رئيس أوسيتيا الجنوبية: انضممنا لروسيا قبل جورجيا ولم نطلب الانفصال عنها

كوكويتي لـ«الشرق الأوسط»: نرحب بمن يريد الاستثمار لدينا في استخراج المعادن والإنتاج الزراعي

كوكويتي
TT

جمهورية أوسيتيا الجنوبية في شمال القوقاز، كانت ولا تزال محور الكثير من الجدل منذ أعلنت استقلالها عن جورجيا في مطلع تسعينات القرن الماضي. وكان التاريخ جزءا من أسانيد إعلان الاستقلال، وهو ما حاولت «الشرق الأوسط» استيضاح بعض جوانبه خلال حوار أجرته مع رئيس الجمهورية ادواد كوكويتي في مكتبه بالعاصمة تسخينفال.

استهل كوكويتي حديثه إلى «الشرق الأوسط» قائلا إن أوسيتيا لم تكن جزءا من جورجيا حين طلبت الانضمام إلى الإمبراطورية الروسية في عام 1774 أي قبل توقيع جورجيا لاتفاق «جورجي» أيضا مع هذه الإمبراطورية في عام 1783 أي قبل انضمامها طواعية بكل مقاطعاتها إليها في عام 1801 لتكون لها الملاذ بعيدا عن ملاحقة واعتداءات الإمبراطورية الفارسية. وفيما يتعلق بضم أوسيتيا إلى جورجيا قال الرئيس كوكويتي إن التقسيمات الإدارية للإمبراطورية الروسية في منطقة القوقاز استدعت تقسيم أوسيتيا إلى «شمالية» كانت مساحتها وتضاريسها الجغرافية تسمح بوجودها كمنطقة مستقلة، و«جنوبية» حالت المساحة والتضاريس دون ذلك ليجرى ضمها إلى منطقة جوري الجورجية المتاخمة لها. ولم يكن الشعب الأوسيتي ليعترض لأن الأمر لم يكن يعني أكثر من التقسيمات الإدارية التي تفرضها في الكثير من البلدان المتطلبات الجغرافية والاقتصادية للمنطقة.

واستطرد كوكويتي أن التاريخ الحديث سجل أيضا وقوع المنطقة فريسة للصراعات الحزبية بين المناشفة والبلاشفة في أعقاب ثورة أكتوبر (تشرين الأول) 1917 حيث استطاع المناشفة (خصوم البلاشفة في الحزب الشيوعي) انتزاع جورجيا بعيدا عن روسيا وفرضوا سيطرتهم علي أراضيها خلال الفترة 1918-1920 دون أن تكون أوسيتيا جزءا من تلك الأراضي. وفي 1921 أعلنت جورجيا عن ضم أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية في أعقاب حملة تطهير واسعة لقي خلالها الألوف من أبناء أوسيتيا الجنوبية حتفهم. وجاء ستالين ابن أوسيتيا ليعلن رسميا عن ضم أوسيتيا الجنوبية إلى جورجيا كمقاطعة ذات حكم ذاتي.

وأوضح الرئيس كوكويتي أن تعداد سكان أوسيتيا الجنوبية خلال تلك الفترة كان قريبا من عدد سكان الجزء الشمالي، بينما لا يتعدى اليوم أكثر من سبعين ألف نسمة في الوقت الذي يناهز فيه تعداد الشمالية ما يقرب من نصف المليون. وقال إن المنطقة طالما عانت الفقر المدقع رغما عن جودة أراضيها الزراعية، وكانت الأفقر بين كل المناطق الجورجية. ومضى قائلا إن الرئيس الجورجي الأسبق زفياد جامساخورديا، الذي كان أول من أعلن استقلال جورجيا عن الاتحاد السوفياتي السابق في عام 1988 (كان انهيار الاتحاد السوفياتي في 1991) استهل فترة حكمه بإلغاء وضعية الحكم الذاتي لأوسيتيا الجنوبية ما دفع سكانها إلى الاعتراض والموافقة على المشاركة في الاستفتاء الذي أعلنه الرئيس ميخائيل جورباتشوف في مارس (آذار) 1991 لتقصى الآراء حول تأييد بقاء الاتحاد السوفياتي دولة موحدة. وفيما رفضت جورجيا المشاركة في الاستفتاء قالت أوسيتيا كلمتها المؤيدة للدولة الاتحادية بنسبة أصوات تقدر بـ 99%. وأكد الرئيس الأوسيتي الجنوبي أن بلاده انطلقت في ذلك من أحكام القانون وبنود الدستور السوفياتي التي تقول بحق الجمهوريات والمقاطعات ذات الحكم الذاتي في إعلان الموافقة أو الرفض على قرارات الجمهوريات الاتحادية السوفياتية بشأن استخدام حقها في الانفصال عن الاتحاد السوفياتي. وحين سقط الاتحاد السوفياتي أعلنت أوسيتيا الجنوبية استقلالها عن جورجيا في استفتاء شعبي أقر أيضا مشروعية طلب الانضمام إلى روسيا الاتحادية استنادا إلى أحكام القانون والدستور.

