الجنوبيون في ضواحي الخرطوم يريدون التعليم والصحة.. ويجهلون الانتخابات

لا تويتر ولا مدونات.. الراديو هو الوسيلة الرئيسية لتتبع الانتخابات في الجنوب

TT

أمام صعوبة وتعقيد الانتخابات التي يجهلون عنها كل شيء تقريبا والدعوات إلى المقاطعة التي قلما تصلهم أصداؤها، ليس لدى الجنوبيين من سكان حي سوبا الفقير على تخوم الخرطوم سوى رسالة واحدة: نريد التعليم، نريد الرعاية الصحية.

ويقع حي سوبا على بعد كيلومترات من وسط العاصمة السودانية فوق أرض صحراوية مغبرة وسط الركام وبقايا حركات النزوح الكثيفة خلال 22 عاما من الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب والتي انتهت بتوقيع اتفاق سلام في 2005. وبين أكوام الخيام الممزقة ومنازل الطين، يبدو السكان بمنأى تماما عن أصداء الحملة الانتخابية وآخرها انسحاب الحركة الشعبية لتحرير السودان، التي قاتلت على مدى عقدين حكومة الشمال باسم الجنوبيين.

ولأول مرة في تاريخ السودان تجرى انتخابات في كل جنوب السودان، حيث جرت جزئيا في انتخابات عام 1964 وعام 1968، وعام 1986، وذلك بسبب الحرب في الجنوب. ويقول المحلل السياسي الدكتور الطيب زين العابدين لـ«الشرق الأوسط» إن الحركة الشعبية لها فرص فوز أكبر في الجنوب، ولكنها ستواجه تحدى ترشح أكثر من 350 من قياداتها الوسيطة في المستويات المختلفة في الانتخابات، أغلبهم للبرلمان القومي، بدون موافقتها، فيما يواجه حزب وزير الخارجية السابق لام آكول الصعوبة في حرية الحركة، وعليه سيتركز نشاطه في مدينة ملكال مركز ثقل آكول. وبدا أن المنافسة على شتى المستويات الانتخابية في الجنوب تنحصر بين كتلتين، كتلة بقيادة الحركة الشعبية، وتضم 11 حزبا جنوبيا، وكتلة أخرى تضم حزب لام آكول و8 أحزاب جنوبية أخرى تحالفت معه في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

ويتفق محللون في الخرطوم تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن التحدي الأول للانتخابات في الجنوب هو توفير الأمن بما يمكن من إجراء الانتخابات بصورة آمنة في أغلب المناطق، ويعتبر الدكتور زين العابدين هذا التحدي «هو الرئيسي»، كما يرى المحللون أن توفير الحريات الكافية لممارسة العمل الانتخابي تحد آخر يقع على عاتق الجميع.

ويقول جاكسون جوزف (28 عاما) الطالب في الهندسة والنازح من ولاية شرق الاستوائية في أقصى جنوب البلاد، «لا أعرف شيئا عن قرار الحركة الشعبية أمس». وبالمثل رد جيمس. وأضاف جيمس البالغ من العمر ثلاثين عاما «كنت أنوي التصويت، ولكني الآن لن أذهب». ونزح جيمس من قرية قريبة من ملكال، في ولاية أعالي النيل. وتجمع بعض الشباب حولهما للاستماع للمحادثة. وقال جيمس إن قرار الحركة الشعبية «إيجابي، على ما أظن. ولكن لأكون صريحا لا أعرف تماما ما يحصل. كل ما أريده هو أن يستمر اتفاق السلام».

ولم ينتظر سكان سوبا الذين ليس لديهم لا كهرباء ولا ماء، قرار المقاطعة ليحجموا عن المشاركة في الانتخابات التعددية الأولى منذ نحو ربع قرن في السودان. وقال جاكسون جوزف «لو أن (ياسر) عرمان غير مشارك، فسوف أعطي صوتي إلى لام آكول». وبدا أن الشاب يخلط بين الانتخابات الرئاسية لعموم السودان وانتخابات رئيس حكومة جنوب السودان. فياسر عرمان كان مرشح الحركة الشعبية لرئاسة السودان أمام الرئيس عمر البشير قبل أن ينسحب. كما أن النازحين الجنوبيين في شمال السودان لا يمكنهم التصويت لانتخابات رئيس حكومة جنوب السودان التي ترشح لها لام آكول وسلفا كير، الرئيس الحالي لحكومة جنوب السودان. ويضيف جيمس، معبرا عن حالة الإرباك التي تسيطر على الجميع «لقد سجلت اسمي وأصوت من أجل الرئيس سلفا لأنه ممثلنا».

