قرغيزستان: عرض «مغادرة آمنة» على باقييف.. واستئناف عمل القاعدة الأميركية

الرئيس المخلوع يواصل التحدي.. وينفي تورط روسيا أو أميركا في الاضطرابات

ناشطون موالون للمعارضة القرغيزية يحرسون مبنى حكوميا في العاصمة بشكيك أمس (إ.ب.أ)
TT

عرضت القيادة الجديدة في قرغيزستان أمس على الرئيس كرمان بك باقييف ممرا آمنا للخروج من البلاد بعد أن اتهمت أنصاره بالتحريض على العنف ردا على الانتفاضة التي أطاحت بحكمه قبل أيام قليلة في هذه الدولة الاستراتيجية الواقعة في وسط آسيا.

وقالت روزا أوتونباييفا التي ترأس حكومة انتقالية لم تعترف بها حتى الآن سوى روسيا إن القيادة الجديدة تسيطر على القوات المسلحة وستفعل كل ما هو ممكن لمنع اندلاع حرب أهلية في بلد يستضيف قاعدة عسكرية أميركية وأخرى روسية. وقالت أوتونباييفا للصحافيين أمس: «باقييف لديه فرصة لمغادرة البلاد، سنضمن سلامته الشخصية إذا استقال». كانت أوتونباييفا قد قادت المعارضة في انتفاضة الأربعاء الماضي وجعلت الجمهورية السوفياتية السابقة أكثر قربا من موسكو وأثارت الشكوك حول مستقبل قاعدة «ماناس» الجوية الأميركية وهي قاعدة حيوية للعمليات العسكرية لحلف شمال الأطلسي في أفغانستان. من جانبه، قال متحدث إن قاعدة «ماناس» الجوية استأنفت عملياتها العادية أمس بعد بعض التعطل في وقت سابق للرحلات الجوية. وتقول القيادة الجديدة في قرغيزستان إنها ربما تقلص مدة استئجار الولايات المتحدة للقاعدة. وسارع رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين إلى تقديم المساعدات للحكام الجدد الذين يقولون إن موسكو ساعدت في عملية الإطاحة بباقييف. وقال نيك داي الرئيس التنفيذي لشركة «ديليجنس إل إل سي» لمعلومات قطاع الأعمال: «الدليل الأكبر على ضلوع روسيا في الانقلاب هو أن الروس سارعوا إلى الاعتراف بالنظام الجديد في حين أن الولايات المتحدة والصين ما زالتا تحاولان معرفة ما يحدث».

وشهدت البلاد أمس يوم حداد بعد المواجهات الدامية التي أدت إلى الإطاحة بالرئيس باقييف فيما سادت مخاوف من حصول اضطرابات جديدة بعدما أكد الرئيس المخلوع رفضه الاستقالة أو مغادرة البلاد. وتجمع الآلاف في ساحة بشكيك المركزية قبالة مقر الرئاسة والحكومة حيث وقعت مواجهات الأربعاء في ذكرى الضحايا الـ76 الذين سقطوا خلالها بحسب الحصيلة الرسمية. ووضعت الحشود باقات من الورود أمام سياج المبنى الذي أغلقت كافة منافذه الذي كان الفضوليون ومثيرو الشغب يدخلون إليه أول من أمس. وبدأت أولى عمليات التشييع في العاصمة أمس.

وحذرت رئيسة الحكومة الانتقالية أوتونباييفا خلال عيادتها الجرحى في أحد المستشفيات من حصول اضطرابات جديدة. وقالت: «ليس من المقرر التفاوض مع باقييف»، واتهمت الرئيس المخلوع بمحاولة العودة إلى السلطة بعد الانتفاضة الدامية التي أطاحت به. وتساءلت: «ما هي الشروط اللازمة ليستقيل بعد أن كان أكثر من ألف مواطن ضحايا» المواجهات العنيفة التي دارت الأربعاء بين قوات الأمن والمعارضين وأوقعت 76 قتيلا وألف جريح، مؤكدة أن «مناصري باقييف في الجنوب يحاولون إعادته إلى السلطة».

وباقييف الذي لجأ إلى معقله جلال آباد جنوب البلاد، أعلن أمس في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية رفضه الاستقالة، مؤكدا استعداده للتفاوض مع المعارضة لتجنب اندلاع حرب أهلية. وقال: «لا أنوي مغادرة البلاد ولن أستقيل من الرئاسة»، مضيفا «أنا مستعد للجلوس إلى طاولة المفاوضات مع المعارضة»، مؤكدا من جهة أخرى «لم أعط الأمر بإطلاق النار» على المتظاهرين.

ونفى باقييف أن تكون روسيا أو الولايات المتحدة لعبتا دورا في الاضطرابات الأخيرة. وباقييف نفسه حملته إلى السلطة ثورة دامية عام 2005 قبل أن يتخلى عنه حلفاؤه الذين اتهموه بالاستبداد والمحاباة والمسؤولية عن الفساد المستشري في هذا البلد الفقير.

من جهة أخرى، أعلنت الحكومة الانتقالية أمس إصدار مذكرة توقيف بحق شقيق الرئيس المخلوع ورئيس الحرس الرئاسي يانيك باقييف الذي يعتقد أنه أعطى الأمر بإطلاق النار على المتظاهرين الأربعاء الماضي. وقال عظيم بك بكنزاروف المكلف بالشؤون القضائية في الحكومة الانتقالية إن «المحققين يعتقدون أن المسؤولية (عن المواجهات الدامية) تقع على عاتق رئيس جهاز أمن الدولة يانيك باقييف. لقد صدرت مذكرة توقيف بحقه».

وكانت الانتفاضة الأخيرة قد اندلعت بسبب السخط من الفساد ومحاباة الأقارب وارتفاع أسعار الخدمات العامة. بينما يعيش ثلث السكان تحت خط الفقر. وتمثل التحويلات المالية من 800 ألف قرغيزي يعملون في روسيا نحو 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لقرغيزستان. وفر باقييف إلى جنوب البلاد الذي يتمتع فيه بدعم تقليدي في منطقتي أوش وجلال آباد، في حين أطلقت قوات الأمن التابعة له النار على متظاهرين كانوا يحاصرون مباني الحكومة في العاصمة بشكيك يوم الأربعاء الماضي. وأمضت مجموعات من الحراس المتطوعين، الذين نظمتهم الحكومة الجديدة، الليلة قبل الماضية في مكافحة المشاركين في عمليات سلب ونهب لإعادة الهدوء إلى المدينة التي شهدت مقتل 76 شخصا على الأقل في اشتباكات الأربعاء. وقالت أوتونباييفا: «لدينا المصادر والقدرات الكافية وكل التأييد الشعبي الذي نحتاجه. القوات المسلحة كلها تحت سيطرتنا». وستؤدي الانتفاضة على الأرجح إلى مساومات جديدة بشأن قاعدة «ماناس» الجوية الأميركية التي مثلت مصدرا كبيرا للدخل لحكومات قرغيزستان.

في غضون ذلك، أعلن الاتحاد الأوروبي أنه قرر إيفاد السفير بيير موريل مبعوثا خاصا إلى قرغيزستان. وحسب متحدثة باسم الاتحاد الأوروبي، سيصل موريل إلى بشكيك اليوم في مهمة تهدف لتقصى الحقائق والتعرف على تطورات الأوضاع، وإجراء اتصالات مع السلطات المحلية ومعاينة ما يمكن للاتحاد الأوروبي أن يضطلع به في هذه المرحلة على صعيد تقديم المساعدات وتنسيق التحركات الدولية.