جورج شولتز: سياسة أوباما النووية لا تعرض أمن أميركا للخطر

قال في حوار تنشره «الشرق الأوسط»: ثاتشر وبختني وقالت لي كيف تسمح لريغان باقتراح عالم خال من الأسلحة النووية

TT

أيد جورج شولتز، وزير الخارجية الأميركي الأسبق في عهد الرئيس الأميركي الأسبق الجمهوري رونالد ريغان، سياسة الرئيس الحالي باراك أوباما النووية وجهوده من أجل الحد من الأسلحة النووية، قائلا إن ريغان كان من أنصار التخلص من هذه الأسلحة. ورفض في حوار معه تنشره «الشرق الأوسط» الانتقادات التي وجهتها سارة بالين، المرشحة الجمهورية لمنصب نائب الرئيس في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، بأن أوباما يعرض أمن أميركا إلى الخطر.. وإلى نص الحوار:

* سبق أن جلست في غرفة في ريكيافيك أثناء القمة التي انعقدت عام 1986، عندما تناقش الرئيسان رونالد ريغان وميخائيل غورباتشوف للمرة الأولى حول التخلص من الأسلحة النووية. وقبل فترة طويلة من تولي باراك أوباما الرئاسة، انضممت، في عام 2007، إلى هنري كسنغر وزير الخارجية الأسبق، وويليام بير، وزير الدفاع الأسبق، وسام نون، السناتور السابق، في الدعوة إلى عالم خال من الأسلحة النووية.

ما الذي دفعك عام 2007 إلى إطلاق هذه الدعوة؟

- كان الرئيس ريغان من أنصار التخلص من الأسلحة النووية لفترة طويلة. وكانت لديه القناعة بأن استخدام الأسلحة النووية أمر مناف للأخلاق، وأن بناء نظام أمني عالمي قائم على الدمار المتبادل المحقق أمر خاطئ.

وقد ساندت من جانبي هذا الموقف. وفي ريكيافيك، تعاون ريغان مع السوفيات بشأن هذا الأمر بجدية. وما من شك في أن هذه القضية تحديدا كانت محل شقاق كبير أثناء «الحرب الباردة».

وعندما عدت من ريكيافيك إلى واشنطن، جرى استدعائي فعليا إلى السفارة البريطانية، حيث وبختني مارغريت ثاتشر. وعنفتني بقولها: «كيف تجلس هناك وتسمح للرئيس باقتراح بناء عالم خال من الأسلحة النووية؟». وأجبتها: «لكن ثاتشر.. إنه الرئيس»، فردت: «أعلم ذلك، لكن من المفترض أنك الشخص المطلع على مجريات الأمور على أرض الواقع»، فرددت عليها بالقول: «لكنني أتفق معه!».

وبوجه عام، أثار مقترح الرئيس ريغان في ذلك الوقت رد فعل شديد العدائية. فخلال مؤتمر عقد في ستانفورد عام 2006 توليت تنظيمه بالتعاون مع سيدني دريل، عالم الفيزياء النووية، ألقينا نظرة على الماضي، تحديدا ما دار في ريكيافيك بمناسبة الذكرى العشرين لهذه المحادثات. وكان بين المشاركين كيسنغر وبيري وِنون. واتخذنا قرارنا بأنه لو كانت البيئة لم تكن مواتية قبل نهاية «الحرب الباردة»، فإن الوقت أصبح ملائما الآن لطرح الفكرة. ولم تكن لدينا، فحسب، رؤية لعالم خال من الأسلحة النووية، وإنما حددنا أيضا الخطوات اللازمة للوصول إلى هذا الهدف.

من بين أمور أخرى، دعت هذه الخطوات إلى تقليص كبير في حجم الأسلحة النووية في جميع الدول التي تملكها، وتوفير أعلى معايير أمنية ممكنة لجميع مخزونات هذه الأسلحة والبلوتونيوم الذي يمكن استخدامه في صنع أسلحة واليورانيوم عالي التخصيب بجميع أرجاء العالم، ووقف إنتاج مواد قابلة للانشطار يمكن استخدامها في صنع الأسلحة على المستوى العالمي، والسيطرة على عملية تخصيب اليورانيوم، بجانب توفير ضمان بإمكانية الحصول على العناصر اللازمة للمفاعلات النووية المدنية بأسعار مقبولة. جاء رد الفعل آنذاك مختلفا تماما، ففي ذلك الوقت أبدى ثلثا وزراء الخارجية السابقين ممن يزالون على قيد الحياة تأييدهم للفكرة. وخلال حملة الانتخابات الرئاسية، أبدى كل من أوباما ومنافسه جون ماكين مناصرته الفكرة. وبعد الانتخابات، يقوم أوباما بمجهود رائع في دفع هذه الفكرة قدما. وتحدث ماكين ببلاغة لصالحها داخل مجلس الشيوخ.

*هل تعد تلك واحدة من القضايا غير الحزبية حاليا؟

- نحاول الإبقاء عليها على هذه الصورة.

* مع معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية (ستارت) الجديدة، والبيان الجديد الصادر بشأن «التوجه النووي» ومؤتمر الأمن الذي انفض لتوه بين عدد من رؤساء الدول، كيف ترى مدى توافق سياسات أوباما مع مقترحاتك؟

- إنه يبلي بلاء ممتازا. لقد حدد رؤية معينة ويعمل على الحفاظ عليها. ويكشف تقرير «مراجعة التوجه النووي» أنه حريص على الأمن القومي الأميركي في كل خطوة. وتعد مسألة عقد مؤتمر لقادة العالم حول تأمين المواد القابلة للانشطار خطوة صائبة، فمن ذا يمكنه الاختلاف مع هذا الأمر؟

وبذلك، نجد أن العالم كله أصبح يعكف على حل هذه المشكلة، ودائما ما يعد هذا خطوة طيبة.

