«باب النساء».. الطريق الأقرب إلى قصر الرئاسة السودانية

70% نسبة مشاركتهن في الاقتراعات من جملة المسجلين

TT

قال عدد من ضباط مراكز الانتخابات بالأحياء الطرفية بمدينة أم درمان السودانية إن معظم المقترعين من النساء، وبرروا اهتمامهن بالتصويت بأن الرجال «مشغولون»، وأوضحوا أن مشاركتهن تجاوزت 70% من جملة المقترعين المسجلين.

وكما هي الحال في أطراف مدينة الخرطوم المترهلة، فإن وسطها الانتخابي تحتله النساء أيضا؛ ففي مراكز بأحياء مدينة الخرطوم بحري الراقية يلاحظ المراقب الوجود الكثيف للعباءات والثياب السودانية، ولا يخلو المشهد من أزياء نسوية حسب آخر صيحات الموضة، تمتزج بثياب نساء منتقبات لا تبدو منهن سوى العيون.

طالبات الجامعات هن الأخريات شكلن حضورا لافتا في المراكز، بعضهن يحملن دفاترهن وأقلامهن، يقفن في مراكز التصويت قبل قاعات الدرس.

سألت «الشرق الأوسط» الطالبة بجامعة الخرطوم سناء بعد أن رأت خضاب الانتخابات في يدها اليسرى، لمن أعطت صوتها، فأجابت بأن الأمر يخصها وحدها، بيد أنها أشارت إلى الشجرة رمز حزب الرئيس البشير والعصا رمز حزب السيد محمد عثمان الميرغني، وبالإلحاح في السؤال قالت إنها أعطت صوتها للرئيس البشير ومرشحي حزب السيد الميرغني في المستويات الأخرى قائلة: «أنا ختمية لكني أحب الرئيس البشير». وبدت طالبة من مواليد عام 1989 كانت تقف في طابور أحد المراكز، منبهرة بالحشود وبالتنافس وانتقادات المتنافسين لبعضهم بعضا، وقالت إنها منذ ولادتها لم تشهد حدثا مشابها، وإن «حب الاستطلاع» ورغبة التجريب دفعتها لتسجيل اسمها باكرا، وإنها ظلت تحسب الأيام لتشهد عملية الاقتراع. وأضافت: «أريد تجريب المشاركة في الانتخابات، فقد لا تتكرر قريبا، فطوال العشرين سنة التي عشتها في الدنيا حدثت مرة واحدة، وليس مهما لمن أعطي صوتي، وما يعنيني هو أن أسجل اسمي بين الذين شاركوا في الانتخابات»، وقبل أن تكمل حديثها حل دورها، فدخلت مركز الاقتراع لتعيش متعة التجربة. على الرغم من مرضها وكبر سنها فإن السيدة ستنا عوض المك كانت تجلس في انتظار دورها، وبصوت واهن ومتقطع قالت: «أنا حريصة على التصويت لأن هذا حقي ولا بد من أن آخذه»، وعن عمرها، تركت الخيار للصحيفة في كتابة ما تشاء من السنين، مكتفية بالقول: «لكم الحق أن تكتبوا عمري 80 عاما إذا رغبتم، بل ويمكنكم القول إن عمري 90 سنة».

وأوضحت طالبة الدراسات العليا بجامعة الخرطوم آمنة عمر، أنها لم تسجل اسمها في كشوفات الناخبين، وبالتالي لم تقترع، لأنها لا ترى توفر شروط قيام انتخابات حرة ونزيهة، مما جعلها لا تبدي جدية كافية في التسجيل. وقالت: «منذ البداية لم أشهد جدية الأحزاب في التعامل مع الانتخابات، فما الذي يجعلني جادة تجاهها؟»، وأضافت: «كنت أتوقع حدوث تحالفات غير مقبولة، بيد أنني لم أكن أتوقع وصول الأشياء لمرحلة المقاطعة الحالية»، وأوضحت أنها تختزن في ذاكرتها ذكرى آخر انتخابات حرة ونزيهة شهدتها هي انتخابات اتحاد طلاب جامعتها ولا تريد إفسادها بالمشاركة في انتخابات تتوقع لها أن تكون غير حرة وغير نزيهة.

في تفسيره للظاهرة، قال الصحافي والناشط في المجتمع المدني فيصل محمد صالح: «تاريخيا، مشاركة النساء في الانتخابات ليست جديدة؛ فالنساء منذ وقت طويل ظللن يسهمن بشكل كبير في الانتخابات السودانية، ويعرف السياسيون هذا فيهتمون بأمر الناخبات النساء كثيرا»، ويضيف أن «الأحزاب السودانية تعرف أن النساء يمثلن الثقل الانتخابي الرئيسي، لذا تبذل جهدا كبيرا للوصول إليهن وإقناعهن، وتعرف أن الطريق إلى البرلمان يمر عبر بوابة النساء، وأن الحزب الذي يفشل في استقطاب النساء، مهما كانت قوته خارقة فإن طريقه إلى السلطة محفوف بالفشل الذريع».

ويرجع فيصل محمد صالح الظاهرة إلى أن التاريخ السياسي في البلاد ارتبط بطائفة الختمية وطائفة الأنصار، وأن نساء هاتين الطائفتين أكثر تمسكا بالقيم الدينية والرؤى السياسية للطائفة، لذا كن رصيدا انتخابيا مضمونا تصل من خلاله الزعامات السياسية للطائفة إلى كراسي الحكم.

ولاحقا اهتمت «قوى التقدم» كثيرا بأمر النساء، وأتاحت لهن مساحة واسعة في برامجها، وانتقل الاهتمام بالنساء للقوى السياسية عموما، فصارت تفرد لهن حيزا واسعا من الاهتمام.

ويوضح الناشط فيصل صالح: «ما استجد أن النساء كن مجرد ناخبات، لكنهن في الانتخابات الحالية انتقلن من مجرد ناخبات إلى مرشحات وناخبات في الوقت ذاته، وأن نظام (الكوتة) التشجيعي اشترط حصة للنساء تبلغ 25%، بيد أنهن لم يكتفين بذلك، بل تقدمت كثيرات منهن لمنافسة الرجال، بل إن سيدة مثل (البروفسورة فاطمة عبد المحمود) تقدمت الصفوف ورشحت نفسها دفعة واحدة للمنافسة على كرسي الرئاسة». بغض النظر عن ما يدور من جدل حول نزاهة الانتخابات الحالية، وما شابها من أخطاء فنية وخروقات يقول البعض إنها مدبرة، فإن المراقبين يجمعون على أن الحزب الفائز سيدخل البرلمان والقصر الرئاسي من «باب النساء».