوله من موسكو صباح أول من أمس. وقد اضطرت السلطات الرسمية إلى الإفراج عن سارييف لاحقا تحت ضغط هجمات القوى الشعبية والمظاهرات التي اجتاحت العديد من مناطق البلاد، حيث سرعان ما انضم إلى قيادة الحكومة المؤقتة في منصب نائب رئيس الحكومة لقطاع الشؤون المالية. وليس سرا أن موسكو كانت قد أعربت عن عدم ارتياحها للعديد من تصرفات الرئيس القيرغيزي باقييف بعد أن نكث بوعده السماح لها بإقامة قاعدة ثانية في أوش جنوبي البلاد تعبيرا عن امتنانه لها جزاء تقديم معونة مالية قدرت بمائة وخمسين مليون دولار إلى جانب قرض مالي قدره مليار ونصف المليار دولار بشروط ميسرة. وعاد باقييف أيضا عن قراره حول إغلاق قاعدة ماناس الأميركية ليعلن لاحقا عن استمرار وجودها تحت مسمى آخر وهو «مركز تسهيلات للقوات الأميركية». وفيما أعلنت موسكو عن أن جنود قاعدتها العسكرية الموجودة في «قانت» يلتزمون مواقعهم داخل القاعدة المحظور عليهم مغادرتها والتدخل في شؤون قرغيزستان الداخلية، سارع ميدفيديف بإعلان قراره حول إرسال سريتين من قوات المظلات تعدادهما 150 جنديا بهدف تأمين عائلات العاملين في هذه القاعدة. وقال الجنرال نيكولاي ماركوف رئيس أركان القوات المسلحة الروسية إن أفراد وحدتي المظلات مسلحين بالرشاشات والمدافع الخفيفة ومعدات الطيران وأنهم غادروا موسكو ظهر أمس وسوف يتخذون مواقعهم داخل قاعدة «قانت» لحماية العسكريين وعائلاتهم وكذلك مقار البعثة الدبلوماسية الروسية في قرغيزستان.

وحول مستقبل القواعد العسكرية الأجنبية في قرغيزستان، اعترفت أوتونباييفا بأن الوقت لا يزال مبكرا لبحث مستقبل هذه القواعد وأن أحدا لا يستطيع القول بعقلانية اتخاذ قرار المطالبة برحيلها. وقالت في حديث إلى إذاعة «صدى موسكو»: «أعطونا الوقت الكافي لتقدير الأمور على نحو يتسم بالاتزان». وأشارت إلى أن الوجود العسكري الأجنبي تقرر في ظل ظروف محددة وفي إطار مدة زمنية محددة وسوف تعكف قرغيزستان على مراجعة الموقف بما يتسق مع الظروف الدولية الراهنة ويتفق مع مصالح الدولة.

وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية قد ذكرت أمس أن الجيش الأميركي ينظر بحذر إلى الانتفاضة التي تشهدها قرغيزستان باعتبار أنها ربما تضر بقاعدة «ماناس» العسكرية الأميركية الموجودة هناك وتقدم إمدادات للقوات المتمركزة في أفغانستان. وتابعت الصحيفة أن الرئيس الأميركي باراك أوباما ظل يتودد طويلا إلى رئيس قرغيزستان المخلوع للسماح له بمواصلة استخدام قاعدة ماناس الجوية العسكرية بالقرب من العاصمة بشكيك والتي تضم 1500 جندي. وكان باقييف قد أعلن في بادئ الأمر إغلاق تلك القاعدة العام الماضي لكنه تراجع عن قراره بعد أن عرضت الولايات المتحدة دفع 60 مليون دولار بدلا مما جرى الاتفاق عليه سابقا وهو 17 مليون دولار. واعتبر مراقبون في ذلك الوقت أن إغلاق القاعدة يمثل تنازلا من قرغيزستان لروسيا والصين المجاورة. ومنحت موسكو الجمهورية السوفياتية السابقة الفقيرة قروضا بعد ذلك بوقت قصير. غير أن روسيا تساند أيضا الولايات المتحدة في مهمتها بأفغانستان. وذكرت الصحيفة أنه على الرغم من ذلك عارضت روسيا فكرة القاعدة الأميركية واقفة بذلك إلى جانب المعارضة في قرغيزستان. وانتقد زعماء المعارضة الولايات المتحدة بسبب التودد إلى رئيس سلطوي في الوقت الذي تنادي فيه أيضا بالديمقراطية وهو موقف يصفونه بالمحرج.

وتبدو حركة المعارضة نفسها مهيأة للاستيلاء على السلطة وهو ما يجعل مستقبل القاعدة موضع شك. وكانت وسائل إعلام في قرغيزستان قد ذكرت سابقا أن الولايات المتحدة تعتزم توسيع وجودها في البلاد والذي يعود إلى عام 2001. وأبرمت واشنطن أيضا اتفاقيات عبور مع جمهوريات أوزبكستان وتركمانستان وكازاخستان العام الماضي لتوصيل الإمدادات إلى قواتها في أفغانستان.