أسر فلسطينية في الضفة الغربية تعيش هاجس الانقسام بعد قرار إسرائيل ترحيل «المتسللين»

حلاق من أصول غزية لـ «الشرق الأوسط»: نحن مثل شخص معلق في منتصف بئر

TT

«الواحد بصراحة لا يعرف رأسه من رجليه.. حياتنا أصبحت رأسا على عقب، ولا ندري أين سنكون في هذا الوطن». هذا ما قاله سمير موسى، 41 عاما، الذي تعود أصوله إلى قطاع غزة، ويسكن في الضفة الغربية منذ 13 عاما. ويعيش هذا الأسبوع هاجس ترحيله وعائلته التي تضم أبناء - هم: أماني، 17 عاما، وفادي، 16 عاما، وهنادي 14 عاما، وقصي 8 أعوام، وسالي، عامين - أو نصف عائلته، قصرا، إلى غزة، بعد قرار الجيش الإسرائيلي ترحيل من وصفهم بـ«المتسليين» عن الضفة. وهو القرار الذي وصف بالغامض، وفتح الأبواب لتفسيرات مختلفة لم يضع حدا لها حتى الجيش الإسرائيلي نفسه الذي حاول تبرئة نفسه من اتهامات ترحيل الفلسطينيين بنفي كل الاتهامات والتأكيد على أن قرار هو في صالح الفلسطينيين.

وقال سمير الذي يعمل حلاقا في محل يملكه قرب كنيسة المهد: «لا أعرف إذا ما كنت شخصا قانونيا أو غير قانوني.. مرة يقولون إن القرار يخص الذين ولدوا في قطاع غزة، ومرة أخرى يخص حاملي هويات غزة، ومرة ثالثة يقولون إن الأمر يخص القادمين من الأردن، ومرة رابعة يربطونه بأصحاب الجوازات الأجنبية، وخامسة بالناشطين.. ولا أحد يفهم شيئا».

وسمير الذي يمثل آلاف العائلات الغزية الذين يعيشون في الضفة، يبدو أكثر حظا من غيره في مسألة، وأسوأ حظا في أخرى، فقد نجح في وقت سابق في تغيير مكان إقامته من غزة إلى الضفة، إلا أنه متزوج فتاة غزية الأصول، وتحمل الهوية الغزية.

وقال سمير: «مرة أخاف من ترحيلي أنا لأن أصولي من غزة، ومرة نخاف من أن يرحلوا زوجتي لأن هويتها من غزة». وأضاف ساخرا: «يعني حتى الانقسام سيطال الأزواج، وليس فقط الحكومات» بالإشارة إلى حكومتي رام الله وغزة. وأضاف: «تخيل أن يأخذو أمّا من بين أولادها.. هذه كارثة ونكبة».

ووصف سمير حال زوجته بأنه مضطرب ومتوتر، وقال: «بصراحة أثر ذلك على سير حياتنا، وتعطل كثير من مشاريعنا.. الواحد أصبح يشعر كما لو كان معلقا في منتصف البئر». وعلى الأقل ألغى سمير اتفاقا لشراء منزل لعائلته، وقال: «نشتريه وبعدين ماذا نفعل به إذا أبعدونا؟».

وعقب فادي الابن الأكبر لسمير، بقوله: «أفضل الموت على الذهاب موت إلى غزة».

وقال سمير: «أتفهم موقفهم، إنهم قلقون كثيرا من أن يفقدوا حياتهم هنا.. هنا ولدوا وكبروا وهنا يدرسون ولديهم أصدقاء.. إنهم متعلقون بكل شيء في الضفة ولا يعرفون شيئا عن القطاع».

وينشغل سمير في التفكير كثيرا في مستقبل عائلته إذا ما أبعدت فعلا إلى غزة، وقال: «ماذا بي أعمل في غزة؟ أفكر أحيانا فيما يمكن عمله هناك.. وكيف ممكن نعيش، أنت شايف الوضع هناك كارثي».

ولا تفوت عائلة سمير أي خبر ممكن أن يأتيهم بالجديد، وقال سمير: «نتابع كل نشرات الأخبار، لكن الأخبار متناقضة ولا يوجد شيء واضح». واستمع سمير إلى توضيحات من أفيحاي أدرعي، الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي، التي نفى فيها وجود أي نية للقيام بعمليات تطهير عرقي بحق فلسطينيي الضفة الغربية. لكن سمير لم يجد في كلام أدرعي ما يطمئنه، وقال: «هو عمق الخوف لدينا، ولم يأت بتفسير مقنع».

ولا يعرف حتى الآن كيف ستتعامل إسرائيل مع آلاف العسكريين القادمين من القطاع، الذي يعملون في السلطة، إضافة إلى مسؤولين من مستوى رفيع، جاءوا من غزة للإقامة في الضفة. ووصفت السلطة الفلسطينية الخطوة الإسرائيلية بأنها تطهير عرقي، تتناقض مع الاتفاقيات الموقعة، وقالت إن من حق الفلسطينيين الإقامة في أي مكان من الأرض الفلسطينية.

وقال الطيب عبد الرحيم، أمين عام الرئاسة الفلسطينية، أمس، إن المضمون الحقيقي لهذه الأوامر هو عودة سلطة الحكم العسكري إلى ما كانت عليه قبل عام 1993، وهو ما يعني أن النيات الحقيقية للحكومة الإسرائيلية هي التنصل الكامل من الاتفاقيات الموقعة مع منظمة التحرير الفلسطينية.

يذكر أن إسرائيل هي المسؤول عن الزيارات للضفة الغربية على وجه الخصوص، وهي التي تتحكم في المعابر. وليس من حق السلطة الفلسطينية إصدار بطاقات الهوية أو جوازات السفر لمن تشاء إلا بموافقة إسرائيل بناء على بنود اتفاقات أوسلو وملحقاتها، حتى في المناطق الخاضعة لسيطرتها أمنيا وإداريا، وهي المناطق التي يطلق عليها تعريف مناطق «أ» التي تشمل المدن الفلسطينية الرئيسية في نطاقها الضيق.

وكان من يعيش في هذه المناطق بمأمن من إسرائيل حتى انتفاضة الأقصى الثانية عام 2000، ولم يكن يسمح للجيش الإسرائيلي بمطاردة المطلوبين الفلسطينيين في هذه المناطق، ولكن وبعد انتفاضة الأقصى وعلى وجه الخصوص بعد ما سمي بعملية «السور الواقي» التي أعاد الجيش الإسرائيلي بموجبها احتلال مناطق «أ» أصبحت كل المناطق مفتوحة وأصبح الجيش الإسرائيلي يستبيح المدن في أو وقت ولأي سبب. ليس هذا فحسب، بل إن قوات الشرطة الفلسطينية وبموجب اتفاقات غير معلنة تتجنب الاصطدام بالجيش الإسرائيلي أو قواته الخاصة، التي تبلغ الشرطة مسبقا بخططها لاقتحام منطقة ما، لتعطي المجال لرجال الشرطة للاختفاء من شوارع تلك المنطقة.