اغتيال فلسطينيين وإعدام مطلوبين بلا محاكمة يفجران فضيحة للجيش الإسرائيلي

صحافية تخضع للاعتقال المنزلي بتهمة التجسس

TT

بعد شهور من محاولة الكبت والتعتيم، انفجرت في إسرائيل في اليومين الأخيرين فضيحة «ثأر وانتقام» ينفذها جهاز المخابرات العامة (الشاباك) لصالح قادة الجيش، وفي صلبها التنكيل بصحافيين إسرائيليين، فجرا فضيحة الجيش الإسرائيلي بقتل مدنيين فلسطينيين وإعدام مطلوبين فلسطينيين من دون محاكمة، وكشفا عن أن رئيس أركان الجيش، غابي أشكنازي، والكثير من رفاقه الجنرالات متورطون صادقوا على تلك الجرائم.

فبعد 3 أشهر من التعتيم، سمحت المحكمة الإسرائيلية، أول من أمس، بنشر بعض تفاصيل اختفاء صحافية متهمة بالتجسس، تبين أنها تخضع للاعتقال المنزلي وتعيش حالة رعب وإرهاب، ولجأ صحافي آخر إلى لندن خوفا من مطاردات المخابرات.

وتعود هذه القضية إلى سنة 2008، عندما وقعت بين يدي الصحافية الشابة، عنات كام، وثائق عسكرية سرية خطيرة تكشف أن عدة عمليات قتل لفلسطينيين تمت من دون حاجة، بعضهم مطلوبون كان في الإمكان اعتقالهم، وبعضهم مواطنون عاديون أبرياء قتلوا لأنهم وُجدوا في مكان الاغتيال بالصدفة.

واكتشفت الصحافية من هذه الوثائق أن أشكنازي وعددا من مرؤوسيه في قيادة الجيش يعرفون بهذه الجرائم وصادقوا عليها (إسرائيل اغتالت 232 فلسطينيا منذ بدء الانتفاضة عام 2000 وحتى شهر أكتوبر «تشرين الأول» 2008، وخلال عمليات الاغتيال هذه قتلت أيضا 154 مدنيا ممن وجدوا بالصدفة في محيط حوادث الاغتيال). وبما أن عنات كانت آنذاك صحافية مبتدئة، فقد سربت الوثائق إلى يوري بلاو الصحافي المعروف بجرأته في الكشف عن فساد المسؤولين وعن جرائم الجيش ضد الفلسطينيين.

وأعد بلاو تحقيقا مفصلا عن هذه القضية في 2008، وسلمه للرقابة العسكرية فأجازت نشره. ولكن يتبين الآن أن أشكنازي لم يكن راضيا عن النشر، فطلب من «الشاباك» أن يفحص كيف وصلت تلك الوثائق إلى الصحافي. وتمكنت المخابرات من الوصول إلى الصحافية، مصدر الخبر، التي كانت في تلك الفترة مجندة، وأرسلت للعمل في مكتب قائد لواء المنطقة الوسطى. واعتقلت سرا لثلاثة أسابيع. ومنعت من الحديث مع أهلها. ثم أخضعت للاعتقال المنزلي. أما بلاو فتعرض للتهديدات بالقتل. وحتى وهو في الخارج لا يسلم من التهديد.

وحظي الصحافيان، أمس، بتضامن شامل من الصحافة، حتى من صحافيين يوافقون على معاقبة كام ويتهمونها بالمساس بالأمن. وكتبت «هآرتس» افتتاحية، أمس، اتهمت فيها المخابرات بالمساس بحرية الصحافة، وقالت إن هناك محاولات لإضاعة القضية الأساس التي يواجهها المجتمع الإسرائيلي بواسطة مطاردة الصحافيين: «فالقضية الحقيقية ليست في تسليم وثائق سرية لمراسل (هآرتس)، بل بجريمة جهاز الأمن وقيادة المنطقة الوسطى في الجيش بشكل خاص، اللذين تجاهلا تعليمات محكمة العدل العليا، وصادقا على تصفية مطلوبين حتى عندما كان ممكنا اعتقالهم، وأعطيا إذنا مسبقا لقتل أبرياء في إطار تصفية مطلوبين.

هذه هي القضية الحقيقية التي ينبغي التحقيق فيها. قضية أبطالها ليس من بينهم بلاو، الذي قام بعمل ممتاز حين كشف للجمهور أمراض الجهاز، أو مصادره، بل أولئك القادة الكبار الذين قرروا أن يركلوا تعليمات محكمة العدل العليا».

وحذرت «هآرتس» من محاولة المخابرات التستر على القضية الأساس، وقالت في ختام افتتاحيتها: «رئيس المخابرات وصف الوثائق السرية كوثائق كان يسُر الدول المعادية وضع يدها عليها. يحتمل. ولكن يحتمل أيضا أن جزءا من تلك الدول المعادية سيسرها أن تعرف أن إسرائيل أيضا تتصرف مثلها وتتخلى عن قيمها الديمقراطية، حيث إن الصحافة الحرة فيها هي شرط أساسي من شروط وجودها. إن التحقيق في تسليم وثائق سرية هو تحقيق مشروع، ولكن لا يمكنه أن يحل محل التحقيق الحقيقي المطلوب، التحقيق في الجريمة».