حث الاتحاد الأوروبي على دعم المبادرة المغربية للحكم الذاتي

تقرير أوروبي: «قاعدة المغرب الإسلامي» ظاهرة جزائرية.. والمذهب الشيعي الراديكالي في أفريقيا جنوب الصحراء أكبر تحدٍّ أمني للمنطقة

TT

اعتبر تقرير أوروبي، صدر حديثا في بروكسل، أن ظاهرة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، هي ظاهرة جزائرية في الأساس. وقال التقرير، الذي أعده «معهد توماس مور للبحث الأوروبي» في بروكسل، إن عمليات التنظيم شهدت تراجعا منذ عام 2008 مقارنة مع العنف الذي عرفته المنطقة ما بين 2001 و2008، رغم التحاق بعض المقاتلين التونسيين والموريتانيين والليبيين بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.

وأشار التقرير، الذي أشرف عليه فاعلون ميدانيون ومتخصصون في شؤون المنطقة، إلى «تراجع مراكز ثقل الإرهاب بالمنطقة إلى الجنوب بشكل مثير للقلق»، مؤكدا استفادة الحركات الجهادية من ثغرات الحدود، وانتشار التهريب بجميع أنواعه، وضعف بعض الدول، لتستقر في منطقة الساحل والصحراء، ابتداء من المناطق شبه الجافة بالسنغال إلى أجزاء من موريتانيا ومالي والنيجر.

واعتبر التقرير، الذي حمل عنوان «من أجل أمن مستدام بالمنطقة المغاربية: فرصة للمنطقة، التزام للاتحاد الأوروبي»، ظهور المذهب الشيعي الراديكالي في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، أكبر تحدٍّ أمني يواجه المنطقة على المدى القصير والمتوسط.

ووصف التقرير العلاقات بين أوروبا والمنطقة المغاربية بأنها معقدة ومتعددة الأبعاد، وأحيانا عاطفية، وغنية بتاريخ وبمصالح مشتركة.

وذكر التقرير أن ضفّتَي المتوسط مدعوتان إلى إعادة التفكير في أسس التعاون بينهما لمواجهة بعض التحديات المتمثلة في التنمية الاقتصادية، والاستقرار الإقليمي، ومحاربة الإرهاب، والهجرة، والتنمية المستدامة. وأوضح التقرير أنه أمام التحولات التي تمس المجتمعات المغاربية، ورهانات الأمن وفرص الاندماج الإقليمي والتعاون الأورو - مغاربي، يجب أن يكون الهدف هو بزوغ أمن مستدام يعود بالنفع على الاتحاد الأوروبي وأعضائه وعلى بلدان المنطقة المغاربية وشعوبها، على حد سواء.

وأضاف التقرير أنه تحت الأثر الرباعي للتنمية الاقتصادية المعولمة، وساكنة تتشكل غالبيتها من الشباب، وظاهرة الهجرة، التي تشمل المنطقة المغاربية والساحل بأكملهما، وكذا التحرك، الذي ما زال خجولا، للإصلاحات السياسية والاجتماعية، فإن المجتمعات المغاربية توجد اليوم في ذروة التحولات.

ويتخذ هذا المسلسل الإيجابي عموما، كما يقول التقرير، أشكالا مختلفة في كل بلد من البلدان الخمسة في المنطقة: موريتانيا، والمغرب، والجزائر، وتونس، وليبيا. لكنه مع ذلك، كما يضيف التقرير، يبقى هشا، ويجب أن يحظى بأكبر قدر من الاهتمام لدى السلطات السياسية، لتجنب خطر إثارة سخط الشعوب الذين لهم طموح مشروع في مستقبل أكثر أمانا.

ودعا التقرير الاتحاد الأوروبي إلى البحث عن سبل التزام أكثر تفاعلية في المنطقة، خصوصا في ما يتعلق بالقضايا الحساسة المتعلقة بحقوق الإنسان، والتحكم في تدفق الهجرة. وأنه إذا كان يشجع بالفعل البلدان المغاربية على تعزيز الديمقراطية كعامل للاستقرار والتنمية، فإنه يمكنه الانخراط أكثر في الحوار داخل المنطقة المغاربية في مجال حقوق الإنسان والحريات المدنية، من خلال التشجيع، على سبيل المثال، على إحداث إطارات للتفكير والتبادل بين النخب المغاربية.

وفي سياق ذلك، يرى التقرير أن رهان الهجرة، الذي يمتد إلى منطقة الساحل، يشكل أيضا مجالا لتعاون يجب تعميقه، مشيرا إلى أن سياسة الاتحاد الأوروبي للتحكم في تدفق المهاجرين لا يمكن أن تقتصر فقط على الحدود الشمالية للمغرب العربي.

