اقتصاديون ليبيون بالمنفى يربطون عودتهم بإنجاز إصلاحات سياسية

بعضهم قال لـ «الشرق الأوسط» إن الحرس القديم ما زال يقاوم التغيير

TT

يجري رجال أعمال ليبيون وأبناء لهم ممن يعيشون في المنفى منذ أن صادرت الدولة أملاكهم وأعمالهم في السبعينات اتصالات منذ عدة أشهر مع سيف الإسلام، نجل الزعيم الليبي معمر القذافي، من أجل الإسراع في إنجاز ما وعد به من إصلاحات، تمكنهم من العودة إلى ليبيا والاستفادة من الفرص الاستثمارية المنظورة في البلاد.

ومنذ البداية نأى رجال أعمال ليبيون عن الانخراط في أنشطة المعارضة الهامشية التي ظهرت ضد القذافي من مئات الليبيين ممن فروا إلى بعض العواصم الغربية في النصف الثاني من القرن الماضي. لكن مشكلة رجال الأعمال أولئك مع الحكومة الليبية ظلت تدور حول الأملاك، من أموال وأراض ومنشآت، صادرتها الثورة منهم قبل ثلاثين عاما، ويقدرون قيمتها اليوم بمليارات الدولارات. ونجح عدد من رجال الأعمال الليبيين في توريث أبنائهم شركات ضخمة أسسوها في سنوات الاغتراب في كندا وبريطانيا وغيرهما.

ويبلغ معظم هؤلاء الرجال مراحل سنية متقدمة تتراوح بين 60 و80 عاما. ويدير أبناؤهم، وهم في الثلاثينات والأربعينات من العمر ويتحدثون بطلاقة لغات البلاد الأجنبية التي كبروا فيها، استثمارات آبائهم الجديدة بشكل فعلي، وتقدر هي الأخرى بمليارات الدولارات.

وتأثرت استثمارات عدد من رجال الأعمال الليبيين ممن يعملون في الدول الغربية بالأزمة المالية العالمية، وبينما كان بعضهم يوجه أعماله لعدة دول عربية، تنامت الرغبة في الاستفادة من الانفتاح الملحوظ من جانب ليبيا على الشركات الغربية في نفوس مستثمرين ليبيين، ممن أسسوا أخيرا مشروعات فعلية في القاهرة ودول خليجية.

وقال رجل أعمال ممن التقتهم «الشرق الأوسط» في القاهرة أمس إنه ورجال أعمال ليبيون آخرون ممن يعيشون منذ سنوات طويلة خارج البلاد أصبح لديهم لأول مرة منذ عقود قناة اتصال مع طرف ليبي «متفهم» وله صلة بقيادات عليا في الدولة، ويمكن أن يكون هو القائد الفعلي في ليبيا في مرحلة لاحقة. لكنه في المقابل أعرب عن شكوك في قدرة نجل القذافي على الخروج من دائرة الحرس القديم ذي القبضة الحديدية، في إشارة إلى رجال الثورة التي قام بها القذافي عام 1969. وقال: «من الطبيعي أن يقاوم الحرس القديم أي تغيير، لكن التغيير لا بد أن يحدث في نهاية المطاف، هذه طبيعة الحياة».

وأضاف رجل أعمال ليبي آخر، معروف باستثماراته الكبيرة في بريطانيا وتركيا ومصر: «كل ما نريده هو أن نعود ونعمل وفق قوانين واضحة.. أعتقد أن القوانين فقط هي التي تنقصنا.. أي رأسمال يحتاج لقوانين، وهذا ما طالب به المستثمرون الأجانب الذين سبقونا إلى السوق الليبي.. نحن نرى كليبيين أن الاستثمار في ليبيا أولوية لنا، لكن نريد أرضية واضحة، وعدالة.. يعني لن نعمل هناك ما دمنا لم نطمئن لانتهاء القرارات المفاجئة بمصادرة أموال هذا أو ذاك». وأردف قائلا: «في آخر اتصال لي بسيف الإسلام سألته إلى أي مدى يمكن بالفعل طرح دستور جديد، وقوانين جديدة والعمل بها. ما ألمسه من اتصالاتي أنه توجد رغبة لدى الجميع في تحسين الأحوال والانفتاح الحقيقي لتوفير فرص عمل لليبيين، لكن الاختلاف بينهم (في ليبيا) ما زال حول الطريقة التي يمكن أن يتم بها هذا. توجد اجتهادات، لكن لا يمكن أن تظل الدولة بلا دستور». ولهذا الرجل الذي تعود أصوله لمدينة طرابلس الغرب ثلاثة أولاد يديرون عمل مجموعاته الاستثمارية في عدة بلدان. ويتحدثون الإنجليزية، كأهل لندن، ويتحدثون بغيرة من الشركات الغربية التي تمكنت من دخول السوق الليبي، في العامين الماضيين، للعمل في مجالات البنية الأساسية والتنقيب عن البترول وإنشاء سلاسل المطاعم، والمراكز التجارية، كان آخرها قيام مدير عام شركة بي بي النفطية البريطانية، ماك دويل، بزيارة تفقدية لإمكانية توسيع الأعمال في ليبيا.

ويقول الابن الأكبر لهذا الرجل: «نريد أن نستثمر في بلادنا، لكن لا بد من ضمانات.. بعض الشخصيات في الدولة الليبية تقول أنتم أبناؤنا وإذا عدتم لن يعترض أحد عملكم.. سيف الإسلام، مثلا، يقول ذلك حين نتصل به، ويقول أيضا إنه لا ينسى أن لنا أملاكا في ليبيا (صودرت قبل ثلاثة عقود من الزمان) وتحتاج إلى مراجعة، لأن الدولة أقامت عليها مشروعات. ونقول له حتى هذه الأملاك القديمة يمكن أن نتغاضى عنها، لأن ما نحتاج إليه هو أن نشعر بالطمأنينة. ونحن ندعوه للإسراع في إنجاز الإصلاحات السياسية».

وبشكل كبير انخرط رجال أعمال ليبيون من المقيمين بالداخل في أعمال تنفذها الدولة في عدة مدن في العامين الأخيرين، وأسس بعضهم مجالس للتعاون مع مستثمرين من أميركا وأوروبا، لكن التعاون مع رجال أعمال ليبيين من المقيمين في الخارج ظل يراوح مكانه.

ومنذ انتهاء أزمة ليبيا مع الغرب مع مطلع الألفية الجديدة، وذلك برفع الحظر الذي فرضه عليها المجتمع الدولي على خلفية تفجير طائرة بان أميركان فوق بلدة لوكيربي، بدأت البلاد تتجادل عما يمكن أن تقوم به من إصلاح. وظهر في مقدمة هذا المشهد سيف الإسلام، الذي ذكرت تقارير عدة مرات أنه تعرض لإحباطات من الحرس القديم، وأن مساعيه لتأسيس دستور للبلاد، وغلق الملفات القديمة سياسيا واقتصاديا وحقوقيا لا تسير بالطريقة المأمولة.