مزرعة ماعز «حلال» في فيرجينيا

أنشأها مهاجر وتمكن سريعا من الترويج لمنتجاته وسط 300 ألف مسلم

TT

قاد مقيت حسين سيارته حتى وصل إلى منزل كبير في سنترفيل، ثم أخذ من سيارته الجيب «شيروكي» حقيبتين بلاستيكيتين. كان على عجلة من أمره، إذ قضى ساعتين في طريق «إنترستيت 95». سار في طريق جانبي، وصاح مناديا على زوجين ينتظران داخل المنزل. وعلى الطاولة الجرانيتية في مطبخيهما، أخرج عبوات ملفوفة في ورق أبيض كتب عليها «فخذ» و«رقبة» و«أضلع». أعطته سيدة المنزل، سيما خان، كوب ماء. وسألته: «هل ذبحت الماعز بنفسك؟»، فرد حسين بفخر: «نعم، لقد قمت بذلك».

كان هذا الطلب الأول الذي يوصل حسين إلى مكان بشمال فيرجينيا، وكان ذلك بعد أسبوعين من قيامه بإرسال رسائل عبر البريد الإلكتروني إلى مسلمين في المنطقة يخبرهم أنه يبيع لحم ماعز يتربى على أعشاب طبيعية ويذبح باليد، ووفقا للشريعة الإسلامية «حلال»، ويوصَّل إلى المنزل.

لم يعرف مستقبلو الرسائل عبر البريد الإلكتروني أن حسين هو الذي يقوم بتربية الماعز وذبحها وتوصيلها بنفسه. وكما هو الحال مع الكثير من زبائن حسين، عرفت عائلة خان حسين عندما كان ناشطا مدنيا ومسؤولا تنفيذيا في مجال الاتصالات.

هاجر حسين، (49 عاما)، من بنغلاديش في السبعينات، وكان يعيش في منطقة الشلالات بمقاطعة لودون عندما لاحظ أن نشاطه من أجل العمال باليومية يؤثر في علاقاته التجارية، وأن ابنتيه صارتا أقل اهتماما بالقيم الحقيقية. وفي عام 2008، أخذ يفكر في مسار آخر لحياته.

ويقول حسين، وهو رجل مكتنز مفعم بالحيوية: «كنا نفكر في القيام بشيء في قطعة الأرض، فكرت أن هناك نحو 300 ألف مسلم في شمال فيرجينيا، والأغلبية يأكلون الطعام الحلال»، أي المعد وفقا للشريعة الإسلامية. وفي حدود علمه، لم يكن يتم إنتاج لحم ماعز حلال عضوي داخل فيرجينيا. ويقول عبد الله واصي، الذي يدير سوق «المدينة»، وهي سوق شرق أوسطي في هرندون، إن الطلب على لحم الماعز الحلال كبير، لا سيما بين الزبائن الهنود والباكستانيين. ويقول واصي: «قبل ما بين 10 و12 عاما، كان الطلب على الماعز قليلا، ولكن في الوقت الحالي يقبل عدد كبير من الزبائن على شراء الماعز». وقد كان المتجر يبيع نحو 10 من الماعز كل أسبوع قبل عشرة أعوام، لكنه يبيع حاليا 50 ماعزا، بحسب ما يقوله واصي، على الرغم من أنه أصبح من الصعب العثور على لحوم جيدة بعد أن بيعت المزارع إلى أفراد محليين.

وعلى الرغم من أن لحم الضأن يُباع بدرجة كبيرة بين الشرق أوسطيين، يقول حسين: «إذا نظرت إلى أفريقيا أو أي مكان شرق باكستان، تجد أن الماعز يحظى بشعبية كبيرة».

عندما باع حسين منزله، الذي يحتوي على أربع غرف نوم، وانتقل مع عائلته إلى مزرعة على مساحة 15 فدانا بالقرب من فريدريكسبيرغ في أواخر عام 2008، تعجب البعض في بنغلاديش من ذلك، حيث لم يعش يوما في منطقة ريفية، كما أن تربية الماعز لم تكن شكل الحياة الذي يتخيله المهاجرون المحتملون القادمون إلى الولايات المتحدة. ويقول حسين: «قال أحد الأصدقاء: لماذا حصلت على درجة علمية من (كلية) ديوك ما دمت تريد أن تصبح صاحب مزرعة؟». وحتى زوجته، صابرينا، التي درست المحاسبة وعاشت في الكويت وكندا، كانت تتساءل عن مدى معقولية هذه الفكرة.