* انتقد بعض السياسيين الأميركيين (مثل سارة بالين) تصرفات أوباما باعتبارها تجعل أميركا أكثر عرضة للخطر.

- لا أرى أنها تجعلنا أكثر عرضة للخطر.. لا أرى ذلك مطلقا.

لكن، دعني أشير إلى نقطة مهمة في هذا الشأن.. أحد الأمور التي وردت في تقرير «مراجعة التوجه النووي» ولم تحظ بأدنى اهتمام - رغم كونها جديرة ببعض الاهتمام - الفكرة المنطقية المتعلقة بأن الردع يتضمن ما هو أكثر من الأسلحة النووية فحسب. يضم التاريخ سبلا شتى لردع عدو ما. وإذا كنت مقاتلا يتبع تنظيم القاعدة ويتسلق تلال باكستان، سيراودك قلق أكبر بكثير حيال طائرة من دون طيار عن صاروخ نووي.

إننا بحاجة إلى توسيع أفقنا حيال مفهوم الردع وإدراك أنه ليس نوويا فحسب. ويعد هذا جزءا من التفكير الذي ينبغي أن يرافق اتخاذ إجراءات تقليص كبيرة في الأسلحة النووية.

* في ريكيافيك، تمثل حجر العثرة في المحادثات مع غورباتشوف في المظلة الأميركية المقترحة للدفاع الصاروخي. وهذه المرة، أيضا، تشكل مظلة الدفاع الصاروخي الأميركي في أوروبا حجر عثرة. ويساور القلق الروس من أن هذا ربما يشكل نقطة ضعف في جانبهم في أي صراع مع الغرب. ويدعي النقاد الأميركيون للمعاهدة الجديدة أن الروس ربما يقررون التخلي عن التزاماتهم حال فشلنا في التوصل إلى اتفاق بشأن الدفاع الصاروخي.

- هذا ما يقولونه.

* ما التوجه المناسب حيال هذا الأمر؟

- إنها قضية ينبغي أن نناقشها مع الروس. إذا كنا قلقين حيال إمكانية التعرض لهجوم صاروخي من جانب إيران يمكن رصده من قبل محطة رادار في روسيا، ينبغي أن نسألهم: «كيف يمكننا التعامل مع هذا الأمر؟» ينبغي أن نتعاون في تناولنا هذا الأمر.

وسبق أن اقترح الرئيس ريغان على غورباتشوف أن نتشارك في تقنية الدفاع الصاروخي مع السوفيات. وبطبيعة الحال، لم يصدق غورباتشوف أنه سيقدم على ذلك.

لكن الحقيقة القائمة اليوم أن جميع الأطراف ستكون أفضل حالا إذا ما تعلمنا كيف ندافع عن أنفسنا، خاصة ضد الدول المارقة التي لا تملك ترسانة ضخمة. وهذا أمر يمكن تحقيقه.

* في ريكيافيك، دارت المخاوف السوفياتية حول أن بناء نظام دفاع صاروخي مرتبط بالفضاء من قبل الولايات المتحدة سيعني التمتع بسلاح يسمح بتوجيه الضربة الأولى، ذلك أنه سيعيق صواريخهم بينما تمر الصواريخ الخاصة بنا. هذا النظام للدفاع الصاروخي في هذه الحالة محدود للغاية وموجه إلى إيران. ويبدو أن الروس قد يبدون انفتاحا أكبر عليه، ويرون مسألة التشارك في التقنية أمرا قابلا للتصديق بدرجة أكبر؟

- أعتقد هذا، وخاصة أنهم يواجهون أقاليم متمردة في شمال القوقاز، الأمر الذي انعكس على نحو مأساوي داخل مترو موسكو مؤخرا. ربما ستمرر إيران لهم شيئا ما، من يدري؟ وعليه، تبدو مسألة بناء نظام دفاع صاروخي مشترك منطقية.

* ما الخطوات القادمة على طريق نزع التسليح؟

- يسير الرئيس أوباما في الخطوة التالية بالفعل، بمحاولته توسيع نطاق الحوار القائم إلى ما وراء الولايات المتحدة وروسيا فحسب. إنه يحاول إشراك المجتمع العالمي برمته. بالطبع، لا تزال أغلبية الأسلحة في أيدي هاتين الدولتين، لكن تبقى قضايا مثل تأمين المواد القابلة للانشطار وتخصيب اليورانيوم قضايا عالمية.

وكما ذكرنا من قبل، فإن الحوار مع روسيا يشكل عاملا جوهريا للحيلولة دون إحباط إجراءات التقليص الضخمة في الأسلحة النووية لسبب أو لآخر.

لقد قطعنا شوطا كبيرا منذ اللقاء الذي جرى في ريكيافيك. عندما تصبح معاهدة «ستارت» الجديدة سارية، سيتبقى بالعالم ربع عدد الأسلحة النووية التي كانت موجودة وقت انعقاد قمة ريكيافيك عام 1986، ويكشف هذا أن الطريق إلى نزع التسليح النووي ليست يوتوبية، لكنها تبقى ممكنة.

* خدمة «غلوبال فيو بوينت» خاص بالـ«الشرق الأوسط»