نزاعات تنظيم «القيادة العامة» الداخلية أكبر من الاشتباكات التي شهدها البقاع اللبناني

ملف «السلاح الفلسطيني خارج المخيمات» يعود إلى الواجهة في لبنان

TT

بقيت الأنباء متضاربة حتى يوم أمس حول حقيقة ما حدث في البقاع اللبناني، يوم الأربعاء الماضي، من اشتباكات بالأسلحة الثقيلة، في مواقع عسكرية تابعة لـ«الجبهة الشعبية - القيادة العامة»، أودت بحياة شخص، وتسببت في جرح ثلاثة. مسؤول «الجبهة الشعبية - القيادة العامة» في لبنان أبو عماد رامز مصطفى كان قد أكد في مؤتمر صحافي، يوم أول من أمس، أن لا انشقاق في صفوف تنظيمه، وأن «الجبهة» تملك معلومات تؤكد أن المجموعة التي نفذت الهجوم على الموقع فعلت ذلك «بدوافع سياسية وأمنية، بهدف وضع ملف السلاح الفلسطيني خارج المخيمات على الطاولة، وإحراج الجانب السوري عشية الزيارة المرتقبة للرئيس سعد الحريري إلى سورية». وإذ رفض مصطفى تحديد اسم الجهاز الأمني، إلا أن المسؤول الإعلامي للجبهة في سورية أنور رجا كان قد اتهم صراحة «شعبة المعلومات» في قوى الأمن الداخلي اللبناني بتدبير هجوم على موقع للجبهة.

ويقول مصدر فلسطيني مطلع قريب من «القيادة العامة» إن ما حدث من اشتباكات في منطقة «كفر زبد» و«كوسايا» البقاعيتين أحرج سورية لأن التنظيم الفلسطيني محسوب عليها، وتصريحات المسؤولين في «القيادة العامة» لم تكن موفقة وزادت الطين بلة، خصوصا في ظل الكلام عن زيارة للرئيس الحريري لسورية. وسبب التضارب في التصريحات التي صدرت بعد الاشتباكات عن القيادة العامة في رأي المصدر هو أن «القيادة العامة» لا تريد أن تقول الحقيقة، وهي بكل بساطة أن ثمة خلافات داخلية بين رجالها، ونزاع على المناصب، وهو ما أشعل المعركة.

ويشرح المصدر الفلسطيني: «التنظيمات الفلسطينية تعيش موسم مؤتمرات، وتعيينات، والقيادة العامة تعقد مؤتمرا هذا الشهر في لبنان لإجراء تعيينات قيادية. والعقيد الذي قام بالهجوم ويدعى دريد شعبان هو المكلف رسميا من قبل القيادة العامة بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية اللبنانية من جيش وقوى وأمن، وبهذا المعنى فإن عمله مرتبط مباشرة مع السلطات اللبنانية. ومع أن القيادة العامة كانت قد وعدت هذا الضابط بمنصب رفيع إلا أنه يتبين من خلال المشاورات الجارية حاليا أنه سيتم استبعاده، مما أثار غضبه، وجعله يقوم مع عشرة من رجاله بإطلاق النار على موقع «كفر زبد» للقيادة في البقاع للسيطرة عليه، والتفاوض مع قيادته من موقع قوة». ويضيف المصدر: ومع تطور المعارك اضطر شعبان ومعه أربعة من رجاله للجوء إلى الجيش اللبناني، خصوصا أن عمله في الأساس مرتبط بالجيش، في ما استطاعت القيادة العامة أسر أربعة آخرين».

