علمانية علاوي تثير جدلا.. وخصومه يتهمونه بمحاولة إعادة السنة إلى السلطة

الأحزاب الشيعية تسعى للتخلص منه.. ومرجعية النجف تتردد في دعمه

إياد علاوي
TT

في بلد أصبح من الصعب فيه الفصل بين الدين والسياسة، هل يمكن لسياسي علماني أن يصبح رئيسا للوزراء؟

لقد انتقل ذلك السؤال إلى قلب السياسة العراقية المعقدة بعدما برز التحالف الذي يتزعمه الشيعي إياد علاوي باعتباره أكبر التحالفات التي حصلت على الأصوات في انتخابات الشهر الماضي؛ حيث فازت قائمة العراقية بـ91 مقعدا من مقاعد المجلس التشريعي التي تبلغ 325، وبذلك يكون علاوي قد تغلب على الكتلة التي يقودها خصمه رئيس الوزراء نوري المالكي بمقعدين فقط.

وعلى الرغم من أن علاوي حصل على منصب رئيس الوزراء قبل ذلك في عراق ما بعد صدام حسين، فإن الأميركيين هم من اختاروه، بعد الإنهاء الرسمي للغزو في يونيو (حزيران) 2004.

ولكن الأوضاع مختلفة الآن؛ فقد كان كلا الرجلين اللذين احتلا منصب رئيس الوزراء فيما بعد صدام من خلال الانتخابات – إبراهيم الجعفري والمالكي - أعضاء في حزب شيعي. وفي الوقت الراهن، تبذل الأحزاب الدينية بل ورجال الدين البارزون جهودا حثيثة للتخلص من القائد الذي يعتقدون أنه ليس شيعيا بالقدر الكافي.

ويقول تقرير لوكالة «الأسوشييتد برس» إن الأمر لا يتعلق فقط بكونه علمانيا. فقد فازت قائمة العراقية التي يتزعمها علاوي، لأنها تحظى بتأييد الأقلية السنية العربية التي كانت تهيمن قبل ذلك على الحكم في البلاد. وبالنسبة للكثير من الشيعة، يسيء ذلك إلى علاوي؛ حيث ينظر البعض إلى قائمته باعتبارها مخططا لإعادة السلطة إلى السنة التي كانت تقمع الأغلبية الشيعية خلال حكم صدام والتي كانت تساند التمرد منذ 2003.

قال أحد المسؤولين البارزين بالمجلس الأعلى الإسلامي العراقي، وهو أحد الأحزاب الدينية الشيعية الكبرى، الذي تحدث شريطة عدم الإفصاح عن هويته نظرا لحساسية الموضوع: «إن علاوي لا يمثل الشيعة. فلا يمثل الشيعة إلا السياسيون الذين لا يتخذون القرارات إلا بعد الرجوع للقيادات الشيعية الدينية الكبرى في النجف». وذلك في إشارة إلى آيات الله في المدينة المقدسة التي تقع جنوب بغداد.

وقد أقر علاوي بأن طريقه إلى منصب رئاسة الوزراء سيكون صعبا وأن خصومه سيحاولون على الأرجح الطعن في أهلية المرشحين الفائزين الذين يبلغ عددهم 91 مرشحا والذين يدعمونه. وذلك حيث إن ثلثي هؤلاء المرشحين من السنة مما يجعلهم معرضين لاتهامات لجنة اجتثاث البعث التي يترأسها سياسيون من الشيعة بالارتباط بنظام صدام حسين. ومن جهته قال علاوي في حوار سابق إن «هناك عقبات جسيمة».

جدير بالذكر، أن خلع نظام صدام حسين عام 2003 جعل العراق يمر بتحول ديمقراطي محفوف بالمصاعب، كما أثار أيضا إحساسا قويا بالتمكين بين الشيعة الذين يمثلون نحو 65% من السكان: فبعد عقود من القمع، حان وقت وصولهم العادل إلى السلطة.

وبالنسبة إلى معظم الشيعة، كان ذلك يعني تحولا جذريا تجاه اليمين الديني. وفي الوقت نفسه، لجأ السنة إلى رموزهم الدينية المتشددة. كما طغت الأصولية على التوجهات العلمانية التي كان حزب البعث بزعامة صدام يروج لها، بل وأصبح الشيعة والأكراد يرون قيم القومية العربية باعتبارها قيما تقمع التنوع داخل العراق.

