قرار إسرائيل ترحيل «المتسللين» عن الضفة دخل أمس حيز التنفيذ

السلطة الفلسطينية ودمشق اعتبرتها تطهيرا عرقيا يهدف إلى تكريس الاحتلال

رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض خلال مشاركته أمس في مدريد في اجتماع المانحين (إ.ب.أ)
TT

لعل أكثر من أصابهم القرار الإسرائيلي، الذي يجيز طرد آلاف الفلسطينيين «المتسللين» من الضفة الغربية، بالقلق هم أبناء قطاع غزة المقيمون في الضفة الغربية، الذين يعتقدون أن القرار صنع خصيصا لترحيلهم من الضفة إلى غزة.

ودخل القرار الإسرائيلي الذي لاقى إدانة فلسطينية وعربية واسعة وكبيرة حيز التنفيذ أمس. وقالت مصادر الإسرائيلية إن 70 ألف شخص سيطالهم القرار، وهم غزيون يحملون الهوية المقدسية، ومن عرب 48، ورعايا أجانب من دول مختلفة.

وقالت هناء، المتزوجة من مواطن غزي في الضفة، لـ«الشرق الأوسط»: «أصبنا جراء ذلك بذعر شديد. ترحيله إلى القطاع يعني تدمير حياتي وحياة ابنتي». وأضافت: «سيصبح من الصعب أن يعود إلى هنا، ومن الصعب أن أذهب إلى هناك».

وتساءلت هناء، التي تزوجت قبل عام، عن مصير ابنتها الرضيعة، وهل سيعتبرونها أيضا متسللة لأن أباها من غزة؟.

وزادت قائلة: «نحن في حالة قلق، وأوقفنا كثيرا من مخططاتنا هنا حتى نرى ماذا سيحدث».

ويبدو القرار الإسرائيلي غامضا إلى حد كبير، وقال رئيس هيئة الشؤون المدنية بالسلطة، حسين الشيخ، إن رد الحكومة الإسرائيلية جاء غامضا على طلب الاستيضاح الفلسطيني. معتبرا أن هذا القرار يتجاوز الاتفاقيات الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل.

وقبل شهور، حينما لم يكن القرار ساريا، رحل الجيش الإسرائيلي طالبة من جامعة بيت لحم في الضفة إلى غزة، بحجة أنها تحمل هوية تعود أصولها إلى القطاع، واليوم يبدو ترحيل آخرين أمرا سهلا.

ويعمق القرار الإسرائيلي الفصل السياسي والجغرافي بين غزة والضفة، وردت السلطة بقولها إن الاتفاقات تؤكد أن الضفة الغربية وقطاع غزة وحدة جغرافية واحدة.

وقال سمير، الذي قدم من غزة إلى الضفة قبل 13 عاما، لـ«الشرق الأوسط»: «هذه نكبة جديدة، أنا أعيش هنا منذ 13 عاما، لدي زوجة و5 أطفال، واشتريت بيتا، ومحلا»، قبل أن يتساءل: «لمن سأترك كل ذلك، الضفة أصبحت مركز حياتي».

ولا يعرف حتى الآن كيف ستتعامل إسرائيل مع آلاف العسكريين القادمين من القطاع، إضافة إلى مسؤولين من مستوى رفيع، جاءوا من غزة للإقامة في الضفة الغربية، ضمنهم عضوا اللجنة المركزية لفتح محمد دحلان ونبيل شعث، ووزير الأوقاف محمود الهباش، وأعضاء في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ومستشارون للرئيس، والقائمة طويلة. ووصفت السلطة الفلسطينية الخطوة الإسرائيلية بأنها تطهير عرقي، تتناقض مع الاتفاقيات الموقعة، وقالت إن من حق الفلسطينيين الإقامة في أي مكان من الأرض الفلسطينية.

وأجرت السلطة اتصالات باللجنة الرباعية الدولية وجامعة الدول العربية في هذا الشأن. وحمل الناطق باسم حركة فتح، فايز أبو عيطة، الحكومة الإسرائيلية مسؤولية «التداعيات الخطيرة» التي ستنجم عن تنفيذ قرار الجيش الإسرائيلي بتهجير الآلاف من المواطنين الفلسطينيين من الضفة الغربية، معتبرا أن القرار جاء في سياق «مخطط التطهير العرقي الذي انتهجته حكومات إسرائيل».

