منظمات المجتمع المدني في العراق تتهم الحكومة بالتعامل معها بازدواجية

الترويج لتأسيسها بدأ بعد الاحتلال والنساء كن السباقات

TT

في الوقت الذي تجاوزت فيه منظمات المجتمع المدني منذ سقوط النظام السابق العشرات تم الإعلان أمس في محافظة البصرة عن ولادة منظمة جديدة أطلق عليها «مؤسسة الأمواج لحقوق الإنسان». وتهدف المنظمة كما جاء في بيان تأسيسها إلى النهوض بالواقع الخدمي والثقافي والتعاون الجاد والإيجابي مع الجهات الرسمية وغير الرسمية بالمحافظة، داعية إلى الانتماء إليها ومد جسور التعاون معها لتحقيق أهدافها في إعالة اليتيم ومساعدة الفقير ونشر ثقافة السلام ونبذ العنف وغيرها من أوجه حقوق الإنسان.

وبدأ الترويج لتأسيس منظمات المجتمع المدني في بغداد والمحافظات بعد فترة قصيرة من الأيام الأولى للاحتلال من خلال عقد مؤتمرات وندوات تشجع على إقامتها برصد أموال من دول مانحة بهدف إشاعة الديمقراطية وتعميق ثقافتها في المجتمع. وكانت الناشطات النسويات المعنيات بشؤون المرأة في مقدمة الساعين إليها تلتها المنظمات الراعية لحقوق الإنسان والأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين والفقراء والمهجرين وغيرها بعد أن توسعت هذه الشرائح نتيجة أعمال العنف حتى أصبحت أرقامها مهولة داخل المجتمع.

لم تكن المنظمات المدنية في العراق غريبة على المجتمع إذ بدأت منذ نهاية العشرينات من القرن الماضي - حسب المصادر الوثائقية - حيث أسست زوجة السياسي الراحل نوري السعيد مع نخبة من نساء المجتمع العراقي أول منظمة مجتمع مدني كان هدفها تفعيل دور المرأة العراقية في المجتمع العراقي وقتذاك الذي كان في بداية تأسيسه، ولكنها جوبهت بالرفض لعدم توفر الأرضية الاجتماعية لقبولها.

ووصف حسين فاضل رئيس اتحاد نقابات العمال بالمحافظة الأوضاع التي تتعامل معها حكومات ما بعد التغيير مع منظمات المجتمع المدني بـ«الازدواجية» وقال لـ«الشرق الأوسط » إن «الأحزاب النافذة في الساحة السياسية تعمل بانتقائية مع منظمات المجتمع المدني، ففي الوقت الذي تدعم بعضها تقف متكوفة الأيدي أمام إلغاء قرار مجلس قيادة الثورة السابق رقم 150 لسنه 1987 القاضي بإلغاء نقابات عمال رغم المظاهرات الكثيرة والاعتصامات التي أقامها عمال شركات النفط والموانئ وغيرها مطالبة بعودة نشاطها المهني». وأضاف «ما زاد الطين بلّة كما يقال أن حكومة إبراهيم الجعفري جمدت أرصدة المنظمات بموجب القرار الديواني 8575 في الخامس من مايو (أيار) عام 2005 ولم يسمح بإطلاقها حتى الآن».

وترى حياة محمد (ناشطة نسوية) أن «تحقيق (الكوتة) بتخصيص 25% من البرلمان والحكومة للمرأة وتثبيت ذلك بالدستور لم يكن وليد جهادية المرأة عبر منظماتها النسوية التي أرغمت السياسيين على قبولها، وإنما جاء طواعية منهم للتظاهر بتحضر أفكارهم ومناصرتهم للمرأة بدليل إلغاء قانون الأحوال الشخصية العراقي بالفقرة 41 في الدستور الذي يعد من أبرز القوانين التي حصلت عليها المرأة من بين نساء الكثير من الدول في المحيط العربي والإقليمي».

وأكدت أن «هيمنة الأحزاب الدينية على منظمات المجتمع النسوي حول رسالتها من المطالبة بمزيد من الحقوق إلى الدعوة بما جاء من أفكار أملاها الإسلام السياسي، التي تتقاطع كثيرا مع تطور المجتمع وتحد من حركة وإبداع المرأة والتي كان لها حيز أوسع للعمل قبل سقوط النظام من خلال برامج الأسر المنتجة ومدارس محو الأمية ومعاونة الأمهات العاملات بافتتاح الحضانات ورياض الأطفال لاستيعاب أطفالهن خلال ساعات العمل».

بدورها أكدت هند آل شنين رئيسة منظمة رعاية وتأهيل الطفولة أن «عدد مؤسسات المجتمع المدني في العهد الجديد بلغ حتى الآن 8200 من بينها جمعيات ونقابات وهيئات». وأوضحت لـ«الشرق الأوسط » في وقت سابق أن «عدد الجمعيات التي تعنى بشؤون المرأة يزيد عن 200 جمعية». وعزت هذه الزيادة في عدد مؤسسات المجتمع المدني إلى «انفتاح العراق على الحياة الديمقراطية وحقوق الإنسان والمحافظة على الحريات العامة».

واتهم مالك عبد الله علي (باحث) الكثير من منظمات المجتمع المدني باتخاذ بعض المسميات للغطاء على نشاطها السياسي والارتباط بجهات أجنبية للتمويل مستغلة عدم تشريع قانون لها خلال السنوات السبع الماضية» مشيرا إلى أن «فشل بعضها يعود إلى أدلجتها». وأضاف أن «بعض الكيانات المهيمنة على منظمات المجتمع المدني استولت على الأموال والمساعدات الإنسانية التي تخصص من المانحين الدوليين والمنظمات الإنسانية الدولية»، مشيرا إلى أن المنظمات وإن كانت واجهات مقراتها موجودة وتثير الانتباه لفخامتها إلا أنها غائبة عن المجتمع»، واصفا عملها بـ«الجعجعة بلا طحين». وأضاف «تريد منها الحكومة أن تكون (عشرة عصافير على الشجرة خير من واحد في اليد) عكس المثل المشهور بغية عرضها كديكور تجميلي لصورتها البائسة».