كما سعى رجال الدين الشيعة للاضطلاع بدور سياسي أقوى من الذي يحصل عليه نظراؤهم من السنة. وقد عمل آية الله العظمى علي السيستاني، أبرز رجال الدين الشيعة، على قيادة البلاد بفعالية خلال الاضطرابات، ما بعد صدام حسين، كما كان حريصا على التأكد من وحدة وهيمنة الشيعة.

وقد انعكست تلك الانقسامات على نحو غير رسمي على توزيع المناصب القيادية في العراق بين العلمانية والإثنية، فرئيس الوزراء شيعي، ورئيس البلاد كردي ورئيس البرلمان من العرب السنة.

ولكن النتائج القوية التي حصلت عليها قائمة العراقية في الانتخابات التي أجريت في 7 مارس (آذار) تشير إلى أن هناك قطاعا كبيرا من العراقيين سواء الشيعة أو السنة ربما يكونون قد أصابهم الضجر من الأحزاب الدينية نظرا لإخفاقها الواضح في تحسين الأوضاع الاقتصادية أو الخدمات الأساسية.

وقد اعتمد علاوي في حملته الانتخابية على خطاب سياسي علماني يدعو فيه العراق إلى تجاوز الخلافات الطائفية. وكانت استجابة السنة عظيمة، ويرجع ذلك في جانب منه، إلى المخاوف المتعلقة بسيطرة الشيعة على السلطة بالإضافة إلى إحساسهم بأنهم يستحقون المشاركة في إدارة البلاد وذلك بعدما وقف المسلحون السنة في مواجهة تنظيم القاعدة وساعدوا في القضاء على العنف الذي كان يجتاح العراق.

ولكن بالنسبة للمتشددين، فإن الشيعة المتدينين الذين يدافعون عن المصالح الشيعية هم فقط الممثلون الحقيقيون للطائفة وهم الذين يستحقون الحصول على منصب رئيس الوزراء. يقول صلاح العبيدي، المتحدث الرسمي الرئيسي باسم الحركة الصدرية: «حسنا، إذا أصبح علاوي هو رئيس الوزراء، فهل سيعني ذلك أن الشيعة قد حصلوا على المنصب أم إن شخصا يمثل السنة قد حصل عليه؟».

ومن جهة أخرى، يبدو أن السيستاني متردد كذلك بشأن الإعلان عن تأييد علاوي كرئيس للوزراء، وفقا لأحد مساعديه، الذي قال، شريطة عدم الإفصاح عن هويته نظرا لأنه غير مخول بالحديث حول رؤى السيستاني مع وسائل الإعلام: «تنظر المرجعية إلى علاوي كممثل للتوجهات العلمانية. فنحن لا ننظر إليه كممثل للشيعة. ونحن نراقب الوضع عن كثب».

يذكر أن قائمة العراقية التي يتزعمها علاوي كانت أكبر الحاصلين على الأصوات في 5 من المقاطعات السنية، كما أنها حصلت على المركز الثاني بفارق طفيف في بغداد حيث حصلت على 24 مقعدا وفازت بعدد أكبر من ذلك قليلا في المنطقة الجنوبية التي يسودها الشيعة.

ونظريا، يجب أن يحصل علاوي على الفرصة الأولى في تشكيل الائتلاف الحاكم نظرا لأنه يمتلك أغلبية المقاعد في البرلمان، ولكن الأحزاب الشيعية تحاول تفادي ذلك.

وفي ظل دعم إيران المحتمل، كانت قائمة دولة القانون التي يتزعمها المالكي والائتلاف الوطني الذي يتزعمه المجلس الأعلى الإسلامي العراقي والصدريون يتفاوضون على تكوين ائتلاف، يجعلهم لا ينقصهم سوى أربعة مقاعد على تكوين الأغلبية في المجلس التشريعي المكون من 325 عضوا.

وعلى الرغم من أن تكوين مثل ذلك الائتلاف لا يعني بالضرورة إقصاء قائمة العراقية من المشاركة في الحكومة القادمة، فإنه، وكما أعلن المجلس الأعلى، سوف يجعل مسألة حصول علاوي على منصب رئيس الوزراء أمرا تحيط به الشكوك.

كما سيحظى ذلك على الأرجح بموافقة السيستاني وتأييد الكثير من الشيعة الذين ينظرون إلى قائمة العراقية التي يتزعمها علاوي باعتبارها خطة سنية خفية لاستعادة السلطة تقف خلفها الدولة العربية التي يهيمن عليها السنة. فيقول علي الأديب، أحد المساعدين المقربين من المالكي: «لقد كانت العراقية تتحدث حول برنامج قومي، ولكنها في الواقع ليست سوى كتلة سنية. وكان علاوي مجرد واجهة، حيث استغل السنة كونه شيعيا».