وذكر التقرير أن تعزيز دور الوكالة الأوروبية لتدبير التعاون العملي في الحدود الخارجية «فرونتيكس» في مجموع المنطقة، بما في ذلك فتح مكاتب إقليمية، وتوفير وسائل خاصة، يعد طريقا جيدا في هذا الاتجاه. كما أن تكثيف جهود تنسيق سياسات المساعدة الإنمائية في اتجاه بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، التي تعد مصدرا للهجرة، بين الاتحاد الأوروبي والدول المغاربية، طريق آخر لا يجب إهماله.

وأوضح التقرير أن الأمن بمنطقة المنطقة المغاربية، يستحقُّ هو الآخر، مقاربة جديدة ورؤية موسعة، باعتبار أن تطوراته الأخيرة المتمثلة في تحولات الإرهاب، وتطور الجريمة، وعدم إيجاد حلول للتوترات بين الدول، تستدعي من جميع الفاعلين (المحليين، والإقليمين، والعالميين) فهم هذه الإشكاليات والتحولات التي تعرفها في شموليتها وعبر التفاعل في ما بينها.

ويرى التقرير أن الاتحاد الأوروبي، بحكم قربه الجغرافي والروابط التي تجمعه بالمغرب العربي، يجب أن يشعر بأنه منخرط بشكل خاص بسبب هذه الرهانات، مشيرا إلى أنه إذا كان التعاون موجودا سلفا في مجال محاربة الإرهاب والأشكال الجديدة للجريمة الناشئة، فإنه ينبغي العمل بلا كلل من أجل تعزيز هذا التعاون وإدماجه من الآن فصاعدا للبعد المغاربي - الساحلي الموسع. لكن إذا كانت مواصلة محاربة الأنشطة الإجرامية، يجب أن تكون بشكل صارم، فإن الهدف من تحقيق تنمية وأمن مستدامين يقتضي، بالموازاة مع ذلك، مواجهة أسباب المشكلة المتمثلة في الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية العميقة، والبطالة التي يعاني منها السكان، والتي تحرم فئة الشباب من آفاق حقيقية.

ويرى التقرير أن تجفيف قنوات التجنيد في الشبكات الإجرامية والمجموعات الإرهابية، على حد سواء، لن يتم في نهاية المطاف إلا من خلال إعطاء الأمل في النجاح الاجتماعي للشباب.

إن رهانات الأمن، كما يقول التقرير، تستدعي أيضا التعزيز المتين للتعاون الإقليمي، الذي على الاتحاد الأوروبي دعمه وضمان استمراريته، مشيرا إلى أن الجميع يدرك الكوابح التي تشكلها بعض التوترات بين الدول أمام تطوير هذا التعاون الضروري، ضمنها نزاع الصحراء، الذي يعود إلى أكثر من 30 سنة، غير أن كلفته بالنسبة إلى الشعوب والبلدان المعنية ومجموع المنطقة، كما يقول التقرير، يجب أن تقنع الفاعلين بالبحث أخيرا عن حل سياسي متشاور بشأنه لهذا النزاع.

وحسب التقرير، يعتبر غالبية الملاحظين أن مقترح الحكم الذاتي، الذي تقدم به المغرب عام 2007، هو الخيار الوحيد ذو المصداقية للخروج من الأزمة، ويشكل، شريطة مواصلة الاستماع لجميع الفاعلين، أرضية لنقاش أكثر واقعية من أجل مواصلة وتعميق المفاوضات الجارية تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة.

واعتبر التقرير المقترح المغربي «بديلا ذا مصداقية لتصلب المواقف المبدئية»، ويحفظ ماء وجه الجميع.

وحث التقرير الاتحاد الأوروبي على «دعم» المبادرة المغربية للحكم الذاتي بالصحراء، باعتبارها «الخيار الواقعي الوحيد» للخروج من الأزمة، كما حث الاتحاد على دعم المفاوضات المباشرة بين أطراف النزاع، بما في ذلك إشراك الجزائر.

واعتبر التقرير القضية الشمولية لإغلاق الحدود بين الجزائر والمغرب، هي السبب الرئيسي في تعثر التنمية في المنطقة منذ عشرات السنين، ويجب أن تطرح أيضا، ويمكن أن تكون موضوع اهتمام خاص من لدن الاتحاد الأوروبي، في إطار سياسة دعم اندماج إقليمي.

وأبرز التقرير أن غياب التعاون بين البلدان المغاربية والاندماج الإقليمي، الذي يؤدي إلى وضعية «غياب الكيان المغاربي»، يشكل إحدى نقط الضعف الأساسية للمنطقة.