مسؤولون أميركيون: أوباما أصبح يشرف بنفسه على السياسات المتعلقة بالشرق الأوسط

تصريحاته بأن حل النزاع مسألة أمن قومي لأميركا تعكس التغير بعد مناقشات مطولة مع مسؤولي إدارته

الرئيس الأميركي باراك أوباما في طريقه إلى حديقة الزهور بالبيت الأبيض حيث تحدث عن أمن المناجم أمس (أ.ف.ب)
TT

على الرغم من أنها كانت مجرد عبارة ألقى بها الرئيس باراك أوباما في نهاية المؤتمر الصحافي الذي عقده يوم الثلاثاء، في ختام قمة الأمان النووي، فإنها كانت تحمل إشارات قوية على حجم التغير الذي طرأ على التوجهات الأميركية فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي - الفلسطيني ومدى القوة التي ستحاول بها الولايات المتحدة الضغط من أجل التوصل لاتفاقية سلام.

فعندما تحدث أوباما عن أن حل قضية الشرق الأوسط يمثل «قضية أمن قومي بالنسبة إلى الولايات المتحدة»، فإنه أبرز التغير الذي طرأ على الموازنات بين دعم الولايات المتحدة لإسرائيل والمصالح الأميركية، والذي جاء إثر المناقشات المطولة بين كبار المسؤولين في إدارته.

ويقف ذلك التحول، الذي وصفه مجموعة من المسؤولين في الإدارة والذين رفضوا الإفصاح عن هويتهم لأنهم يتحدثون بشأن مناقشات داخلية، وراء مساعي البيت الأبيض للتوصل لاتفاقية سلام في الشرق الأوسط. وهو ما يعزز احتمال أن يطرح الرئيس أوباما، الذي يشعر بالإحباط بسبب عدم قدرته على التقريب بين الإسرائيليين والفلسطينيين، خطته الخاصة لإقامة دولة فلسطينية.

فقد قال أوباما إن صراعات مثل صراع الشرق الأوسط «تكلفنا الكثير من دمائنا وثرواتنا»، مبرزا الصلة الواضحة بين الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني وأمن الجنود الأميركيين الذين يحاربون التطرف الإسلامي، والإرهاب في العراق، وأفغانستان، وغيرها.

وقد ترددت أصداء كلمات أوباما في الأوساط الدبلوماسية للتشابه بينها وبين طرح الجنرال دافيد بيتراوس، القائد العسكري الذي يشرف على الحروب الأميركية في العراق وأفغانستان. ففي شهادة حديثة أمام الكونغرس، قال الجنرال إن عدم إحراز تقدم في قضية الشرق الأوسط يخلق بيئة معادية بالنسبة إلى الولايات المتحدة. ولكنه أنكر التقارير التي أفادت بأنه تحدث حول المخاطر التي يتعرض لها الجنود الأميركيون نظرا إلى التأييد الأميركي لإسرائيل. ولكنه أكد في خطابه يوم الثلاثاء في واشنطن أن توقف المفاوضات «يسهم في المناخ العام الذي نعمل فيه».

جدير بالذكر أن تضافر المصالح بين الولايات المتحدة وإسرائيل وصل إلى قمته خلال إدارة الرئيس جورج بوش، عندما كانت الولايات المتحدة غارقة في حربيها في العراق وأفغانستان. وقبل 3 أعوام، أعلنت كوندوليزا رايس، التي كانت وزيرة الخارجية في ذلك الوقت، في خطاب لها حول القدس، أن عقد اتفاقية سلام بين إسرائيل والفلسطينيين يعد من المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة. وفي تعليقات لم تسلط عليها الأضواء في ذلك الوقت، قالت رايس: «إن تجربة الحرمان والإذلال المستمرة يمكن أن تحول حتى الأشخاص العاديين إلى راديكاليين». ولكن الرئيس بوش نأى بنفسه عن تحدى الحكومات الإسرائيلية.

ومن جهة أخرى، أثارت رؤية إدارة أوباما الجديدة، وانعكاساتها على سياسات الولايات المتحدة القوية تجاه إسرائيل، توجس القيادات الأميركية اليهودية التي كانت معتادة على المساندة الدائمة لإدارة بوش. فهم غير معتادين على التعامل مع قضايا مثل استيطان اليهود في الضفة الغربية أو في القدس الشرقية باعتبارها قضية، حتى من منطلق العواقب، ذات علاقة بأمن الجنود الأميركيين. ويذهب البعض إلى أنها تثير الشكوك حول مركزية التحالف الأميركي مع إسرائيل، وهو ما تنفيه الإدارة الأميركية تماما.

فيقول مارتن إنديك، السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل ونائب رئيس ومدير الشؤون الخارجية في معهد بروكينغز: «في الماضي، لم يكن للصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين في نابلس أهمية استراتيجية بالنسبة إلى الولايات المتحدة». وأضاف أن ذلك الصراع اكتسب أهمية استراتيجية في الوقت الراهن نظرا إلى عشرات الآلاف من الجنود التي تحارب التمرد الإسلامي بالخارج في الوقت نفسه الذي تحاول فيه الولايات المتحدة كبح طموحات إيران النووية.

