مدرسة إندونيسية تسعى للاعتراف بدورها في حياة أوباما

زميل سابق للرئيس الأميركي في صباه: كنا نضحك من طريقة نطقه للعربية

TT

بعدما ظلت تخيم على سيرته الذاتية لفترة طويلة داخل الولايات المتحدة إشاعات سوداء حول ارتياده مدرسة مسلمة راديكالية، يواجه الرئيس باراك أوباما ضغوطا من أقران الدراسة القدامى للخروج عن صمته وعرض حقائق ماضيه.

وقال إندرا ماديوا، جار الرئيس في مرحلة الطفولة، الذي اعتاد اللعب يوميا مع الصبي الذي كان يدعوه «باري» الأميركي القادم من هاواي: «الحقيقة واضحة. نعلم أنه مشغول، لكننا نرغب في إنعاش ذاكرته فحسب».

أما الأمر الذي يرغب ماديوا وأصدقاء الرئيس القدامى الآخرون في أن يتذكره أوباما فلن يشكل نبأ سارا لأولئك الموجودين داخل الولايات المتحدة الذين يصرون على أن الرئيس يتبع سرا الإسلام، حيث يؤكد هؤلاء الأصدقاء أنه رغم ارتياد أوباما مدرسة «بيسوكي»، التي ينتمي غالب أعضائها للإسلام، لمدة تقل عن العام، فإنه قضى الجزء الأكبر من السنوات الأربع التي عاشها في إندونيسيا في الدراسة في «سانتو فرانسيسكوس أسيسي»، وهي مدرسة تتبع الروم الكاثوليك وكان يديرها آنذاك قس هولندي صارم.

كانت مسألة ارتياد أوباما مدرسة ابتدائية كاثوليكية لبعض الوقت أثناء وجوده في جاكرتا بين عامي 1967 و1971 من الأمور المعروفة منذ أمد بعيد. إلا أن هذا الجزء من السيرة الذاتية للرئيس تراجع إلى مجرد ملحوظة هامشية بفضل جهود الدعاية النشطة التي بذلتها مدرسة منافسة، هي «بيسوكي»، التي تقع في واحدة من أكثر ضواحي جاكرتا ثراء.

جدير بالذكر أنه عندما وضع البيت الأبيض خططا لزيارة كان مقررا أن يقوم بها الرئيس لأكبر دول العالم من حيث عدد السكان المسلمين في مارس (آذار) الماضي، تضمن جدول الأعمال زيارة «بيسوكي»، وليس المدرسة الكاثوليكية التي قضى بها أوباما وقتا أطول بكثير. وعلقت يوستينا أميرة، ناظرة مدرسة «سانتو فرانسيسكوس أسيسي» بالقول: «إنهم جيدون للغاية في تسويق» صلاتهم بالرئيس الأميركي.

رغم روابط أوباما الأكثر عمقا بمدرسة «سانتو فرانسيسكوس أسيسي»، استحوذت «بيسوكي» على النصيب الأكبر من الاهتمام، ولم يكن جميعه إيجابيا. فمثلا، أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية عام 2008، أكد بعض النقاد مرارا أن أوباما ارتاد «مدرسة دينية إسلامية» في طفولته في إندونيسيا. ونظرا لأن المدرسة الكاثوليكية بدت مكانا غير محتمل لتلاوة القرآن، تركزت دائرة الضوء على «بيسوكي»، التي تضم بداخلها على الأقل مسجدا.

وانطلاقا من مشاعر الفزع التي سيطرت على مسؤولي المدرسة تجاه اتهامها بأنها أرض خصبة لنشر الإسلام المتشدد، حشد خريجو «بيسوكي» الذين ينتمون في الغالب إلى الأثرياء والشخصيات ذات النفوذ جهودهم لتحسين صورة المدرسة، والادعاء أن أوباما كان من طلابها. أما «سانتو فرانسيسكوس أسيسي» فقد غفلتها الأنظار.

