سلسلة تحركات أميركية ـ صينية أعادت «أهم علاقة ثنائية» لأوباما إلى مسارها

واشنطن أعلنت التزامها بصين واحدة وأجلت تقرير اليوان.. وبكين ردت بالمشاركة في مناقشة عقوبات إيران وحضور القمة النووية

وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون خلال القائها محاضرة في جامعة لويزفيل في كانتكي شرق الولايات المتحدة (أ.ب)
TT

في التاسع والعشرين من مارس (آذار) الماضي، وفي منتصف بيان حول جولة وشيكة إلى البلقان، خرج نائب وزيرة الخارجية الأميركية، جيمس بي. ستاينبرغ، عن مسار حديثه حول البلقان، وبدأ يناقش جولة قام بها في الفترة الأخيرة إلى بكين.

وأثناء حديثه إلى الصحافيين في مركز الصحافة الأجنبية في واشنطن، أعلن ستاينبرغ أنه على عكس مخاوف البعض (ولم يسمهم)، فإن السياسة الأميركية بشأن الصين لم تتغير، والولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بسياسة «صين واحدة»، وتعارض استقلال تايوان والتبت. وأكد للصحافيين أن تصريحه يصب «في مصلحة أصدقائنا الآسيويين هناك». وفي الحقيقة، كان ذلك يصب في مصلحة الصين.

وجاء ظهور ستاينبرغ في وسط سلسلة منسقة بشدة من التحركات من جانب واشنطن وبكين من أجل العودة بالعلاقات الأميركية - الصينية إلى المسار الصحيح مرة أخرى. وبعد 3 أشهر تقريبا من الخلافات حول «غوغل» وبيع الأسلحة لتايوان، والعملة الصينية، والدالاي لاما وإيران، خلُص الجانبان إلى أنه حان الوقت للمضي إلى الأمام.

وفي الوقت الذي أصدر فيه كل جانب مطالبه، لانت الولايات المتحدة قليلا، حيث استخدمت ظهور الرئيس أوباما وستاينبرغ لتهدئة الغضب في بكين، وأعلنت أنها ستؤجل تقريرا لوزارة الخزانة كان من المتوقع أن يعلن أن الصين تتعمد خفض عملتها، اليوان.

بيد أن الصين بدت لينة بدرجة أكبر، حسبما قال دبلوماسيون من الدولتين. فقد قبلت الصين مطلبا أميركيا بالانضمام إلى المحادثات بشأن فرض عقوبات على إيران فيما يتعلق ببرنامجها المزعوم لصناعة الأسلحة النووية. وقالت الصين إن رئيسها، هو جين تاو، سيحضر قمة الأمن النووي، هذا الأسبوع في واشنطن.

وأشارت بكين بقوة إلى أنها ستعيد تقييم عملتها خلال الفترة المقبلة، وجاء ذلك بعد أسابيع قليلة من تصريح رئيس وزرائها بأن إجراء إعادة تقييم للعملة أمر غير وارد. وخرجت بكين خالية الوفاض بشأن مطالبها من الولايات المتحدة المتمثلة في توقف إدارة أوباما عن بيع الأسلحة لتايوان، وقطع الرئيس الأميركي التقليد الذي استمر عقدا من الزمان، في لقاء القائد الروحي للتبت في المنفى، الدالاي لاما.

وتقدم المناورات الدبلوماسية التي بدأت في شهر مارس الماضي، واستمرت حتى الأسبوع الحالي، وجهة نظر مهمة بشأن ما وصفه أوباما بأنه أهم علاقة ثنائية لدى الولايات المتحدة.

وقال محللون إن هذه المناورات تعد علامة على أن الرئيس، الذي شارك بشكل مباشر في المفاوضات على الأقل لمرة واحدة، ووجه مسارها بعد ذلك على حد قول المسؤولين في الإدارة، أصبح ناضجا إلى حد كبير في قدرته على التعامل مع الصين.