لكن حسين وقف خارج حظيرته الأسبوع الماضي، وقد بدا عليه الرضا بينما كان يدخن البيبة، «هذه هي أكثر وظيفة مريحة عملت فيها»، هكذا قال بينما كان يشاهد عاملين، أحدهما لاجئ كونغولي، يبنيان حاجزا يحيط بالماعز التي يبلغ عددها 67.

وتقوم ابنتا حسين، مايا (10 أعوام) وهنا (8 أعوام) بتسمية الكثير من الحيوانات، على الرغم من أنه يحاول أن يبعدهما عن الحيوانات التي ستذبح. وبينما كان يجري بناء الحاجز، وصلت مايا وهنا من المدرسة. وقامتا بجمع البيض الذي وضعته الدجاج في الحظيرة، ونظرتا إلى معزة ولدت حديثا مع أمها. ويقول الوالد إن الفتاتين تغيرتا بعد الانتقال إلى المكان الجديد. وأضاف: «عندما كنا في منطقة الشلالات كانتا تتحدثان مع صديقاتهما عن أصدقائهما من الفتيان، وعن منتجات غوتشي وغاب». ولكن أصبحتا الآن أكثر اهتماما بالحيوانات والطيور داخل المزرعة. ولكن، الحياة داخل المزرعة ليست سهلة ميسورة على الدوام. وفي وقت قريب، هرب عدد من الماعز من الحظيرة وأكلت عشبا ساما. وماتت اثنتان من الماعز، وتمكن حسين من إنقاذ الماعز الباقية بإعطائهم «بيبتو بيسمول» لتطهير المعدة، وقهوة كي تتقيأ. ويقول: «يجب على المزارع أن يكون بيطريا، ويجب أن يكون على دراية بالحالة النفسية للحيوانات». ويجب أيضا أن يكون لديه فهم في الاقتصاد والتسويق. ويجب أن تستيقظ قبل شروق الشمس (ويقول حسين إنه يقوم بذلك على أي حال لأداء صلاة الفجر)، وفي حالته هذه يجب أن يفهم كيف يخرج منتَجا وفقا للشريعة الإسلامية تماما. ويقول: «أردت منتَجا حلالا بكل ما تحمله الكلمة من معان، منذ لحظة ميلاد الماعز. ومن الأشياء التي لا يعرفها الناس عن الأمر الحلال هو أن الأمر لا يرتبط فقط بالطريقة التي يتم ذبح الحيوانات بها، وإنما يرتبط أيضا بطريقة التربية».

ويشير حسين إلى أن إتعاب الحيوانات أو سجنها في مساحات صغيرة يتناقض مع روح «الحلال». وكذا الحال مع السعي للحصول على أرباح مبالغ فيها من الزبائن. ويقول: «إذا كانت فكرة الشيء الحلال هي أن يكون مفيدا، فإن محاولة بيع الحلال بسعر مرتفع بصورة مبالغ فيها يتناقض مع فكرة الحلال ذاته». ويقول حسين إنه رأي لحم ماعز عضويا غير حلال يباع مقابل 12 - 14 دولارا للرطل الواحد. وفي المقابل نجده يبيع اللحم مقابل 3.75 - 4.75 دولار للرطل. ويضيف: «من ناحية فلسفية، يتلخص المبدأ بالكامل في فكرة أن علينا مسؤولية حيث إننا كائنات اجتماعية».

وقد تعلم حسين الذبح على الطريقة الإسلامية من أحد الأئمة. ويقول: «يجب أن تكون السكين حادة الشفرة حتى لا تؤلم الحيوان بصورة غير مناسبة. ويشير إلى أن من الأشياء الواجبة ذكر اسم الله قبل وخلال عملية الذبح». وفي عام 2006، كان حسين يعمل مع قيادات يهودية في المنطقة من أجل الترويج لتشريع في الجمعية العامة بولاية فيرجينيا يجرّم وصف منتج بأنه حلال أو مباح طبقا للشريعة اليهودية إذا لم يكن كذلك. ويقول: «أتولى مسؤولية القيام بالذبح. إنها مسؤولية تجاه الحيوان ومسؤولية تجاه الزبون، حيث أقول لهم إنني أعطي لهم الحلال ويجب أن أضمن أنه حلال. وإذا تركت هذه المهمة لشخص آخر، فإني لا أعرف بالضبط كيف سيكون الأمر».

* خدمة «واشنطن بوست» - خاص بـ«الشرق الأوسط»