مسؤول أميركي: ليس لدينا معلومات عن اهتمام إيراني بدول الساحل ونراقب الاستثمارات الأجنبية

قال لـ «الشرق الأوسط»: الإرهاب في الساحل والصحراء تهديد حقيقي

تعاون أميركي وحوار مع موريتانيا وفي الاطار جايسون سمول («الشرق الأوسط»)
TT

تشكل منطقة الساحل والصحراء في أفريقيا مصدر قلق حقيقي ومتزايد للولايات المتحدة التي تحاول السيطرة على تمدد القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي منذ ما بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول). وما زالت واشنطن تعتقد أن المنطقة تحوي «تهديدا إرهابيا حقيقيا»، كما قال لـ«الشرق الأوسط» جايسون سمول نائب مدير مكتب شؤون غرب أفريقيا في وزارة الخارجية الأميركية.

ويأتي هذا القلق على الرغم من الجهود الكبيرة الذي تبذلها الولايات المتحدة منذ عام 2002 عبر «مبادرة الصحراء» أولا التي كانت تهدف إلى تدريب القوات الخاصة الحكومية في المنطقة لكي تتمكن من مواجهة الإرهاب، ثم عبر مبادرة أوسع هي «مبادرة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء» بدأ تطبيقها في العام 2005، وهي أكثر تنوعا وشملت بلدانا إضافية. وضمت المبادرة الأولى التي انتهت عام 2004 أربعة بلدان: موريتانيا وتشاد ومالي والنيجر. وفي المبادرة الثانية أضيفت إليها الجزائر وبوركينا فاسو وليبيا والمغرب وتونس ونيجيريا والسنغال. وقد وافق الكونغرس في عام 2005 على ميزانية بلغت 500 مليون دولار أميركي للبرنامج يُصرف على مدى 6 سنوات، بهدف دعم البلدان المشاركة في محاربة الإرهاب للحد من خطر تنظيم القاعدة ومنعه من التمدد إلى وسط أفريقيا.

إلا أن انتقادات كثيرة وُجهت إلى الولايات المتحدة حول هاتين المبادرتين، خصوصا لجهة تسليح وتدريب القوات الحكومية في البلدان التي استعمل بعضها القدرات المكتسبة لكبت حركات ديمقراطية أو مقاتلة أعداء وقبائل داخليين. وردا على سؤال حول ذلك، قال سمول في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «نحن نحرص على عدم تدريب وحدات لدينا معلومات أنها اقترفت خروقات في مجال حقوق الإنسان، وهذا جزء من العملية التي نتبعها منذ مدة طويلة».

وأضاف سمول أن برامج بدأت تُطبَّق في المبادرة الثانية، أي منذ عام 2005، للعمل مع الحكومات لإدخال مفهوم الحكم الرشيد، وبناء المؤسسات الدستورية. وأعطى مثلا عن النيجر عندما قطعت الولايات المتحدة المساعدات الحكومية، ومن بينها المساعدات في إطار برنامج مكافحة الإرهاب، بعد أن رفض الرئيس محمد طنجا التنحي عن الحكم عندما انتهت فترة حكمه الدستورية. وقال سمول: «فعلنا ذلك لأننا نعتقد أنه من المهم أن تكون المؤسسات الدستورية محترمة، لاستقرار المنطقة. وقد اتخذت بعض الحكومات التي كانت حليفا قويا في محاربة الإرهاب، قرارات لم تكن ديمقراطية، ولم يكن ذلك مقبولا للولايات المتحدة». وتحدث أيضا عن موريتانيا بعد الانقلاب العسكري في عام 2008، وقطع العلاقات معها، وقال: «الرسالة التي أرسلناها إلى موريتانيا لإعادة استئناف علاقتنا بها كانت ضرورة العودة إلى احترام المؤسسات الدستورية. ونحن مسرورون أنهم استجابوا، ولو بعد فترة...». وأضاف: «نحن ننظر الآن إلى طرق التعاون مع موريتانيا، وهناك حوار معهم».

ومع ذلك، يعتقد سمول أن المبادرتين مكّنتا بلدان الساحل من مواجهة التهديد الإرهابي بشكل أفضل. وقال: «من الصعب دائما الحكم ما إذا كان المكان آمنا، ولكن أعتقد أننا حققنا الكثير من التقدم، وبدأت الثمار تظهر للمبادرة التي بدأناها عام 2005، وهناك إشارات مشجعة جدا».

ولعل أكثر تلك الإشارات المشجعة هي المبادرة الإقليمية، الأولى من نوعها بحجمها ومضمونها، التي طرحتها الجزائر منتصف الشهر الماضي، عندما دعت إلى لقاء عُقد في العاصمة الجزائرية لبحث التنسيق الأمني في المنطقة بين 7 بلدان، هي إضافة إلى الجزائر: ليبيا، موريتانيا، مالي، النيجر، تشاد وبوركينا فاسو. واتفقت المجموعة حينها على عقد لقاءين إضافيين في الشهر الحالي، يشارك فيهما وزراء داخلية دول الساحل وقادة أركان جيوشها. ولم تحضر الولايات المتحدة اللقاء، أو تشارك فيه، إلا أن سمول أكد أن واشنطن «مسرورة» لأن بلدان المنطقة تتعاون للتصدي لخطر الإرهاب، وقال: «هذا ما كنا نشجع عليه منذ البداية... سياستنا أن ندعم هذه البلدان ونساعدها على النجاح».