وأضاف إنديك: «ولكن، هل سيؤدي التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية إلى حل جميع القضايا الأخرى؟ بالطبع لا. وهل سيساعدنا على الحل؟ أجل».

ويقول المسؤولون إن الأولوية الأولى للإدارة هي الإسراع في إعادة كل من الإسرائيليين والفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات. وما زال هناك جدال محتدم داخل الإدارة بشأن ما الذي يمكن فعله إذا لم تسفر تلك المباحثات عن أي شيء، وهي النتيجة التي يرجحها الخبراء، في ظل تاريخ تلك المفاوضات. حيث يؤيد بعض المسؤولين، مثل الجنرال جيمس جونز، مستشار الأمن القومي، أن تعرض الولايات المتحدة خطتها للسلام، فيما يفضل آخرون، مثل دينيس روس، المبعوث الخاص لمفاوضات السلام، الذي يعمل حاليا بمجلس الأمن القومي، توجها أكثر إيجابية.

وخلال الأسبوع الماضي، التقى المسؤولون في مجلس الأمن القومي، خبراء في شؤون الشرق الأوسط لمناقشة الصراع العربي الإسرائيلي. وقبل ذلك بأسبوعين، التقى الجنرال جونز، الرئيس أوباما وعددا من مستشاري الأمن القومي من الإدارات السابقة، وتباحثوا بشأن تقديم رؤية أميركية على الرغم من أن تلك الرؤية سوف تضع ضغوطا على كل من الإسرائيليين والفلسطينيين.

وأشار عدد من المسؤولين إلى أن الرئيس أوباما أصبح يشرف على السياسات المتعلقة بالشرق الأوسط بنفسه، وبخاصة في أعقاب التوتر مع إسرائيل، الذي بدأ قبل عدة أسابيع عندما أعلنت السلطات الإسرائيلية بناء مستوطنات جديدة في القدس خلال زيارة جوزيف بايدن، نائب الرئيس الأميركي إلى إسرائيل. حيث قام أوباما، الذي ثارت ثائرته، بإعطاء قائمة بالمطالب إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، تلاها فتور في العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

ومن جهة أخرى، يقول روبرت ويكسلر، عضو الكونغرس الديمقراطي سابقا، الذي استقال في يناير (كانون الثاني) لقيادة مركز السلام في الشرق الأوسط، وهي مؤسسة غير ربحية يقع مقرها في واشنطن، وتعمل من أجل اتفاقية السلام: «إن الرئيس يعيد تقييم الخطوات التكتيكية التي تستخدمها إدارته صوب إسرائيل والشرق الأوسط بأسره».

وأضاف ويكسلر، الذي تربطه علاقات وثيقة بالمسؤولين في الإدارة: « لا أعتقد أن هناك من يعتقد حقا في أن الأرواح الأميركية معرضة للخطر، أو أنها تتأثر إلى حد كبير بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فذلك تبسيط مخل. ولكننا لا نستطيع إنكار أن هناك بعض قضايا لها انعكاسات على قضايا أخرى».

ومن جانبهم، أصر المسؤولون في الإدارة على أن تأييدهم لإسرائيل لم يتزعزع، مشيرين إلى التعاون المكثف بين الجيشين الأميركي والإسرائيلي، الذي سمح لإسرائيل بالتفوق العسكري على جيرانها، وفقا لما قالوه.

وتأتي أهمية تلك القضية بالنسبة إلى واشنطن في ظل شعور سيادة شعور باليأس من بين الكثير من الإسرائيليين بشأن إمكان حل ذلك الصراع. وعلى الرغم من أن حكومة نتنياهو اليمينية كانت دائما متشككة بشأن مزايا التوصل لاتفاق مع الفلسطينيين، فإن ذلك التشكك امتد إلى الشعب الإسرائيلي، وبخاصة بعدما لم تحصل إسرائيل على أي فائدة من انسحابها الكارثي من غزة في 2005.

ومن جهة أخرى، تسود أوساط الجماعات اليهودية الأميركية حالة من الإحساس بالخطر أكثر من كونها حالة تشكك. فيوم الثلاثاء، نشرت اللجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة، وهي إحدى جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل، رسائل موجهة إلى هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية، وقع عليها 76 عضوا في الكونغرس، و333 عضوا في مجلس النواب، يناشدون فيها الإدارة بنزع فتيل التوتر.

وفي رسالة مفتوحة إلى أوباما، تساءل رونالد لودر، رئيس المجلس اليهودي العالمي، قائلا: « لماذا يلقي خطاب الإدارة بشأن الشرق الأوسط باللوم على إسرائيل في مسألة توقف عملية السلام؟»، وأضاف لودر، الذي قال إن تلك الرسالة سيتم نشرها يوم الخميس على هيئة إعلان في «واشنطن بوست» و«وول ستريت جورنال»، أنه ناقش ذلك الخطاب مع نتنياهو، وحصل على تأييده قبل نشر ذلك الإعلان.

* خدمة «نيويورك تايمز»