مسؤولون أميركيون: الاستخبارات الباكستانية أطلقت سراح بعض معتقلي طالبان الأفغان سرا

إسلام آباد تنتهج استراتيجية «التحوط» بالاحتفاظ بعلاقات مع واشنطن والحكومة الأفغانية وشبكات المتمردين

TT

يبدو أن اعتقال الرجل الثاني في تنظيم حركة طالبان الأفغانية مؤخرا كان بمثابة نقطة تحول في باكستان، ومؤشر على تحول وكالة الاستخبارات الباكستانية من مساعدة الجماعة الإسلامية المقاتلة إلى الهجوم عليها.

لكن المسؤولين الأميركيين يعبرون عن اعتقاداتهم الآن أنه على الرغم من مشاركة القوات الباكستانية نظيرتها الأميركية في اعتقال الملا عبد الغني برادر والمتمردين الآخرين، فإن وكالة الاستخبارات الباكستانية حررت سرا ما لا يقل عن عنصرين من رموز طالبان الأفغانية الذين أسرتهم هي.

يقول مسؤولو الاستخبارات والجيش الأميركيين إن إطلاق سراح المعتقلين الذي اكتشفته وكالات الاستخبارات الأميركية، ولم يتم الإعلان عنه، دليل على استمرار دعم المؤسسات الأمنية الباكستانية لطالبان أفغانستان. هذه المساعدات تؤكد مدى صعوبة العلاقات بين وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية والاستخبارات الباكستانية، في وقت تحارب فيه كل الولايات المتحدة وباكستان حركات تمرد تمتد على جانبي الحدود الأفغانية، وحول كيفية إنهاء الحرب في البلاد.

تحدث المسؤولون، مشترطين عدم الكشف عن أسمائهم، ورفضوا تحديد هويات الأفراد الأفغان الذين أطلق سراحهم، التزاما بالسرية الأميركية المفروضة على مراقبة الاستخبارات الباكستانية. لكنهم أشاروا إلى أن الشخصيات التي تم تحريرها هم قياديون في الحركة، وتم وصفهم كمتمردين ترغب الولايات المتحدة في اعتقالهم.

وقال مسؤول مكافحة الإرهاب: «إن أسر برادر كان إيجابيا في حد ذاته، لكنه لا يعني أنهم قطعوا العلاقات على كل المستويات، بجميع المجموعات الأفغانية المقاتلة». تشير التقارير الأولية إلى أن الاعتقال تم في فبراير (شباط)، لكن المسؤول الأميركي قال إنه تم في أواخر يناير (كانون الثاني).

ويعتقد مسؤولو الاستخبارات الأميركية أن باكستان تنتهج استراتيجية التحوط عبر السعي إلى الاحتفاظ بعلاقات مع عدد من الكيانات - من بينها الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية وشبكات المتمردين - التي تناضل لصياغة النتائج في أفغانستان في الوقت الذي يواجه فيه الفرع الباكستاني من طالبان مواجهة عنيفة.

وقال مستشار عسكري أميركي معلقا على الأمر: «الاستخبارات الباكستانية ترغب في اللجوء إلى خيار القوة المسلحة بدعم الجماعات القادرة على السيطرة على كابل إذا ما غادرت القوات الأميركية فجأة». وكانت علاقة الاستخبارات الباكستانية بجماعة طالبان الأفغانية قد تشكلت في ظروف مشابهة عام 1990، عندما دعمت الاستخبارات هذه الحركة الناشئة كحل للفوضى التي أعقبت الانسحاب السوفياتي من أفغانستان.

وفي المقابلات التي جرت في إسلام آباد، قال مسؤول وكالة الاستخبارات الباكستانية إن الوكالة ملتزمة بتفكيك الجماعات المقاتلة، وأنكروا إطلاق سراح أي من مقاتلي طالبان بعد أسرهم. وقال مسؤول في الاستخبارات الباكستانية: «سياستنا تقضي بملاحقة هؤلاء الأفراد. والاستخبارات الأميركية والباكستانية تعملان من أجل ذلك».. وشبك أصابع يديه.

يوافق المسؤولون الأميركيون على ازدياد التعاون الأميركي الباكستاني بصورة جوهرية، لكنهم أشاروا إلى أنهم يشهدون إشارات متزايدة على تقديم بعض عملاء الاستخبارات الباكستانية الملاذ الآمن والدعم لفصائل طالبان في الوقت الذي لا تتوجد فيه وكالة الاستخبارات المركزية في الجوار.

وقال مسؤول أميركي مشترك في نقاشات مع الباكستانيين: «لقد قاموا بذلك بالفعل، فقد اعتقلوا شخصيتين وأطلقوا سراحهما»، وشرح مفسرا ذلك بصعوبة أن يغير المرء من صبغته الوراثية.