وبالإضافة إلى المساعدة على تدريب الجيش والقوات الخاصة وتسليحها، بدأت الولايات المتحدة تستثمر في قطاع التعليم في بعض البلدان، وأدخلت مشروعات إنمائية بموازاة تقوية العسكر منذ عام 2005، خصوصا وأن عدم اهتمامها بالجانب المدني كان أحد الانتقادات الرئيس التي توجه إليها في مبادرتها الأولى. وقال سمول عن ذلك: «نستثمر كثيرا في التعليم في بعض البلدان لإيصال رسالتنا حول الآيديولوجيات المتسامحة، ولدينا أيضا برامج للتوصل في الصراعات بين القبائل المختلفة في الساحل... أي نحن نعتمد على نهج متكامل، تدريب القوات وتجهيزهم بموازاة التواصل والاستثمار في التعليم».

وأشار سمول إلى أن في المنطقة برامج إنماء أخرى تقوم بها فرنسا والاتحاد الأوروبي وغيرهما. ومن بين المساعدات والاستثمارات الأجنبية في المنطقة، استثمارات إيرانية، ليس آخرها افتتاح مصنع للسيارات في السنغال في الشهر الماضي أشرف عليها شخصيا الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الذي قام بعدة جولات في المنطقة في الفترة الأخيرة في طريقه إلى كوبا. وتجدر الإشارة هنا إلى أن معظم البلدان الأفريقية في مجلس الأمن، تعارض إضافة عقوبات جديدة على النظام الإسلامي في طهران.

ولكن سمول قال إنه لا يمتلك معلومات حول اهتمام إيراني محدد في منطقة الساحل، وقال: «ليس لدي معلومات عن اهتمام كبير من قِبل الإيرانيين، في النيجر كان هناك اهتمام في مرحلة معينة». ولكنه أضاف: «نحن واثقون من علاقتنا بهذه البلدان، لدينا علاقات جيدة معهم وهم يفهمون مصالحنا وتأثير الأسلحة النووية على كل العالم، وسيتأكدون - قبل اتخاذهم أي قرارات - ما العواقب». وأكد أن الولايات المتحدة «تراقب عن كثب الاستثمارات الأجنبية التي تقوم بها كل الدول الأجنبية هناك، والتواصل الذي لديهم هناك».

وتعتبر تشاد والنيجر ومالي ثلاثة من أفقر عشرة بلدان في العالم، وتحتل النيجر المرتبة الثانية، بينما لا يتعدى متوسط عمر الفرد في هذه البلدان وفي موريتانيا 55 عاما. وانطلاقا من فقر هذه البلدان، رحب سمول بأي استثمارات أجنبية فيها، إلا أنه قال: «نأمل أن لا تكون هناك شروط مرتبطة بها».

ومن بين دول الساحل، تُعتبر منطقة شمالي مالي، المنطقة الأكثر «تفلتا» بسبب حجمها. وقال سمول عن ذلك: «من الواضح أنها منطقة تشعر (القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي) بارتياح أكبر في التحرك فيها. ما يقلقنا ليس البلد، ولكن حجم البلد وعدم القدرة على السيطرة على كل المساحة... شمالي مالي منطقة غير خاضعة للقانون في معظمها، وهي شاسعة، أوسع من تكساس، إحدى أكبر الولايات الأميركية». ولكنه أضاف أن ما يبعث على الأمل، هو أن هذه الجماعات المتطرفة «غير مرحَّب بها في أي مكان» في المنطقة. وقال: «بالطبع هناك قلق من أن أي منطقة غير خاضعة للمراقبة يمكن أن تتحول إلى منطقة آمنة للإرهابيين، ولذلك نبذل جهودا هناك لمواجهة التهديد الحالي، ولكنها أيضا لتهيئة المنطقة لجعلها غير مرحّبة بالجماعات الإرهابية».

ولكن ما يدفع الأميركيين إلى التفاؤل في نجاح مكافحة الإرهاب في الساحل هو «استعداد بلدان المنطقة لمكافحة التطرف، إضافة إلى عدم ترحيب السكان بآيديولوجيا (القاعدة)»، كما قال سمول الذي أضاف: «ما أقدر في منطقة الساحل هو أن سكانها يروجون لآيديولوجيا معتدلة جدا، ولديهم انفتاح على الديانات المختلفة، ولذلك هذا النوع من الآيديولوجيا الإرهابية غير مرحَّب به من قِبل معظم السكان. المنطقة لا يزال فيها تهديد إرهابي حقيقي، ولكننا نرى علامات إيجابية».