عندما فاز أوباما في الانتخابات، زار كاميرون آر. هيوم، السفير الأميركي لدى إندونيسيا «بيسوكي»، وليس «سانتو فرانسيسكوس أسيسي». وعندما سافرت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية، إلى إندونيسيا في فبراير (شباط) 2009، اتخذ مسؤولون إندونيسيون وآخرون من السفارة الأميركية ترتيبات لصف طلاب من «بيسوكي» في انتظارها لتحيتها في مطار جاكرتا. وكان ضم زيارة «بيسوكي» لجدول زيارة أوباما إلى إندونيسيا الشهر الماضي، التي أرجئت إلى وقت لاحق من هذا العام، آخر صفعة تلقتها «سانتو فرانسيسكوس أسيسي».

وبعد أن تملكها السأم من إهمالها، قررت المدرسة الكاثوليكية مؤخرا الرد. وقال غاريبالدي ثوهير، أحد خريجي المدرسة الذي إلى جانب إدارته شركة تعمل بمجال الطاقة، يتولى قيادة الجهود الرامية لاستعادة أوباما لصالح «سانتو فرانسيسكوس أسيسي»: «قلت لنفسي: هذا ليس عدلا، علينا القيام بأمر ما في هذا الشأن. الحقائق تبقى حقائق. نريد أن نشرح للعالم حقيقة مفادها أن أوباما ارتاد (سانتو فرانسيسكوس أسيسي) على مدار نحو ثلاث سنوات».

في أواخر العام الماضي انضم ثوهير، الذي لا تربطه صلة معرفة بأوباما، إلى ماديوا وآخرين ممن كانوا على معرفة بالرئيس في محاولة لإعادة «سانتو فرانسيسكوس أسيسي» إلى الخريطة. ومؤخرا، وضعت المدرسة لوحة كبيرة خارج حجرة الدراسة التي كان يحضر فيها أوباما تضم مقولات مأثورة على لسان أوباما والقديس فرانسيس.

وقد قدمت كارين بروكس، أحد الأصدقاء القدامى لثوهير التي عملت بمجلس الأمن القومي في ظل رئاسة جورج بوش وتعمل حاليا مستشارة، أفكارا حول كيفية تعزيز سمعة المدرسة فيما يخص صلتها بالرئيس. خلال زيارة قامت بها مؤخرا إلى جاكرتا، قالت بروكس إن «سانتو فرانسيسكوس أسيسي» جديرة بالاعتراف بها كـ«صورة مصغرة من الحياة الإندونيسية»، باعتبارها مدرسة كاثوليكية تضم طلابا مسيحيين ومسلمين ومن أبناء ديانات أخرى. على سبيل المثال، يعتنق ثوهير الإسلام.

أما المعسكر الداعم لـ«بيسوكي» فيصر على أنه لم يقصد قط سرقة الأضواء من «سانتو فرانسيسكوس أسيسي»، لكن هاسميه، ناظر مدرسة «بيسوكي»، قال إن «هذه المدرسة تمثل إندونيسيا».

على خلاف الحال مع «سانتو فرانسيسكوس أسيسي»، وهي مؤسسة خاصة تضم كنيسة كبيرة، تخضع «بيسوكي» لإدارة الدولة وتضم مسجدا، ورغم أنه يرتادها طلاب مسيحيون، فإنها أكثر توافقا مع التوجه العام للبلاد التي تضم أكثر من 200 مليون مسلم. خلال تجمع يعقد صباح الاثنين، تذيع المدرسة النشيد الوطني وأغنية في مدح أوباما عبر مكبرات الصوت داخل ملعب «بيسوكي».

كما تفصل بين المدرستين الطبقات الاجتماعية، حيث تقع «بيسوكي» في ضاحية منتنغ التي ينتمي سكانها لأصحاب الدخول المرتفعة، على بعد خطوات قليلة من المقر الرسمي الفخم للسفير الأميركي. وتأسست المدرسة في ظل الحكم الهولندي الاستعماري كمدرسة لأبناء الصفوة. واستمرت في دورها هذا بعد الاستقلال، حيث تولت تعليم أبناء المسؤولين ورجال الأعمال والأطباء والميسورين من سكان الضاحية.

