وزير مصري يعالج مشكلة التعليم بزيارات مفاجئة للمدارس

أثار جدلا بمعاقبة كامل طاقم مدرسة.. واعترف بأن مدرسيه كان يضربونه وهو صغير

TT

«بلد شهادات».. عبارة شهيرة، أطلقها نجم الكوميديا عادل إمام في إحدى مسرحياته الكوميدية، في ستينات القرن الماضي، لكنها انحرفت في ذاكرة المصريين، ليس كمشهد كوميدي بل كشهادة على حال التعليم.

«بلد شهادات» كانت اختصارا لمرحلة، وتواصلا مع مراحل أخرى سابقة أطلق فيها طه حسين صيحته الخالدة «التعليم كالماء والهواء حق لكل مواطن». وكان «عيد العلم» من أهم الأعياد في مصر، يقدم فيه كشف حساب عن الحالة التعليمية في البلاد، وتمنح الجوائز للأكفاء المتميزين.. لكن منطق مجتمع الاستهلاك حول التعليم إلى تجارة وسلعة، أصبح له سماسرة ومقاولون، في المدرسة والشارع والمقهى، والمؤسسات المعنية.

تختصر الجدة وصيفة إبراهيم (70) عاما، ناظرة مدرسة إعدادية سابقة، المشهد قائلة «المدرس زمان كان اسمه المعلم والمربي، وكان بكل مدرسة مجلس لأولياء الأمور يختارون بالانتخاب من قبل جميع أولياء الأمور، كان المجلس يجتمع بصفة شهرية، يناقش كل مشكلات المدرسة، يدعمها ويسهم في حلها.. باختصار كانت الأسرة مشاركة في العملية التعليمية.. الآن أصبح وضع المدارس سداح مداح.. والدروس الخصوصية تأكل الأخضر واليابس من دخل الأسرة المحدود».. تضرب الجدة كفا بكف وهي تقول «ربنا يستر على أولادنا، ويوفق وزير التعليم الجديد»، وفي رأيها أن الوزير يعمل بجد.

إجماع المصريين على أن التعليم هو حجر أساس النهضة والتقدم، ظل مجرد شعار، يتلكأ على عتبات الوزارات المتعاقبة منذ السبعينات، ووصل في السنوات الأخيرة إلى مرحلة اليأس التام.. تغوُّل الدروس الخصوصية حوّل أغلبية المدارس الحكومية إلى تكايا وهياكل شكلية للحصول على الأوراق الثبوتية كمبررات للانتقال من سنة إلى أخرى. في المقابل اتسع نطاق التعليم الخاص، وتعددت أشكال المدارس الأجنبية، باهظة التكاليف، لينحصر قوسها أمام شريحة محددة من المصريين، من بين نحو 16 مليون تلميذ يدرسون بمراحل التعليم ما قبل الجامعي.

قبل بضعة أيام لم يخجل وزير التربية والتعليم المصري الدكتور أحمد زكي بدر، الذي تولى هذه التركة قبل أربعة أشهر، أن يصف مدرسة إعدادية بمحافظة حلوان داهمها في زيارة صباحية مفاجئة بأنها «ليست مدرسة، فهي مزبلة وخرابة»، معاقبا كل طاقمها بالنقل إلى محافظة أخرى، ثم تراجع عن قراره ومنحهم فرصة أخرى لتحسين مستوى المدرسة.

صرامة الوزير وحزمه وزياراته المفاجئة وغير المفاجئة للمدارس أصبحت حديث الشارع المصري ووسائل الصحافة والإعلام، مما دفع البعض إلى أن يسبغ عليه لقب «الوزير الديناميكي»، وأيضا مقارنته بوالده اللواء زكي بدر أحد أشهر وزراء الداخلية في عهد مبارك.. فـ«ابن الوز عوام» كما يقول طارق علي «مدرس» بمدرسة ابتدائية، مشيرا إلى أن «إصلاح التعليم في مصر ليس معضلة، وليس مستحيلا، وأن العقبة الأساسية في ذلك هي إصلاح المدرسين أنفسهم، فمعظمهم أهمل واجبه التعليمي، وباع ضميره في سوق الدروس الخصوصية». وينفي طارق أن تكون ضغوط الحياة هي السبب في ذلك، فالمدرسون خاصة بعد سياسة الكادر الخاص الذي أقرته الوزارة تحسنت رواتبهم. ويتباهى طارق بمدرسته، وعلى حد قوله «المسألة مسألة قدوة، في مدرستنا ناظر قدوة، يراعي ضميره، مخلص لرسالته كمربي أجيال، ويتحاور مع المدرسين ويناقشونه بحرية وبحب واحترام في إدارة شؤون العمل، وهو محبوب من التلاميذ، يتعامل معهم من منطلق أنه أب للجميع، وقبل أن نعلم التلميذ كيف يتهجأ شجرة، نعلمه كيف يزرعها، ويرعاها ويحافظ عليها، بل نعلمه كيف يرسمها حتى ننمي خياله وقدراته الخاصة».

