بيروت تلتزم الصمت حيال اتهامات إسرائيل وباريس تعتبرها مثيرة للقلق «في حال تأكدت»

دمشق تنفي بقوة تزويد حزب الله بصواريخ سكود

TT

تفاوتت أمس ردود فعل بيروت ودمشق على اتهامات إسرائيل لسورية بتزويد حزب الله اللبناني بصواريخ سكود، فيما علقت باريس عليه، مثل واشنطن قبلها، ببعض الحذر موحية أن لا معلومات مؤكدة عنها من مصادر محايدة.

دمشق نفت بشدة الاتهامات الإسرائيلية، ووضع مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السورية هذه الاتهامات في إطار «حملة تصريحات تطلقها إسرائيل منذ فترة»، وقال المصدر المسؤول في بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، إن سورية «إذ تنفي بقوة هذه المزاعم ترى أن إسرائيل تهدف من خلالها إلى المزيد من توتير الأجواء في المنطقة وإلى خلق مناخ يهيئ لعدوان إسرائيلي محتمل، وذلك للتهرب من تلبية متطلبات السلام العادل والشامل».

وفي بيروت لم يصدر عن الجهات الرسمية اللبنانية أي موقف علني حيال الاتهامات الإسرائيلية، غير أن مصادر قريبة من حزب الله استغربت «الضجة المثارة حول صواريخ سكود غير المتطورة» مذكرة بأن «لدى حزب الله صواريخ أرض - جو متطورة منتشرة من الجنوب إلى الشمال فالبقاع، وكفيلة بإرباك الطيران الإسرائيلي» وقالت المصادر المذكورة إن «الحزب لا يريد الدخول في سجالات حول قدراته الردعية لأي اعتداء إسرائيلي». ورفض أكثر من مسؤول لبناني التعليق على التهديد المباشر الذي وجهه رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي النائب تساحي هنغبي من أن «تؤدّي مواصلة تهريب الأسلحة من سورية إلى حزب الله إلى تصعيد الوضع الأمني»، وكان هنغبي قد قال أمس في حديث مع الإذاعة الإسرائيلية إن «سورية ترتكب خطأ كبيرا في عدم التزامها بالقرار الدولي 1701 الذي يمنع تهريب الأسلحة إلى حزب الله في لبنان».

كذلك وجّه هنغبي تهديدا مباشرا إلى سورية بقوله: «دمشق والقيادة السورية كلها تلعب بالنار، في الوقت الذي تدرك فيه أن إسرائيل لن تقبل بوضع يعود فيه لبنان إلى ما كان عليه قبل حرب يوليو (تموز) 2006».

وفي تعليق أعطاه لـ «الشرق الأوسط» قال النائب في كتلة «الوفاء للمقاومة»، الوليد سكرية، أن «لا أحد يعرف ما إذا كانت صواريخ سكود قد وصلت إلى المقاومة من إيران وعبر سورية. فتلك مسائل سرية لا يمكن الكشف عنها. وإذا كانت إسرائيل تمتلك معلومات بهذا الشأن فلتظهر الدليل على ذلك وتثبت معلوماتها». وأضاف: «أما إثارة الموضوع في هذا الوقت فيعود إلى انعقاد المؤتمر المتعلق بالأسلحة النووية في واشنطن، وإلى الهجوم على إسرائيل وترسانتها النووية من جانب العرب، ورفضهم أن يتواصل الهجوم الغربي على إيران بسبب تخصيبها اليورانيوم مقابل استمرار الغرب في تجاهل الترسانة النووية الإسرائيلية».

وينفي سكرية احتمال قيام إسرائيل بالاعتداء على لبنان. ويقول: «لا احتمال للحرب. فإسرائيل تهول ولا تستطيع فعل أي شيء، فهي مكبلة اليدين بعد حرب يوليو (تموز) 2006. وهي تعرف أن جبهتها مكشوفة بعد أن امتلك لبنان من خلال المقاومة القوة ليردعها إذا فكرت في الاعتداء على الأراضي اللبنانية». وأضاف أن «إسرائيل ربما تدرك أنها إذا دخلت حربا ستواجه بأكثر من صواريخ سكود. ولن يكون بإمكانها تحمل ذلك».

وكانت الحدود الجنوبية اللبنانية قد شهدت تحركا للقوات الإسرائيلية، التي عملت أمس على تحصين مواقعها والقيام بحفريات على طول الجانب المقابل للحدود اللبنانية، وسط تحليق لطيرانها الحربي والاستطلاعي فوق الجنوب.

ونقل شهود عيان أن دورية إسرائيلية مؤللة تجوب الطريق الممتد بين موقعي الغجر والحماري المشرف على منتزهات الوزاني، وتزامن ذلك مع تحليق الطيران الحربي فوق القطاع الشرقي والعرقوب وحاصبيا، منفذا غارات وهمية وصولا إلى مرجعيون وبنت جبيل بالترافق مع تحليق طائرة استطلاع من دون طيار.

وفي باريس حيث يجري الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس محادثات مع المسؤولين الفرنسيين لم تغب عن هذه المحادثات العاصفة التي أطلقها بحديثه عن إمداد سورية لحزب الله بصواريخ سكود بعيدة المدى. وكان لافتا أن الموقف الفرنسي من الاتهامات الإسرائيلية كان قريبا من الموقف الأميركي لجهة التحفظ على مصادره، ففي أول تعليق صدر من وزارة الخارجية الفرنسية أمس على هذه الاتهامات، قالت الوزارة إن الموضوع سيكون «مثيرا للقلق في حال تأكدت المعلومات التي روج لها الجانب الإسرائيلي». وكانت واشنطن قد عبرت ليل أول من أمس عن قلقها «بخصوص الأسلحة المتطورة... التي يزعم أنها تنقل إلى حزب الله». وقالت إنه تم نقل «استياء» واشنطن إلى أعلى المستويات في الحكومة السورية.

وبهذه المناسبة كررت باريس تمسكها بضرورة تنفيذ واحترام كامل مضمون القرار 1701 الذي أنهى الحرب بين إسرائيل وحزب الله ونص على منع وصول السلاح إلى لبنان إلا المخصص منه للدولة اللبنانية أو لقوات «يونيفيل» الدولية في جنوب لبنان. وأشارت الخارجية الفرنسية إلى أن باريس معنية بشكل خاص بهذا الموضوع بسبب حضورها داخل «اليونيفيل» مما يعني أنها تثير مسائل السلاح دوريا مع الأطراف المعنية.

ويبدو أن بيريس لم يقنع كل الذين التقاهم بـ«التفاؤل» الذي عبر عنه عن معاودة المفاوضات مع الفلسطينيين ولا في موضوع السلاح إلى حزب الله، فقد أعلن عضو مجلس الشيوخ عن باريس، روجيه مادوك، أن إثارة إسرائيل لموضوع السلاح وللموضوع الإيراني غرضه «تفادي الدخول في مفاوضات دقيقة مع الفلسطينيين».

وكان بيريس شكر فرنسا التي «ساعدت إسرائيل في الأوقات العصيبة» ونوه بنشاط ساركوزي في موضوع السلام وبـ«أفكاره المبدعة»، مشيرا إلى المحاور الأربعة التي ركز عليها وهي: إيران والقنبلة النووية والسلام في الشرق الأوسط ومشكلة المياه والغذاء في المنطقة، وأخيرا كيفية الاستفادة من التقدم العلمي والتكنولوجي لمواجهة التحديات القادمة.