وردا على سؤال حول مدى تغير الأوضاع بعد رحيل جامساخورديا قال كوكويتي إن الوضع لم يتغير كثيرا إبان سنوات حكم الرئيس السابق إدوارد شيفارنادزه وكذلك في عهد خلفه ميخائيل ساكاشفيلي. ولم يكن من الممكن التطرق إلى اسم ساكاشفيلي دون أن تنهال عليه الاتهامات بالدموية والنازية بسبب ما ارتكبه في حق هذا الشعب، الذي قال كوكويتي إنه صغير العدد، لكنه كبير بإرادته وصموده لما يقرب من العشرين عاما تعرض خلالها للكثير من الضغوط وقيود الحصار التي شاركت في فرضه عليه روسيا لبعض الوقت خلال سنوات حكم الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين الذي كان انحاز إلى صديقه القديم شيفارنادزه.

أسهب كوكويتي في تعداد ما وصفه بجرائم الرئيس الجورجي التي بلغت حد ممارسات التطهير العرقي بدعم من أصدقائه الأميركيين. واستعرض مشاهد حرب أغسطس (آب) 2008 حين داهمت جحافل الجيش الجورجي العاصمة تسخينفال مستخدمة في ذلك الطائرات والمدفعية والدبابات لتقضي على كل مباني المدينة تقريبا دون أن تفرق في ذلك بين مقار المؤسسات الحكومية أو المباني السكنية. حتى الحي اليهودي لم يسلم من قصف أصدقاء جورجيا الجدد من الإسرائيليين الذين أغدقوا عليها الكثير من الدعم العسكري، على حد تعبيره.

وكان ذلك مقدمة لسؤاله حول تقدير أوسيتيا الجنوبية لمثل هذا الدعم العسكري من جانب إسرائيل. قال كوكويتي إن إسرائيل لم تكتف بتقديم الدعم التقني للمؤسسة العسكرية الجورجية التي زودتها بأحدث الأسلحة، بل وشارك ممثلوها الذين كانوا يعملون كمستشارين في العمليات القتالية ضد أوسيتيا الجنوبية. وكشف عن أن السلطات الجورجية سبق وأرغمت اليهود من سكان أوسيتيا الجنوبية سواء بالترغيب أو الترهيب على الرحيل عن أوسيتيا الجنوبية. وقال إن إسرائيل لا تزال تواصل تدريب الجورجيين وإعادة تأهيلهم بعد الهزيمة النكراء التي لحقت بهم نتيجة مغامرتهم الخرقاء في صيف عام 2008.

وحول رؤيته لأسباب عدم اعتراف المجتمع الدولي بجمهورية أوسيتيا الجنوبية قال الرئيس كوكويتي إنه في انتظار وفد رفيع المستوى برئاسة وزير خارجية نيكاراغوا لتوقيع الوثائق الخاصة بالاعتراف المتبادل. وأشار إلى أن أربع دول أعلنت اعترافها باستقلال كل من أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا وهي روسيا ونيكاراغوا وفنزويلا وناورا. واستطرد أن مواطنيه لا يعربون اليوم عن قلق كثير تجاه هذه المسألة. وأشار إلى أن وفودا من جمهوريته تجوب عددا من بلدان أميركا اللاتينية والبلدان العربية بهدف توضيح كل جوانب الصورة وشرح أحقية أوسيتيا الجنوبية في الاستقلال وتبيان أبعاد الغبن الذي تعرض له شعبها على مر الكثير من العقود التاريخية. غير أنه لم يغفل الإشارة إلى استعداد بلاده لاستقبال كل من يريد الاستثمار لديهم ولا سيما في مجال استخراج المعادن وتصنيعها وكذلك في مجال الإنتاج الزراعي. وقال إن بلاده تعتمد في الفترة الحالية على دعم الحكومة الروسية وما تقدمه من معونات لإعادة بناء ما لحق بمساكنها ومؤسساتها من دمار وخراب. وتأكيدا لكل ذلك رافق الرئيس بنفسه، «الشرق الأوسط»، على متن سيارته المرسيدس المدرعة التي قادها بنفسه لإبراز الجهد الهائل الذي تبذله روسيا وجهات صديقة أخرى في مجال تشييد المساكن والمدارس ورياض الأطفال. وقال كوكويتي إنه يدعو الأصدقاء من الخارج للمشاركة في المنتدى الاقتصادي الذي سيعقد في تسخينفال في سبتمبر (أيلول) من هذا العام على هامش الذكرى العشرين لإعلان مرسوم استقلال أوسيتيا الجنوبية.

وفي طريق العودة إلى موسكو كان هناك في مطار فلاديقوقاز وفد نيكاراغوا الذي قدم إلى تسخينفال لتوقيع وثائق الاعتراف المتبادل، وهو ما أعلنته المصادر الرسمية في موسكو وأوسيتيا الجنوبية في الرابع عشر من الشهر الجاري.