واشنطن تسعى لنهج أكثر نعومة مع كرزاي

أوباما يجدد التزامه تجاه أفغانستان في رسالة وجهها للرئيس الأفغاني

الرئيس الأفغاني حميد كرزاي يتحدث إلى الجنرال الأميركي ستانلي ماكريستال قائد قوات الناتو في أفغانستان خلال اجتماع حضره عدد من كبار قيادات قوات التحالف في المقر الرئيسي لقوات «إيساف» في العاصمة كابل أمس (أ.ب)
TT

بعد أكثر من عام على مراقبة قدرة أميركا على التأثير على الرئيس الأفغاني حميد كرزاي، يقر مسؤولون في إدارة الرئيس باراك أوباما الآن على نحو غير معلن بأن النهج الذي تبناه أوباما عندما تولى الرئاسة قد يكون خطأ كبيرا.

وكان الاختلاف في النهج جليا في مشهدين، في الفترة الأخيرة، على طائرة الرئاسة الأميركية.

المشهد الأول في 28 مارس (آذار): تحدث الجنرال جيمس إل جونز، مستشار الأمن القومي، إلى الصحافيين الذين سافروا مع الرئيس من واشنطن إلى كابل ووعدهم بأن الرئيس أوباما سيتخذ موقفا ما ضد الرئيس الأفغاني، وذلك لتجاهله المطالب الأميركية بشأن الفساد وتجارة المخدرات.

وكان المشهد الثاني يوم الجمعة الماضي: تحدث الجنرال جونز إلى الصحافيين، الذين كانوا يسافرون هذه المرة مع الرئيس إلى واشنطن قادمين من براغ، وأخبرهم بأن الرئيس أوباما أرسل خطاب شكر إلى كرزاي يعبر فيه عن امتنانه للرئيس الأفغاني لتناول العشاء في كابل. وأضاف جونز: «كان خطابا متسما بالاحترام».

ما الذي حدث بين هذين المشهدين؟ انتقد كرزاي حكومات الدول الغربية علنا، واستضاف الرئيس الإيراني، وقال إنه سينضم إلى طالبان إذا ما واصل المجتمع الدولي الضغط عليه.

وأكد مسؤولون بالإدارة الأميركية أنهم لن يعودوا إلى الفترة التي كانت تُعقد فيها مؤتمرات فيديو كونفرانس مرتين شهريا بين الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش وكرزاي.

ويعكس هذا التحول اعترافا متناميا بأنه كلما انتقدت إدارة أوباما كرزاي علنا، ازدادت معارضته للمطالب الأميركية. كما يشير ذلك إلى أنه بغض النظر عن محاولة المسؤولين الأميركيين تجاوزه في التعاملات، فليس هناك أي خيارات سوى التعامل معه. وصرح المسؤولون الأميركيون بأن العلاقة مع كرزاي أصبحت متوترة للغاية لدرجة أن هذا الرئيس الذي قد يكون الأكثر أهمية بالنسبة للمصالح الأميركية لا يتحدث تقريبا إلى بعض كبار مستشاري الرئيس الأميركي.

وأصبحت علاقته مع اثنين من المبعوثين الأساسيين للإدارة الأميركية، وهما ريتشارد سي. هولبروك وكارل إيكنبيري، متوترة للغاية. بل واصطدم مع نائب الرئيس جوزيف آر. بايدن الابن. وأصبحت العلاقات بين كرزاي وأوباما في أفضل الأحوال متباعدة. والمسؤول الوحيد الذي تربطه مع كرزاي علاقة سليمة ومنتظمة هو قائد القوات الأميركية في أفغانستان الجنرال ستانلي إيه. ماكريستال. ويعكس التوتر في العلاقة مع كرزاي مقدار الضغوط الداخلية داخل الفريق الأفغاني في الإدارة الأميركية، بما في ذلك الاحتكاك بين إيكنبيري، السفير الأميركي لدى أفغانستان، والجيش، وبين هولبروك والبيت الأبيض. ولا يزال المسؤولون العسكريون يشعرون بالقلق إزاء إيكنبيري، الذي كان جنرالا سابقا في أفغانستان، بعدما أرسل خطابا دبلوماسيا الخريف الماضي حذر فيه من أن إرسال المزيد من القوات إلى أفغانستان ستنجم عنه «تكاليف فلكية» وسيزيد اعتماد أفغانستان على الولايات المتحدة.