في المقابل، تختبئ «سانتو فرانسيسكوس أسيسي» في الشوارع الضيقة الملتوية في ضاحية منتنغ - دالام الأقل ثراء بكثير. ورغم أن أطفال المدرسة ليسوا من الفقراء، فإنهم كانوا، خاصة في الفترة التي كان يرتاد خلالها أوباما المدرسة، ينتمون إلى مستويات اقتصادية أقل من تلك التي ينتمي إليها طلاب مدرسة «بيسوكي».

كان أوباما قد انتقل إلى إندونيسيا عام 1967 برفقة والدته، عالمة الأنثروبولوجيا الأميركية آن دنهام، وزوج والدته الإندونيسي لولو سويتورو. وعاشت الأسرة في منزل بالإيجار مؤلف من طابق واحد في ضاحية منتنغ - دالام.

وتكشف السجلات المدرسية القديمة في «سانتو فرانسيسكوس أسيسي» أن أوباما التحق بالصف الأول عند بداية العام الدراسي الذي بدأ في الأول من يناير (كانون الثاني) 1968 تحت اسم باري سويتورو. وقد جرى تسجيله باعتباره مسلما بناء على ديانة زوج الأم. وكان جميع الطلاب، بغض النظر عن ديانتهم، يحضرون تلاوة الصلوات المسيحية.

في فترة ما في صفه الثالث في المدرسة، انتقلت والدة أوباما إلى منتنغ. وبالتالي انتقل أوباما إلى مدرسة «بيسوكي». وفي غضون أقل من عام بعد ذلك عاد إلى الولايات المتحدة. ومن غير المعروف تحديدا عدد الشهور التي قضاها في «بيسوكي» بسبب تعرض سجلات المدرسة للتدمير بسبب الفيضانات منذ سنوات.

خلال فترة وجوده في «بيسوكي» تلقى أوباما بعض التعليم حول الإسلام. ويتذكر زميله في الدراسة رولي داساد أن أوباما كان يتجول في الفصل أثناء حصة الدين، وكان أقرانه يضحكون عليه أثناء تلاوته بسبب «طريقة نطقه المضحكة» للغة العربية. يذكر أن داساد تحول في وقت لاحق إلى المسيحية.

ومثل الكثير من أبناء «بيسوكي»، جاء داساد من خلفية اقتصادية ميسورة. في الستينات، كانت أسرته تملك واحدة من سيارتين «كاديلاك» فقط في إندونيسيا. ومن بين خريجي المدرسة الآخرين رئيس شركة الخطوط الوطنية الإندونيسية وأعضاء بالبرلمان.

الملاحظ أن «بيسوكي» تتمتع بأصل آخر تفتقده «سانتو فرانسيسكوس أسيسي»، يتمثل في صور لأوباما داخل المدرسة. عن ذلك، قال هيرماسياه ثايب رئيس اتحاد خريجي «بيسوكي»: «بمقدورهم قول ما يريدون، لكن نحن نملك الصور». عندما بعث زميل دراسة سابق لأوباما عدة صور قديمة للبيت الأبيض العام الماضي، استجاب الرئيس بإرسال بطاقة شكر شخصية، كتب فيها «لقد استمتعت بمشاهدة الصور. لقد شعرت وكأنني كنت ألعب مع أقراني في الفصل في جاكرتا بالأمس القريب فقط».

من جانبه، قال نورماريا ساروسا، زميل أوباما في الدراسة في «سانتو فرانسيسكوس أسيسي»، إن عدم وجود سجل مصور للفترة التي قضاها في المدرسة الكاثوليكية أسهم في تعزيز مكانة المدرسة كمؤسسة تخدم الفئات الأضعف من المجتمع، ذلك أن الأطفال الأثرياء فقط هم الذين امتلكوا كاميرات في الستينات. وقال: «لم يكن أحد داخل (سانتو فرانسيسكوس أسيسي) حينها يملك كاميرا».

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»