روسيا ساعدت في إذكاء القلاقل بقرغيزستان

الكرملين انقلب على باكاييف بسبب تراجعه عن إغلاق القاعدة الأميركية

TT

قبل أقل من شهر من اندلاع المظاهرات العنيفة التي أسقطت الحكومة في قرغيزستان الأسبوع الماضي، أذاعت محطات التلفزيون الروسي تقارير تصف الرئيس كورمانبك باكاييف بالديكتاتور المستبد الذي سطت عائلته على مليارات الدولارات من مقدرات دولته التي يطحنها الفقر.

لعبت هذه الحملة الإعلامية، التي صاحبتها عقوبات اقتصادية عقابية أقرها الكرملين، دورا حاسما في إثارة الغضب الشعبي العام ضد باكاييف، ودفع الأفراد إلى النزول إلى الشوارع في مظاهرات أجبرته على الفرار من العاصمة يوم الأربعاء، بحسب قادة المعارضة والصحافيين والمحللين.

ويقول عمر بيك باكاييف، قائد المعارضة السابق الذي يعد الآن الشخصية رقم 2 في الحكومة: «حتى دون روسيا، كان ذلك سيحدث إما عاجلا وإما آجلا، بيد أني أعتقد أن العامل الروسي كان حاسما».

من جانبه أنكر رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين أي دور لروسيا في الانتفاضة التي وقعت في قرغيزستان، ويصر قادة الحركة التي أطاحت بباكاييف على أنهم لم يتلقوا سوى الدعم المعنوي من روسيا، في حين لم يخفِ الكرملين غضبه الشديد من باكاييف خلال الشهور القليلة الماضية، قام خلالها بالضغط على حكومة باكاييف وأجرى لقاءات في الوقت ذاته مع أقطاب المعارضة القرغيزية.

تعد هذه الاستراتيجية انحرافا كبيرا عن الدعم التقليدي الروسي للقادة الاستبداديين في دول الجوار، دفعت باتجاه آخر أسهم في ما يبدو في تحقيق انتصار نادر للكرملين في ميدان السياسة الخارجية.

كانت روسيا قد وعدت باكاييف العام الماضي بمساعدات اقتصادية تقدر قيمتها بملياري دولار كمساعدات، خلال زيارته لموسكو في ذروة الأزمة الاقتصادية. وأعلن باكاييف، في الزيارة ذاتها، عن خطط لإغلاق القاعدة الجوية الأميركية، فيما نظر إليه المراقبون على أنه نوع من التبادل.

بعد أربعة أشهر قدمت روسيا لقرغيزستان 415 مليون دولار كجزء من تعهداتها، لكن الرئيس باكاييف نكص في تعهداته بإغلاق القاعدة عندما عرضت عليه الولايات المتحدة ثلاثة أضعاف الإيجار الأصلي. أبدى المسؤولون الروس، ومن بينهم الرئيس ديمتري ميدفيديف حينها مباركتهم للقرار، لكن سرعان ما اتضح في ما بعد تعرض الكرملين للخداع، وانتابته حالة من الغضب، وشعر الروس بحالة من الضيق والغضب. يقول باكاييف إن هذا ليس بسبب القاعدة، بل بسبب موقفه.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) أوردت وسائل الإعلام الروسية توبيخ بوتين لرئيس الوزراء القرغيزي بقسوة في قمة بينهما، وسأله عن سبب عدم إغلاق القاعدة الأميركية، وزعم أن المال الذي قدمته روسيا سرقته عائلة باكاييف. وفي فبراير (شباط) أجلت روسيا دفع 1.4، الجزء المتبقي من المساعدات التي وعدت بها، مع تصريحات لمسؤولين قالوا إن الأموال السابقة أسيء استخدامها.

في مارس (آذار) الماضي وقبل احتجاجات السابع من أبريل (نيسان)، تناولت محطات التلفزيون الروسية والصحف الموالية للكرملين الذكرى الخامسة لتولي باكاييف السلطة في الانقلاب الذي سمي بـ«ثورة السوسن»، بتقارير إخبارية بالغة القسوة حول حكمه، حيث شبهته إحدى الصحف بجانكيز خان، وأمطرته محطة التلفزيون الروسية الرئيسية بالتقارير التي تزعم تورطه في فساد.

تركزت كل التغطية على ماكسيم ابن باكاييف الذي تم تعيينه لرئاسة وكالة التنمية الاقتصادية في البلاد، وكان القاسم المشترك في اتهامات المعارضة بالمحسوبية والاختلاس. إلى جانب التراجع عن إغلاق القاعدة الأميركية، يشير المحللون إلى أن الكرملين انقلب على باكاييف لأنه حاول إدخال الصين إلى روسيا لبناء سد لتوليد الكهرباء والمطالبة بإيجار من موسكو للقاعدة الروسية في قيرغيزستان. كما ازداد غضب القادة الروس أيضا من شراء عائلة باكاييف البنزين بأسعار خاصة من روسيا وبيعه للقاعدة الجوية، وهو ما كان يساعدهم في جني 80 مليون دولار كل عام.

وفي الوقت الذي كان الكريملين يمارس فيه ضغوطه على باكاييف، كان يجري مشاورات مع المعارضة، ودعا قادتها لزيارة موسكو، كان آخرها خلال الأيام التي سبقت المظاهرات. وفي عشية المظاهرات اتهم رئيس الوزراء أحد كبار مسؤولي الشرطة، تيمير ساريف، بلقاء بوتين وحصل على دعمه في الإطاحة بباكاييف. ويقول ساريف الذي يشغل الآن منصب وزير المالية في الحكومة المؤقتة إنه لم يلتقِ بوتين أو يخبر الشرطة بأي شيء من ذلك. وقال: «لكنني التقيت سرا بعض الأصدقاء وناقشنا الوضع في قيرغيزستان».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»