بيد أن الرقص الدبلوماسي أكد أيضا حقيقة مهمة في العلاقات الأميركية - الصينية. وعلى الرغم من أن المألوف أن يسود الاعتقاد بأن الصين، باقتصادها الضخم والمليارات التي تستثمرها في سندات الخزانة الأميركية، وضعت الولايات المتحدة تحت رحمتها، فإن محللين صينيين وأميركيين ومسؤولين في الحكومة قالوا إن ما حدث خلال الشهر الماضي يظهر أن بكين لا يزال أمامها وقت عصيب لتترجم ثقلها الجديد إلى قوة حقيقية لفرض تغييرات على هذه القضايا طويلة الأمد، التي تعتبرها الصين جزءا من «مصالحها الرئيسية»، وهي التبت وتايوان.

وقال بوني إس غلاسير، الخبير في الشؤون الصينية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: «لقد كان ذلك معالجة ماهرة للغاية من جانب الصينيين. لقد كان صفقة دبلوماسية منسقة. كان هناك اعتراف من جانب مسؤولين أميركيين بأن الصين كانت مستعدة لإعادة العلاقات، لكنها كانت تحتاج إلى مساعدة للخروج من المأزق الذي وضعت نفسها فيه».

وبدأت هذه «المعالجة» قبل أيام من اجتماع أوباما في 18 فبراير (شباط) مع الدالاي لاما، الذي تصفه بكين بأنه «انفصالي» عازم على تفكيك الصين. وقبل أسابيع، أعلنت الولايات المتحدة أنها كانت تعتزم بيع أسلحة بقيمة 6.4 مليار دولار إلى تايوان، مما كان سيؤدي إلى تدهور العلاقات.

وأدى هذا الخلاف على نحو خاص إلى فشل أمل الإدارة الأميركية في الحصول سريعا على موافقة مجلس الأمن الدولي على فرض عقوبات جديدة على إيران. ورفضت الصين، التي تحظى بحق الفيتو في المجلس، مجرد التفكير في أي نقاش حول هذه المسألة.

وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهها المسؤولون الصينيون الاجتماع مع الدالاي لاما، والزعم بأن العلاقات الثنائية بين الدولتين انقطعت وأن الأمر منوط بالولايات المتحدة لإصلاحها، لمح المسؤولون الصينيون في واشنطن سرا إلى الإدارة بأنهم يرحبون بزيارة ستاينبرغ وجيفري بادر، مدير قسم آسيا في مجلس الأمن القومي.

في الوقت ذاته، بدأت الصين في تغيير موقفها بشأن إمكان حضور هو جين تاو قمة الأمن النووي. وقالت مصادر صينية إنه أعطى تعليمات للبعثات الصينية في واشنطن والأمم المتحدة بكتابة برقيات تشير إلى أن فشله في الحضور سيجعل الصين تبدو فاقدة التأثير. ولمح المسؤولون الأميركيون التغيير عندما غيّر نظراؤهم الصينيون ردهم من «صعب الحضور» إلى أن «هو جين تاو لم يقرر بعد».

زار ستاينبرغ وبادر الصين في الفترة من 2 إلى 4 مارس، وواجه مطالب من مسؤولين صينيين غاضبين. أولها، عدم موافقة أوباما على بيع أسلحة لتايوان مرة أخرى، والثاني أن لا يلتقي الرئيس ثانية بالدالاي لاما.

لكن خلف كل هذه الهياج الصيني، استشعر المسؤولان الأميركيان محاولة صينية لحفظ ماء وجه هو جين تاو من أجل حضور القمة النووية. وما إن عادا إلى الولايات المتحدة، حتى عقد المزيد من المباحثات مع السفير الصيني الحالي في واشنطن، تشو ون تشونغ، والسفير القادم تشانغ يه سوي، حتى قبل أن يقدم تشانغ أوراق اعتماده إلى الحكومة الأميركية.