أما عبود (22 عاما) الذي وصل طفلا إلى الخرطوم «لأن الوضع كان صعبا جدا بسبب الحرب في ملكال»، فعبر عن رغبته في المشاركة في الاقتراع، بقوله «طلبت من أبي أن يحصل لي على بطاقة تصويت في ملكال، لكني لم أتسلمها بعد».

ورغم عدم فهمهم لحيثيات الاقتراع، يوجه سكان هذا الحي الفقير رسالة واضحة. وفي حين كان الناس يمرون بالقرب منه حاملين صفائح مملوءة بمياه الشرب، قال جيمس «نريد رعاية صحية. لو أن أحدا يؤمن لنا التعليم، والصحة والعمل، سأصوت له». ومثل جيمس، تحلم الغالبية العظمى من سكان الحي بالعودة إلى «البلد». ويقول وليام غالز (21 عاما) «أريد أن أنهي دراستي وأصبح طبيبا، ليس في الخرطوم بالطبع». ولم يكن وليام سوى طفل رضيع عندما هرب أهله من الحرب، وهو يعتبر الاستفتاء على استقلال الجنوب المقرر مطلع 2011 «أكثر أهمية بكثير» من هذه الانتخابات. وتقول ربيكا (31 عاما) التي عاد أولادها التسعة إلى ملكال، «إذا لم تشارك الحركة الشعبية في الانتخابات هنا، أريد العودة إلى البلد». وتضيف هذه المرأة التي تعمل في خدمة المنازل، «لكني مضطرة للبقاء هنا الآن، لأني محتاجة لجمع بعض المال». ويقول مايكل (25 عاما) الذي جاء لزيارة إخوته، إن «هناك مشكلات قبلية كثيرة في ملكال». ويضيف «وإن كان الناس هنا يعيشون كلهم معا، فإن الوضع ليس آمنا، والشرطة غالبا ما تداهم الحي».

وفي مناطق الجنوب لا يوجد تويتر ولا مدونات، ولا حتى حوار تلفزيوني، ففي عصر وسائل الاتصال الرقمية، لا تزال الإذاعة الوسيلة الإعلامية الرئيسية في جنوب السودان حيث يتسقط السكان وأغلبهم أميون أخبار الحملة الانتخابية عبر الترانزستور. وفي الولايات الجنوبية العشر الفقيرة التي تعد تسعة ملايين نسمة يعتبر الراديو «الوسيلة الإعلامية الأولى. ففي جوبا وحدها توجد عشر محطات» كما يقول جان كلود لابريك، المحرر الرئيسي في إذاعة الأمم المتحدة «راديو ميرايا». ويضيف الإذاعي الكندي الذي عمل 35 عاما في إذاعة كندا لوكالة الصحافة الفرنسية «هناك بعض محطات التلفزيون، ولكن معظم الناس ليس لديهم جهاز تلفزيون، لا بل لا توجد لديهم كهرباء». أما عن الصحافة المكتوبة، فتقول باولا موغي، التي تدير شبكة إذاعة جنوب السودان الكاثوليكية، إن «80% من سكان جنوب السودان أميون».

وفي غياب المطابع في جنوب السودان، تطبع صحف الجنوب في الخرطوم على بعد 1200 كلم شمال جوبا، وتنقل بالطائرة إلى بعض مدن الولايات الجنوبية. وعدا عن بعض التجمعات الجماهيرية، خيضت الحملة الانتخابية عبر الإذاعة في الأساس، كما يقول لابريك، حيث يعتاد الناس هنا على وضع جهاز الترانزستور الصغير قرب أذنهم. وتقول باولا موغي «بيّن تحقيق أجريناه أن الناس هنا يستمعون إلى الإذاعة طوال النهار. ليس لدى الجميع جهاز راديو، ولكنهم يتجمعون لدى أقاربهم». وفي هذه المنطقة الفقيرة، يخصص قسم كبير من البرامج للتعليم والصحة، كما تقول الأخت باولا الإيطالية، لكن «المستمعين مهتمون كذلك بالطبع بأخبار» الانتخابات.