وقالت «فتح»: إنها «ستقاوم بكل الوسائل المشروعة قرارات ومخططات تهجير المواطنين من أرض فلسطين».

واعتبر أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عبد ربه، أن «إسرائيل تلجأ إلى كل الوسائل من أجل تخفيض عدد الفلسطينيين فوق أرضهم، ومن أجل تمزيق وحدتهم، وإقامة نظام الكانتونات والمعازل لهم، كل حسب مكان إقامته».

وفي مدريد، ندد رئيس الوزراء الفلسطيني، سلام فياض، بالقرار العسكري الإسرائيلي. وقال إنه يفتح الباب أمام سلطات الاحتلال العسكري الإسرائيلي لتفريغ مناطق من سكانها، وترحيلهم بصورة جماعية، تحت دعاوى الحصول على إذن، بهدف تكريس وتعميق سلطة الاحتلال، وتسهيل السيطرة على أراضيهم، وتوسيع الأنشطة الاستيطانية عليها».

وقال فياض إن هذا القرار يتناقض مع القانون الدولي، بما في ذلك قرارات مجلس الأمن التي أدانت الإبعاد، والقانون الدولي الإنساني بما في ذلك اتفاقية جنيف الرابعة. كما أنه يتناقض مع الاتفاقات الموقعة مع منظمة التحرير الفلسطينية، ويمس بصورة خطيرة وحدة الأرض الفلسطينية المحتلة باعتبارها كيانا واحدا، كما يمس صلاحيات السلطة الوطنية الفلسطينية بموجب تلك الاتفاقات في مسؤولياتها الكاملة عن مواطنيها، بل ويلغي هذه الصلاحيات من خلال اعتبار مجموعات واسعة منهم كمتسللين في بلدهم، بما في ذلك فئات من المسجلين رسميا لديها.

ودعا فياض المجتمع الدولي وأطراف اللجنة الرباعية، وخاصة الولايات المتحدة، للانتباه إلى مخاطر هذه الانتهاكات والإجراءات غير القانونية، وتحمل مسؤولياتها السياسية والقانونية والأخلاقية، واتخاذ موقف حازم من القرار المذكور، وإلزام الحكومة الإسرائيلية التقيد بقواعد القانون الدولي.

أما الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، فرأى سببا آخر يقف وراء القرار الإسرائيلي. وقال إن إسرائيل تستهدف الأجانب المقيمين والمشاركين في المسيرات المناهضة للاحتلال، وتستهدف حاجة الشعب الفلسطيني للخبراء الأجانب في بناء مؤسسات دولته.

وفي غزة، قالت حماس إن هذا القرار يشكل عملية ترحيل قسري جديدة تعيد إلى الذاكرة «مأساة تهجير أبناء شعبنا عام 1948، ويكشف إلى أي حد وصل الصلف الإسرائيلي والاستهتار بحقوق شعبنا».

وطالبت الحركة أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية رفض تنفيذ هذا القرار و«الوقوف بقوة وبسالة في وجه أي يد تمتد أو تحاول أن تمتد لترحيل مواطن إلى أي مكان كان».

من جهتها، أدانت سورية بشدة القرار الإسرائيلي القاضي بإبعاد عشرات الآلاف من الفلسطينيين عن وطنهم «بذريعة عدم حملهم تصاريح عمل من سلطة الاحتلال». وقال مصدر مسؤول بوزارة الخارجية في بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه إن «هذا القرار هو اعتماد لسياسة التطهير العرقي وخطوة في الترحيل الجماعي الهادف لتفريغ الأرض من أهلها، ويشكل خرقا فادحا للقانون الدولي وحقوق الإنسان واستهانة بإرادة المجتمع الدولي وقراراته». وأضاف البيان أن سورية إذ تؤكد على «ضرورة التحرك الفوري عربيا ودوليا لإدانة هذا القرار، ومنع تنفيذه ترى أن من الخطورة بمكان الاستمرار في توفير الحصانة لإسرائيل بما يمكنها من الاستهانة بالقانون الدولي وإرادة المجتمع الدولي بأسره».