السودانيون في السعودية.. لا صوت يعلو فوق حديث «الانتخابات»

الجوال.. وسيلتهم الدعائية الأولى و«مصدرهم» في تتبع سير عمليات الاقتراع

الناخبات السودانيات المقيمات في السعودية وهن ينتظرن دورهن في أحد المقار الانتخابية أمس («الشرق الأوسط»)
TT

تجربة الركوب مع سائق سوداني في السعودية تبدو مختلفة هذه الأيام، فبلا شك ستسيطر وقائع أول انتخابات تعددية تشهدها السودان منذ ربع قرن، على أحاديث الطرق والمكالمات الهاتفية، ومعها تطفو على السطح قضايا التنمية والتعليم والصحة والعلاقات الدولية والمشكلات المعاصرة بشتى صورها، وهنا قد يمكن القول بأن كل مقيم سوداني تحول هذه الأيام إلى «محلل سياسي»، منشغلا بتداعيات الوضع السوداني الراهن، أثناء وبعد الانتخابات التي تختتم غدا الثلاثاء.

أبو وليد، سائق في أواخر الأربعينات من عمره ويقيم في السعودية منذ 10 سنوات، بدا متحمسا للمشاركة الانتخابية منذ لحظات الاقتراع الأولى أمس، قائلا «بارك الله في البكور»، مفسرا رغبته القوية في المشاركة الانتخابية لكونها الانتخابات الأولى من نوعها منذ عام 1986. ويضيف «السودان بحاجة إلى الاستقرار.. السودانيون تعبوا من الاضطرابات والمشكلات الصحية والتعليمية».

ومن داخل قسم النساء في أحد المقار الانتخابية، اجتمعت ظهر أمس نحو 20 سيدة سودانية، تزهو أيديهن بنقوش الحناء السوداء، ويتراقص أمامهن الأطفال الذين قد لا يدركون سبب استيقاظهم منذ ساعات الصباح الأولى وتكدسهم إلى لحظة النداء على إحدى الناخبات اللاتي حملت كل منهن بطاقة بيضاء مدونا عليها رقما تسلسليا تم تسجيله قبل بدء الانتخابات بأشهر.

عواطف البرير، ربة منزل سودانية، عللت تواضع الحضور النسائي صباحا، بالقول «سيكون الحضور مكثفا في المساء، فالغالبية الآن في دواماتهم»، مؤكدة على الحماس الكبير الذي أبدته النساء داخل وخارج السودان للمشاركة الفعلية في الانتخابات، قائلة «أمي وأخواتي في السودان سيذهبن اليوم أيضا للتصويت»، مرجعة ذلك لما سمته بـ«استشعار المسؤولية الوطنية».

تشاركها الرأي رندا عمر سعيد، وهي أيضا ربة منزل سودانية، حضرت بصحبة ابنتها ذات السنوات الأربع، حيث توقعت أن تشهد العملية الانتخابية اهتماما كبيرا من قبل السودانيات المقيمات في السعودية، بقولها «النساء السودانيات حاضرات دائما، داخل أو خارج الوطن، والمشاركة واجب علينا جميعا»، فيما شهد حديثها ترحابا كبيرا من كل السودانيات المصطفات بانتظار دورهن.

وعلى الرغم من وجود امرأة بين المرشحين الثمانية للرئاسة، وهي فاطمة أحمد عبد المحمود التي تعد أول امرأة تترشح إلى الرئاسة في تاريخ السودان وقد كانت أيضا أول وزيرة سودانية بعدما تولت حقيبة الصحة سنة 1974، فإن «انحياز المرأة لبنات جنسها» نظرية قد لا تصدق دائما، إذ أجمعت خمس ناخبات تحدثن لـ«الشرق الأوسط» على ترشيح عمر البشير، الذي وصفنه بـ«المرشح الأوفر حظا».

ومع كون بعض السودانيات الموجودات في المقر الانتخابي من النساء اللاتي لم يكملن تعليمهن، إلا أن الصورة العامة للمرأة السودانية ظلت القاسم المشترك بينهن، وهي المرأة الملمة بالسياسة والاقتصاد والمعجونة بقضايا الساعة والمسترسلة في تحليل النشرات الإخبارية، بل إن بعضهن لم يكتفين فقط بالحضور للاقتراع، بل قمن بالاتصال لشحذ همم نظيراتهن، حيث علا صوت إحداهن عبر الجوال، قائلة «أين أنت يا فاطمة؟.. متى ستأتي أم عمر؟».

وعند الحديث مع الناخبات، يبدو تأكيدهن التام على فوز المرشح الذي انتخبنه، إلا أنهن يستدركن ذلك بالقول «يبقى للمشاركة طعم مختلف». في حين يبدو بالإمكان حصر مفاتيح الأحاديث التي جمعتهن طيلة لحظات الانتظار الفاصلة بين ناخبة وأخرى، بتكرار عبارات من نوع «المعارضة» و«النزاهة الانتخابية» و«الضغوط الدولية»، وهنا تبرز مهارات كل واحدة منهن في التحليل السياسي حسب رؤيتها، أو حسب ما سمعت وقرأت أو شاهدت في التلفزيون.

وبالعودة إلى العم أبو وليد، الذي استغرقت عملية الإدلاء بصوته أقل من 15 دقيقة، أبدى ارتياحه لسير عملية الاقتراع بهدوء شديد، مبديا تفاؤله بنتائج الانتخابات، بالقول «أنا انتخبت وأديت واجبي، والآن المسؤولية على من سيفوز.. السودان أمانة في أعناقهم»، إلا أن الأجواء الانتخابية ظلت مسيطرة على أحاديثه وهو يجوب المدينة برفقة هاتفه الجوال، ليتابع تفاصيل الاقتراع في المقار الانتخابية الأخرى.

وكان سفير السودان لدى السعودية عبد الحافظ إبراهيم محمد، قد كشف في حديث سابق لـ«الشرق الأوسط» عن تسجيل نحو 70 ألف ناخب من جملة السودانيين العاملين في السعودية ممن يتمتعون بحق الانتخاب، والذين توجهوا صباح أمس الأحد (لمدة ثلاثة أيام) إلى مراكز الاقتراع البالغ عددها 25 مركزا موزعة على أنحاء السعودية المختلفة.

وأشار إلى أنه فور انتهاء عملية الانتخابات سيتم فرز الأصوات وإعلان النتيجة تحت عيون المراقبين المنوط بهم مراقبة العملية الانتخابية، مؤكدا أهمية الانتخابات العامة القادمة في السودان، لأنها أساس لقيام حكومة منتخبة تتطلبها استحقاقات اتفاقية السلام الشامل ودستور البلاد كخطوة تستبق إجراء تقرير المصير لجنوب السودان.