أمارات حزم وزير التعليم الجديد بانت منذ بداية توليه الوزارة، فأعلن عن وضع خطة متكاملة لإصلاح المنظومة التعليمية، وبلور ذلك في الكثير من الإجراءات المشددة لإعادة الانضباط إلى المدارس والحفاظ على هيبة المدرس، والتزام الطلاب بالانتظام والحضور، بخاصة بعد انحسار الإصابة بإنفلونزا الخنازير، وإعطاء أولوية كبرى لممارسة الأنشطة المدرسية ورعاية النابغين بشكل دائم. كما شدد الوزير على ضرورة ربط التعليم بعملية التربية، مذكرا أنها تسبق كلمة التعليم في مسمى وزارته، مؤكدا على «ضرورة الالتزام بتحية العلم والنشيد الوطني خلال طابور الصباح لجميع المدارس الرسمية والخاصة والدولية، ولا تهاون في هذا، وسوف يتابعه بكل حزم»، وذلك بغرض تنمية الشعور بالولاء والانتماء الوطني لدى الطلاب. كما أكد على أهمية استغلال طابور الصباح في نشر الوعي الثقافي بين الطلاب، واستغلال فترات الإذاعة الصباحية لإطلاعه بالأحداث الوطنية والقومية ومعايشتهم لها، وأيضا ضرورة الاحتفال بالمناسبات والأعياد القومية بصورة واقعية وحقيقية.

وفي سياق المكاشفة والمصارحة كركيزة أساسية في عمله، اعترف وزير التعليم خلال اجتماعه أخيرا مع لجنة التعليم بمجلس الشورى، بأنه تعرض للضرب من المدرسين خلال فترة دراسته بالمرحلتين الابتدائية والإعدادية قائلا «أتذكر أن المدرسين كانوا يضربونني على يدي، وحينما كنت أتعب كانت تتم تكملة الضرب بالعصيان الباقية في اليوم التالي». ورغم اعتقاد بدر أن قرار منع الضرب في المدارس أفقد المدرس الكثير من هيبته، فإنه رفض سياسة الانتقام، مشددا على أن محور العلاقة بين المدرسة وأولياء أمور التلاميذ ينبغي أن ينهض على احترام كل طرف للآخر. ودعما لهذا المنحى طلب الوزير من الأكاديمية المهنية للمعلمين تفعيل شرط «الامتناع عن ممارسة أساليب غير تربوية تجاه الطلاب بدعوى تقويمهم» كأحد شروط تعيين المعلمين بالمدارس، على أن تحرم الوزارة المعلم الذي يَثبُت اعتداؤه، منذ التحاقه بسلك التدريس، على طلابه باستخدام أدوات أو من دونها أو بالقول، بالمخالفة للقرارات الوزارية، من الحصول على عقود التعيين في «التربية والتعليم» والتأهيل إلى الدرجات الوظيفية لكادر المعلمين.

طموح وزير التعليم في مدرس عصري، ومدرسة مفتوحة على ثورة المعلومات والاتصال، وعلى آفاق المنجز التكنولوجي الطافر لا ينتهي، بل يؤكده يوما بعد آخر، منوعا سياسته ما بين الثواب والعقاب، والمد والجزر، حاملا في حقيبته خريطة لمدارس مصر من شمالها إلى جنوبها، وجرسا لا يكف عن المفاجأة. فالخميس الماضي، قضى الوزير أكثر من 6 ساعات في خمس مدارس بالقاهرة، لم يكف خلالها عن المساءلة والمناقشة والتحاور مع التلاميذ والمدرسين والمسؤولين حول جوانب النقص والإضافة في المنهج المقرر، وفي أساليب الممارسة التعليمية، ومستويات الثقافة والنظافة، وتوج زيارته بمكافأة مرتب شهر لبعض المدرسين المجيدين في أعمالهم.