نازحو دارفور: الغالبية لم تسجل للانتخاب والمسجلون لا يعرفون كيف يصوتون

يطالبون بالسلام قبل الانتخابات.. وبعضهم يشعر بأنه أضاع الفرصة

TT

تربع إسحق على حصيرة فوق الأرض المتربة داخل قاعة محاطة ومسقوفة بأعواد القصب لحجب أشعة الشمس الكاوية، في أحد معسكرات دارفور. قال: «كان هناك ارتباك لدى التسجيل، البعض هنا لا يؤمن بأن السلام قادم، ويريدون أن يسجلوا في قراهم ليضمنوا حقهم في العودة إليها». وتابع: «نعيش هنا مأساة حقيقية، نحن نطالب بالسلام قبل الانتخابات».

وقال مشيرا إلى اتفاق السلام «الشامل» الموقع في 2005 بين الحكومة والمتمردين الجنوبيين، الذي نص على تنظيم انتخابات تعددية، إن «اتفاق السلام الشامل لم يكن شاملا لأنه لا يشملنا، لذلك لم يكن لدينا أمل من هذه الانتخابات». وأكد العمدة يحيى آدم: «نحن نريد السلام والعودة إلى قرانا، ثم نفكر في الانتخابات. هذه الانتخابات لا تعني شيئا لنا ولن يشارك فيها سوى عدد قليل من النازحين». لكن العمدة بابكر صافي تمنى لو أن «المراقبين حضروا مبكرا ليشرحوا للناس أضرار عدم التسجيل». لكنه أضاف أن رأي الناس هو: «إن كان المؤتمر الوطني أو (الرئيس عمر) البشير هما الفائزان، فلماذا نشارك في الانتخابات».

وتتهم المحكمة الجنائية الدولية الرئيس السوداني بارتكاب جرائم حرب في دارفور في مذكرة التوقيف التي أصدرتها بحقه في مارس (آذار) 2009. لكن صافي استدرك: «لم يعرف الناس فوائد التسجيل أو أضراره، فأحجموا عنه، ومن أصل 20 إلى 30 ألفا كان يمكن أن يصوتوا، لم يسجل سوى أربعة آلاف. الحال مماثل في باقي معسكرات دارفور. ويمكن أن تتخيلوا عدد الذين أحجموا». وقال: «فهم الناس متأخرين أنهم يمكن أن يغيروا.. لكنهم واجهوا أيضا تهديدات، سمعنا أنه حتى أولئك المنتمين إلى أحزاب هددتهم الجنجويد وطردتهم من قراهم إن كانوا لا يؤيدون المؤتمر الوطني». وتابع: «لم تكن هناك حملات انتخابية حرة، وحتى المسجلين لا يعرفون كيف يصوتون لأنهم غير متعلمين».

ورأى العمدة محمد عبد الله أن «الناس لم تعتبر التسجيل حركة باتجاه الديمقراطية. إنهم هنا منذ سبع سنوات وقد خسروا كل شيء. الانتخابات حق مشروع، وبعض الناس شعر بالأسف لعدم التسجيل. كنا بحاجة لتوعية». واستدرك محمد آدم قائلا: «أنا إنسان أمي، فكيف أفهم بطاقات الاقتراع، ثم إن الناس خائفون من التوجه إلى مراكز الاقتراع». وتعتبر الانتخابات الحالية من الأكثر الانتخابات تعقيدا في العالم حيث يتعين على الناخب في شمال السودان الإدلاء برأيه في 8 بطاقات لانتخاب الرئيس والولاة والمجلس الوطني ومجالس الولاة، وفق نظامي الدوائر والقوائم. وفي ظل انعدام الأمن، قررت رئيسة المراقبين الأوروبيين سحب المراقبين الستة الذين كانوا في ولايات دارفور الثلاث.

وأعربت فيرونيك دي كايسر عن أسفها لأن النازحين يشعرون بأنهم أضاعوا فرصة المشاركة في التصويت، لكنها قالت إنها ما كان يمكن أن ترسل المراقبين للمساهمة في التوعية مبكرا لأن مجيئهم مرتبط بدعوة من البلد المضيف.

وبين النساء اللاتي كان ينبغي حثهن على التعبير عن آرائهن، قالت عائشة آدم: «لا فائدة من الانتخابات للنازحين. نحن فاقدو الأمن والاستقرار ولا يجوز أن نصوت لأي حزب». ولكن الشابة سعدية يعقوب أكدت أن «التصويت يؤدي إلى الاختيار. من امتنعوا عن التسجيل لم يعرفوا أنهم سيحرمون من التصويت. كان هناك ارتباك». وأضافت: «نحن كنازحين لدينا حقوق وتعويضات ونحن متحدون على الرغم من اختلاف انتمائنا الحزبي ونطالب بنزاهة الانتخابات». وفي مخيم أبو شوك (السودان) دفعت الخشية من فقدان ديارهم للأبد نازحي دارفور إلى العزوف عن التسجيل للمشاركة في الانتخابات السودانية العامة، لكنهم يشعرون اليوم أنهم ربما أضاعوا فرصة للتعبير عن رأيهم والمطالبة بحقوقهم. «لم يسجل منا سوى عدد بسيط لا يتجاوز 4400 شخص»، يقول آدم إسحق عمدة مخيم أبو شوك الذي تأسس في 2004 ويعيش فيه اليوم نحو ستين ألف نسمة في بيوت متجاورة مصنوعة من تربة المكان الطينية المتآخية مع حرارة الشمس. لقد حلت هذه المساكن مكان الخيام البلاستيكية التي قدمتها هيئات الأمم المتحدة للنازحين الذين شردتهم الحرب من قراهم قبل سبع سنوات وباتوا اليوم يعيشون في ما يشبه ضاحية تشكل امتدادا للفاشر، العاصمة التاريخية لولاية شمال دارفور التي تشهد نزاعا بين القوات الحكومية وحركات التمرد.