بولنديون يتكسبون من مأساة رحيل رئيسهم

ازدهار صناعة الأعلام وبيع الشموع والقطع التذكارية الرئاسية

TT

في تمام الساعة 11:45 دقيقة من صباح السبت الماضي، أي بعد أقل من ثلاث ساعات من تحطم طائرة الرئيس البولندي ليخ كاتشينسكي في روسيا، وهو الحادث الذي أسفر عن مصرع 96 شخصا كانوا على متنها، قام أحد البولنديين الانتهازيين بتصنيع 50 قميصا مزينا بالعلم البولندي وكلمة «رحمه الله» وطرحها للبيع على الإنترنت مقابل 8.5 دولار للواحد، غير شاملة الضرائب ومصاريف التسليم.

وفي غضون ساعات من الحادث، الذي أسفر أيضا عن مصرع زوجة الرئيس ماريا، وحاكم البنك المركزي البولندي وعشرات من القادة العسكريين والسياسيين، كان الباعة يطرحون كل شيء للبيع بداية من الساعات البلاستيكية التذكارية المزينة بصور الزوجين وقد ارتسمت على وجهيهما ابتسامة عريضة أمام خريطة بولندا، إضافة إلى مواقع الإنترنت التي تحتوي أسماؤها على اسم الرئيس الراحل.

وجرى عرض أحد هذه المواقع وهو «Lech ـ Kaczynski.eu» على موقع «Allegro» للمزادات، وهو النسخة البولندية من موقع «eBay»، مقابل مليون زلوتي (350 ألف دولار)، قبل أن يتذمر الناقدون، وتم خفض القيمة. وحقق بائعو الشموع أرباحا ضخمة، حيث اشترى المشيعون آلاف الشموع الملونة، تكلفت الواحدة ما يعادل دولارين، لإنشاء نصب تذكاري دائم في جميع أنحاء العاصمة.

ووحدت هذه المأساة البلاد وتسببت في حالة حقيقية من مشاعر الحزن والتضامن التي لم تشاهد تقريبا منذ وفاة البابا يوحنا بولس الثاني، ذي الأصل البولندي، قبل خمسة أعوام. وعلى مدار اليومين الماضيين، تجمع صف من المشيعين طوله أكثر من نصف ميل بالقرب من القصر الرئاسي.

وعلى الرغم من ذلك، قال بعض البولنديين إن الروح التجارية الشديدة، التي رحبت أيضا بالمأساة، أظهرت إلى أي مدى أصبحت بولندا، بعد 20 عاما من الثورة التي أطاحت بالنظام الشيوعي، دولة ذات اقتصاد رأسمالي سليم، في الوقت الذي تتحدى فيه السوق الحرة الكنيسة الرومانية الكاثوليكية كديانة جديدة.

وقال آخرون من الذين عرفوا كاتشينسكي، الذي كان من المدافعين عن العدالة الاجتماعية واحتج ضد تجاوزات اقتصاد السوق، إن كاتشينسكي كان سيعارض رؤية القمصان التي تحمل صورته. وقال ريشارد بوغاي، كبير المستشارين الاقتصاديين للرئيس البولندي الراحل، إنه لم يفاجأ بأن البعض حاول التربح من مأساة الآخرين. وأضاف في مقابلة أجريت معه: «من الطبيعي أن تعقب هذه الأحداث الصادمة سلوكيات شديدة، بعضها جيد للغاية، والآخر، كما في هذه الحالة، سيئ للغاية. أشعر بالحزن لأن بعض الأشخاص يستغلون أحزان الآخرين. هذا النوع من السلوك ينطبق تماما على الأخلاق الرأسمالية، التي لا يهتم فيها الناس بما هو ملائم، ولا ترى أعينهم سوى فرصة تحقيق مكاسب مالية».

ولم يكلف البعض أنفسهم عناء إخفاء مساعيهم إلى التخلص من الحزن في جميع أنحاء البلاد عن طريق حافز الربح. ففي يوم السبت الماضي، اليوم الذي وقع فيه الحادث، طلب الموقع الإلكتروني «Zlozkondolencje.pl» من المشيعين إرسال تعازيهم عبر الرسائل النصية مقابل رسوم مقدارها 10.6 دولار. ووعد الموقع بأنه مقابل ذلك سيتم تجميع هذه الرسائل في كتاب كبير يتم وضعه في القصر الرئاسي في العاصمة.

وحث أحد المواقع الإلكترونية، التي تبيع ساعات تحمل صورا للرئيس الراحل وزوجته، المستهلكين قائلا: «علينا أن نقول وداعا لرئيسنا وزوجته، ليخ كاتشينسكي وماريا، إننا نحبهما، ولن ننساهما على الإطلاق. والآن، تقبلوا بكل سرور شراء ساعة رئاسية تحمل صورا لرئيسنا وزوجته».

وتوقع خبراء الاقتصاد أن التجاوب التجاري مع المأساة لن تكون له أي آثار اقتصادية كبيرة، حيث إن غالبية البولنديين ذهبوا إلى الكنيسة والمطبخ، وليس إلى المتاجر، لمداواة قلوبهم المنكسرة. وقال بوغاي: «إننا لا نتعامل مع جراحاتنا بإنفاق الأموال».

بيد أن غرازينا زولتوفسكا، التي تبلغ من العمر 42 عاما وتبيع الأعلام البولندية أمام القصر الرئاسي، قالت إن إبداء المشاعر الوطنية سيساعدها على دفع الفواتير المستحقة عليها لمدة شهر مقبل. وقالت إنها حققت يوم السبت، يوم الحادث، أرباحا تربو على 700 دولار. وكانت تبيع هذه الأعلام، المصنوعة في الصين، مقابل 20 زلوتيا للعلم الواحد، أو ما يعادل 6.8 دولار. وقالت: «هذه ليست الطريقة المثالية التي أود أن أتكسب من خلالها، لكنني في حاجة إلى دعم أسرتي».

وفي نهاية الأسبوع، ستصل عشرات الشخصيات البارزة، مثل الرئيس الأميركي باراك أوباما والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، إلى بولندا لحضور مراسم دفن الرئيس وزوجته، اللذين سيتم دفنهما في كاتدرائية فافل في كراكوفيا، التي تحتوي على مقابر الملوك البولنديين. وبعض الفنادق في كراكوفيا تقدم أسعارا ملكية تتجاوز 3000 دولار في الليلة الواحدة.

وعلى الرغم من ذلك، فيما يتعلق بهذا الجنون التجاري، يقول بوغاي إن كاتشينسكي لم يكن ليتخذ حكما قاسيا للغاية بشأن التجاوزات الرأسمالية، على الرغم من وعيه القوي بالمبادئ والأخلاق. وأضاف: «لقد كان متفاهما إلى حد بعيد بشأن الضعف البشري. لا أعتقد أنه كان سيهتم كثيرا».

* خدمة «نيويورك تايمز»