ينفي المصدر أن يكون لهذا الحادث أي أبعاد سياسية على صلة بالعلاقات اللبنانية - السورية، أو أن تكون سورية تحاول الضغط على لبنان من خلال تحريك هذا التنظيم المحسوب عليها. ويقول: «بل على العكس، هناك محاولات لتحسين العلاقات، لذلك بادرت سورية إلى عرض المساعدة في حل مشكلة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات. فسورية لا تملك أمام أخطاء القيادة العامة إلا أن تسعى لتنفيس الاحتقان اللبناني، ولو بالتصريحات. فقد عاش سكان القرى في تلك المناطق ذعرا حقيقيا، بسبب استخدام الصواريخ والراجمات والمدفعية في المعركة، وهذا لم تكن سببه إسرائيل التي تدعي القيادة العامة أنها توجد على هذه الأراضي اللبنانية لتقاتلها، وإنما سببه خلافات داخلية على المناصب». وعن انعكاسات ما حدث على الوضع الفلسطيني في لبنان يقول المصدر: «النتائج سنراها ربما على مستوى القيادة العامة، حيث سيضطر متمردون آخرون، غير شعبان، لالتزام الصمت أو الاستقالة. أما على المستوى اللبناني فستكون فرصة للبعض لإعادة تحريك الملف الفلسطيني خارج المخيمات». ويشرح المصدر أن «مشكلة القيادة العامة اليوم أن رجالها منقسمون بين مسؤولين اثنين، الأول المسؤول الأول هو أحمد جبريل الذي يشرف مباشرة على موقع قوسايا في لبنان، والمسؤول الثاني هو نائبه طلال ناجي، وكل منهما له أجنحته ورجاله ومقاتلوه. وبعدما وقعت الاشتباكات حاولت القيادة التستر على مشكلاتها الداخلية، فوقعت في مشكلة أكبر بسبب تناقض التصريحات وهجوم رجا غير المبرر على رئيس «شعبة المعلومات» وسام الحسن، الذي هو مسؤول عسكري لبناني يقوم بواجبه. فمن غير المعقول أن تنتدب القيادة العامة شخصا لينسق مع الجهات العسكرية اللبنانية ثم تتهمه بأنه عميل لها. المشكلة داخل القيادة أن قراراتها فوقية، ولا تستشير المسؤولين في المناطق الذين هم أدرى بما يحدث على الأرض».

وجدير بالذكر أنه إضافة إلى المخيمات الفلسطينية في لبنان، هناك مواقع عسكرية فلسطينية خارج المخيمات، تقع غالبيتها على الحدود مع سورية وتسيطر عليها القيادة العامة، وتعتبر مستودعات كبيرة للأسلحة، ومربوطة بمناطق كبيرة بواسطة شبكة من الأنفاق. لكن العارفين بأمور هذه المواقع يقولون إن أكثر هذه المواقع العسكرية خطر على الأمن الداخلي اللبناني هو ذاك الموجود في منطقة الناعمة. وهذا الموقع ليس حدوديا، وهو في العمق اللبناني، يقع على الطريق بين بيروت والجنوب، وعلى مقربة من المطار، ومزود بأنفاق أخطبوطية، لذلك يعتبر هذا الموقع العسكري جزيرة، يقال إن الداخل إليها مفقود والخارج مولود.

والاشتباكات التي حدثت في منطقة «كفر زبد» البقاعية يوم الأربعاء أثارت فيضا من التصريحات والمواقف، فقد طالب النائب عن حزب الكتائب سامي الجميل الجيش اللبناني القيام بواجبه وإنهاء حالة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات. وسخر قائد القوات اللبنانية سمير جعجع من عرض سورية المساعدة في حل مشكلة السلاح الفلسطيني بالقول: «يمكن أن نقول كثيرا من الأمور على المسؤولين السوريين إلا أنهم (غير مهضومين) باعتبار أن المعسكرات الفلسطينية الواقعة على الحدود اللبنانية - السورية والموجودة على الأراضي اللبنانية التي لا يمكن الوصول إليها إلا عبر الأراضي السورية تضم مجموعات مسلحة منظمة من المخابرات السورية وممولة بشكل من الأشكال من الدولة السورية التي تدربها وتسلحها وترسلها إلى لبنان».

أما عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب نوار الساحلي فنفى «كل الكلام الذي تحدث عن إطلاق قذائف»، وشدد على أن «ما حصل هو حادث فردي على أفضلية سير وأطلق خلاله أربع رصاصات فقط والقوى الأمنية تقوم بدورها».