وفي ذلك الوقت طلب الجنرال ماكريستال وغيره من القادة العسكريين المزيد من القوات، وهو ما حدث. وحتى يومنا هذا، يوجه البنتاغون ووزارة الخارجية والبيت الأبيض اللوم لبعضهم لتسريب مذكرة سرية للغاية إلى وسائل الإعلام. وقام هولبروك، الممثل الخاص للإدارة في أفغانستان وباكستان، بالحد من نشاطه في أفغانستان بعد الخلاف خلال عامه الأول مع كرزاي، الذي شمل مواجهات متوترة بشأن سلوك الرئيس الأفغاني عقب الانتخابات في بلاده. وفيما غادر هولبروك البلاد يوم الجمعة في جولة إلى أفغانستان، لم يكن ضمن الوفد المرافق للرئيس أوباما إلى كابل قبل أسبوعين، وهو الغياب الملاحظ نظرا لأنه من المفترض أن يكون أكبر مسؤول في التعامل مع المنطقة. وتعد إدارة العلاقة مع كرزاي مهمة لأن معظم استراتيجية أوباما في أفغانستان، والتي سيتم خلالها نشر ما يقرب من 100 ألف جندي أميركي في الفترة المقبلة، متعلق على قدرة الإدارة على إقناع الأفغان بأخذ زمام المبادرة لتستطيع الولايات المتحدة الانسحاب في النهاية.

وفي 28 مارس الماضي، وفي الوقت الذي كان فيه أوباما يستعد للقاء كرزاي، أخبر الجنرال جونز الصحافيين بأن الرئيس الأميركي سيحاول «جعل كرزاي يفهم بأنه في فترة ولايته الثانية، هناك أشياء معينة لم يتم الاهتمام بها، تقريبا منذ اليوم الأول» مثل مكافحة الفساد. ويقول مسؤولون أفغان إن الغطرسة العامة قوضت زيارة أوباما، وساعدت على إذكاء التصريحات المعادية لأميركا والغرب التي أدلى بها كرزاي في الفترة الأخيرة. وتصاعدت هذه الأضرار عندما تفاعل البيت الأبيض مع الرد على كرزاي عن طريق التلميح بأن أوباما قد يلغي دعوته لكرزاي لزيارة واشنطن الشهر المقبل. وكان البيت الأبيض في حالة استياء من أن الرئيس الأفغاني وجه انتقادات بعد ما زاره أكبر راع له. لكن مسؤولون بوزارة الخارجية قالوا إنه يجب إيقاف دورة النقد قبل أن تتسع خارج نطاق السيطرة.

وقال بروس أو. ريدل، خبير في الشؤون الأفغانية بمؤسسة بروكينجز ومتعاون مع الإدارة الأميركية بشأن السياسة في أفغانستان، «هناك إدراك بأن الاحتجاجات العامة ونوبات الغضب غير مفيدة، حيث إنها تقود إلى الأسوأ بالنسبة لكرزاي، فيما تقوض الدعم الموجه لجهود الحرب في الكونغرس وفي الإعلام وعلى المستوى الجماهيري. وإذا كنت تستخف بكرزاي، فإنك في الحقيقة تقول إنه لا يمكن كسب الحرب». وأشار عدد من الخبراء في الشأن الأفغاني إلى أن النجاح الوحيد الذي حققته إدارة أوباما مع كرزاي كان في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عندما أرسلت الإدارة السيناتور جون كيري إلى كابل لإقناع كرزاي بالموافقة على إجراء انتخابات الإعادة. ومشى كيري لمسافات طويلة مع كرزاي في الحدائق داخل القصر الرئاسي شديد التحصين في كابل، وأخذ يسرد خبراته السياسية الشخصية وأبدى تعاطفه مع كرزاي الذي أذعن في النهاية تحت الضغط.

والعلامة الأكثر وضوحا على النهج الجديد جاءت أثناء رحلة على طائرة الرئاسة الأميركية يوم الجمعة الماضي. قال الجنرال جونز: «نعتقد أننا على درب مشجع في أفغانستان» مضيفا أنه أثناء زيارة أوباما إلى أفغانستان، كان الوفد الأميركي «منبهرا بصفة عامة بنوعية الوزراء ومستوى الجدية الذي يتعاملون به مع وظيفتهم».

إلى ذلك، أعلن القصر الرئاسي الأفغاني أمس أن الرئيس الأميركي باراك أوباما بعث برسالة خطية لنظيره الأفغاني كرزاي، أكد فيها التزام بلاده المستمر تجاه أفغانستان. وأعرب أوباما في الرسالة التي يبدو أنها تستهدف تحسين علاقات أميركا بالزعيم الأفغاني، عن شكره للرئيس الأفغاني على «حفاوة الاستقبال» خلال زيارته لأفغانستان في 28 مارس، حسبما أعلن مكتب كرزاي في بيان. وقال أوباما في الرسالة التي سلمها للرئيس الأفغاني السفير الأميركي لدى كابل كارل إيكنبري: « ستظل الولايات المتحدة شريكا استراتيجيا لأفغانستان»، «معربا عن أمله» في أن تعمل أميركا وأفغانستان سويا لتحقيق أهدافهما المشتركة». وأضاف الرئيس الأميركي أيضا أنه يتوقع أن يقوم كرزاي بزيارة لواشنطن في الثاني عشر من مايو (أيار)، وهي دعوة وجهها أوباما بنفسه للزعيم الأفغاني.

*خدمة «نيويورك تايمز»