يعترف المسؤولون الباكستانيون باتصالاتهم بحركة طالبان، لكنهم وصفوها بالمعتدلة. وأشاروا إلى أن الاستخبارات يفترض بها مراقبة المجموعات المسلحة العاملة في البلاد. وقال مسؤول في الاستخبارات الباكستانية، مشيرا إلى أن العملية التي تم فيها اعتقال الملا برادر كانت واحدة من 63 عملية مشتركة بين الاستخبارات الباكستانية والأميركية العام الماضي: «ربما يكون هناك بعض الأشخاص الذين لا يحبون سياسة الولايات المتحدة، لكن ذلك لا يعني أنهم لن يتخلوا عن واجبهم».

وقال المستشار العسكري الأميركي إن هذه الشخصيات القيادية في طالبان، التي أطلق سراحها فيما بعد، تم اعتقالها في إقليم بلوشستان الذي يضم مدينة كويتا، حيث يعتقد أن محمد عمر، زعيم طالبان، وكبار قادته موجودون فيها منذ عام 2001 منذ إقصائهم من السلطة من قبل الولايات المتحدة.

وقال المسؤول إن إطلاق سراح المعتقلين جرى خلال شهري يناير وفبراير، في الوقت الذي شنت فيه الاستخبارات الباكستانية سلسلة من الغارات أدت إلى اعتقال برادر و4 قياديين آخرين في طالبان. ومن بينهم بعض حكام الظل الذين يسيطرون بصورة غير رسمية على مناطق كبيرة من أفغانستان.

وأضاف المسؤول الأميركي إن هناك شكوكا حول عملية اعتقال أخرى لأحد قياديي طالبان، إذ تقول القوات الباكستانية إنها اعتقلت في فبراير، مولوي عبد الكبير، الذي يعتقد أنه أحد قيادات الجماعة والممثلة في مجلس شورى كويتا، بأنه اعتقل في مقاطعة نويشيرا، لكن المسؤولين الأميركيين يقولون إنهم يتشككون في أن يكون عبد الكبير أصلا.

كانت باكستان قد تعرضت لضغوط كبيرة ومتواصلة لقطع علاقتها بطالبان في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001. ففي نوفمبر (تشرين الثاني) بعث الرئيس باراك أوباما برسالة إلى الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري، حذره فيها من أن استخدام حكومة إسلام آباد مجموعات التمرد لتعزيز مصالحها «يجب أن يتوقف».

ومنذ 2001، قدمت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية مئات الملايين من الدولارات إلى وكالة الاستخبارات الباكستانية التي قدمت بدورها معلومات أسهمت في تعقب ناشطي «القاعدة»، وزودت وكالة الاستخبارات الأميركية بمعلومات ساعدتها على تصعيد حملة غاراتها التي شنتها باستخدام طائرات بلا طيار. وخلال الأعوام القليلة الماضية، شنت باكستان بعض العمليات العسكرية في منطقة الحزام القبلي بهدف استئصال مجموعات التمرد.

وقال المسؤولون من الجانبين كليهما إن هذه الجهود ازدادت خلال الشهور الـ12 الماضية.

وقد سمحت الحكومة الباكستانية للولايات المتحدة إضافة المزيد من عملاء وكالة الاستخبارات المركزية ومعدات التنصت. وقال المسؤولون إن الولايات المتحدة قدمت بعض الاتصالات التي اعترضتها وساعدت الاستخبارات الباكستانية في اعتقال برادر، لكن وكالة الاستخبارات الباكستانية طلبت معدات خاصة بها.

وقال مسؤول الاستخبارات الباكستاني: «إننا نعتمد بصورة رئيسة على المعلومات الاستخباراتية الأميركية، وقد طالبنا بأن نحصل على معدات اعتراض الاتصالات عبر الأقمار الصناعية، لكننا لم نحصل على أي منها حتى الآن».

وقد اعترف مسؤول الاستخبارات الأميركية الرفيع المستوى أن لديهم قصورا في فهم الاستخبارات الباكستانية. ويصف مسؤولو وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ممن عملوا عن قرب مع الاستخبارات الباكستانية، أن الوحدات التي تعمل مع وكالة الاستخبارات المركزية ربما لا تحظى سوى بمعلومات ضئيلة عن احتفاظ «القسم إس» بعلاقات مع مجموعات التمرد.

ويعتقد مسؤولو وكالة الاستخبارات الأميركية أن «علاقات الاستخبارات الباكستانية مع طالبان نشطة، لكن لم يتضح بعد مدى هذه العلاقة أو من يعلم بشأنها». بينما قال مسؤول مكافحة الإرهاب: «إن القوات الباكستانية قامت بتغيير حاد في السياسة في أعقاب هجمات سبتمبر، لكن من غير المؤكد أن الجميع لم يلتزموا بهذه السياسة».

شاركت كارين دي ينغ، من إسلام آباد، في التقرير

* خدمة «واشنطن بوست» - خاص بـ«الشرق الأوسط»