ولترضية الصين، عرضت الولايات المتحدة إعادة التأكيد في جلسة علنية على سياسة «صين واحدة»، وفي الوقت ذاته تمت الموافقة على طلب صيني باجتماع السفير الصيني الجديد بالرئيس أوباما. وفي المقابل طلب المسؤولون الأميركيون مشاركة الصين في محادثات فرض عقوبات على إيران، وهو ما رفضته سابقا.

وفي الرابع والعشرين من مارس، تسربت أنباء بشأن تعهد الصين للمرة الأولى بالانضمام إلى المحادثات بشأن العقوبات على إيران، لرفضها مطالب الأمم المتحدة بوقف برنامج تخصيب اليورانيوم.

وبعد 5 أيام، التقى الرئيس أوباما تشانغ، واستخدم صيغة «صين واحدة»، لكن الرئيس أمضى الدقائق الخمس عشرة الباقية يحث الصين على المساعدة مع إيران، والسماح برفع قيمة اليوان مقابل الدولار. وفي نهاية اليوم، عقد ستاينبرغ مؤتمره الصحافي، الذي تحدث فيه في موضوعات من البلقان إلى بكين.

وفي الأول من أبريل (نيسان)، أعلنت الصين أن هو جين تاو سيحضر إلى الولايات المتحدة من أجل القمة، وسيلتقي الرئيس أوباما. في تلك الليلة، أجرى الرئيسان مكالمة هاتفية استغرقت وقتا طويلا إلى حد توقف الطائرة الرئاسية على المدرج 10 دقائق في قاعدة أندروز الجوية حتى يتمكن أوباما من إنهاء المكالمة.

بعد يومين من ذلك، أعلن وزير الخزانة، تيموثي غيتنر، أنه سيؤجل تقرير وزارة الخزانة الذي كان يتوقع أن يتهم الصين بالتلاعب في العملة. في تلك الفترة توقف غيتنر في الصين يوم الخميس للقاء نائب رئيس الوزراء الصيني، وانغ قيشان، المسؤول عن الاقتصاد.

وقال المسؤولون الأميركيون إن قرار غيتنر بتأجيل التقرير تم اتخاذه من دون اعتبار للتحركات الدبلوماسية الأخرى. فيقول مسؤول أميركي رفيع: «لم تجر محاولة لإخبار غيتنر بأن عليه القيام بذلك، لأنه يصب في مصلحة الولايات المتحدة بشأن العقوبات على إيران. وقد تم اتخاذ القرار بعد مشاورات سرية».

الدروس المستفادة من 3 أشهر من التوترات مع بكين غير واضحة، فردّ فعل الصين على صفقة الأسلحة التايوانية، كان من الممكن أن يحول دون تنفيذ الإدارة أي خطط مستقبلية بشأن تزويد تايبيه بالأسلحة، التي تضم 66 طائرة من طراز «إف 16»، وربما يكون رد الفعل ذلك قد دفع الإدارة إلى استنتاج أن رد الفعل الصيني كان طبيعيا.

وقال مسؤول الإدارة البارز: «شعرت الإدارة الأميركية بأن ما قامت به الصين لم يختلف عن ردود الأفعال السابقة. فلا يستمر غضبهم مدة طويلة، ثم تمضي الأمور مرة أخرى». وأشار المسؤولون الأميركيون إلى أن الصين لم تنفذ تهديداتها بشأن العقوبات على الشركات الأميركية المتورطة في بيع السلاح.

ويقول تشو فينغ، مدير برنامج الأمن الدولي في جامعة بيكن: «تايوان والتبت أولوية قصوى بالنسبة إلى الصين. لكن الأسلحة دفاعية، لم ينظر إليها بصورة أوتوماتيكية على أنها انتهاك خطير للمصالح الأساسية الصينية».

* خدمة «واشنطن بوست» - خاص بـ«الشرق الأوسط»