بريطانيا تعيش تجربتها الأولى في المناظرات السياسية.. وتتعرف على زعيم «نجم» كان مهمشا

استطلاعات الرأي تشير إلى فوز كليغ على براون وكاميرون.. وحزب الليبراليين الديمقراطيين يجذب المترددين

قادة الأحزاب الرئيسية الثلاثة، براون وكامرون وكليغ، خلال مناظرتهم التلفزيونية الليلة قبل الماضية (إ.ب.أ)
TT

عاشت بريطانيا ليل أول من أمس، تجربتها الأولى في المناظرات السياسية، ومعها تعرف الناخبون البريطانيون للمرة الأولى على «نجم» جديد، كان لا يزال حتى قبل دقائق معدودة من بدء المناظرة، مجرد زعيم حزب مهمش.

وفي خلال 90 دقيقة، نجح نك كليغ، زعيم حزب الليبراليين الديمقراطيين، الحزب الثالث في البلاد، في أن يترك أثرا كبيرا في نفوس 10 ملايين بريطاني شاهدوا المناظرة. وتمكن من فرض نفسه كمنافس قوي لرئيس الوزراء غوردن براون، وزعيم حزب المحافظين المعارض ديفيد كاميرون، اللذين اضطرا للاعتراف في اليوم التالي بأن أداء كليغ كان جيدا.

ولم يحظ حزب الليبراليين الديمقراطيين باهتمام يذكر في الانتخابات السابقة، إلا أنه برز هذا العام كحكم محتمل في حال أنتجت الانتخابات برلمانا معلقا، أي في حال فشل أي من الحزبين الكبيرين من الفوز بأغلبية تسمح له بتشكيل حكومة. وتشير الاستطلاعات منذ بداية العام تقريبا إلى أن بريطانيا متجهة نحو برلمان معلق، وهو ما سيسمح لحزب كليغ بلعب دور «صانع الملوك»، أي يعطي الفرصة للحزب الذي يختار أن يدعمه، بأن يشكل الحكومة المقبلة.

وفي استطلاع للرأي أجراه معهد «بوبولس» لصحيفة الـ«تايمز» اليمينية، فور انتهاء المناظرة، قال 61 في المائة من المشاهدين إن كليغ كان الأفضل، وحل كاميرون في المرتبة الثانية بمسافة بعيدة وحصل على 22 في المائة من الأصوات، بينما حل براون في المرتبة الثالثة والأخيرة بنسبة 17 في المائة من الأصوات. وعلى الرغم من أن كل الاستطلاعات التي أجريت حول أداء الزعماء الثلاثة في المناظرة، أعطت الطليعة لكليغ، فإن كاميرون وبراون تبادلا المرتبتين الثانية والثالثة، بحسب كل استطلاع.

إلا أن النتائج الأهم هي تلك التي صدرت غداة المناظرة، والتي أظهرت أن حزب كليغ تمكن من تسجيل نقاط إضافية على خصميه. وبحسب استطلاع نشرته صحيفة «الغارديان» اليسارية، على موقعها الإلكتروني أمس، وأجرته شركة «آي سي إم»، تبين أن ربع الناخبين الذين شاهدوا المناظرة قالوا إنهم غيروا رأيهم حول الحزب الذي سيصوتون له، وقال معظمهم إن خيارهم الأول أصبح حزب الليبراليين الديمقراطيين. وأظهر الاستطلاع أن كليغ تفوق حتى في نظر مؤيدي حزبي العمال والمحافظين.

وقالت الصحيفة استنادا إلى الاستطلاع، إن كاميرون كان أداؤه سيئا جدا في نظر مؤيدي حزب الليبراليين المحافظين، مع اعتقاد 61 في المائة من الذين شاهدوا المناظرة منهم أن كاميرون يضع في الطليعة التحريض على مضمون ما يقدمه للناخبين. واستنتجت الصحيفة من ذلك أن كاميرون يخسر أرضيته مع الناخبين في الوسط الذين يحاول اجتذابهم.

وفي استطلاع آخر أجراه معهد «كوم ريس» لتلفزيون «آي تي في» الذي استضاف أول مناظرة من سلسلة 3 مناظرات أسبوعية قبل الانتخابات التي ستجرى في 6 مايو (أيار)، حافظ حزب المحافظين على تقدمه بحصوله على 35 في المائة من نوايا الناخبين، بينما خسر حزب العمال نقطة واحدة وحصل على 28 في المائة من نوايا الناخبين، بينما تقدم حزب الليبراليين المحافظين بـ3 نقاط وحصل على 24 في المائة من نوايا الناخبين.

وبالعودة إلى المناظرة، فقد نجح كليغ في تقديم حزبه على أنه البديل عن الحزبين الرئيسيين اللذين قال إنهما «يتبادلان السلطة منذ 65 عاما». وحزب الليبراليين الديمقراطيين ممثل في البرلمان بـ60 مقعدا فقط من أصل 650 مقعدا، بسبب نظام التمثيل الأكثري. وعلى الرغم من أن البريطانيين معتادون على مشاهدة زعماء الأحزاب الثلاثة يتناقشون في جلسة أسبوعية داخل البرلمان، فإن زعماء الأحزاب لم يشاركوا أبدا في مناظرات سياسية قبل الانتخابات، علما بأن الولايات المتحدة تعتمدها منذ أكثر من 50 عاما. ولطالما رفض الحزبان الرئيسيان في البلاد مبدأ المناظرات كي لا يعطيا فرصة للحزب الثالث للظهور. إلا أنه في هذه المرة، دفع إصرار زعيم حزب المحافظين الشاب، برئيس الوزراء إلى قبول التحدي الذي كان رفضه سلفه توني بلير. ولكن كاميرون قد يكون بدأ يندم على إصراره هذا. فهو أراد من المناظرة أن تقدمه على أنه زعيم قادر على إدارة شؤون البلاد، رغم صغر سنه وقلة خبرته. ولم يكن يتوقع منافسة قوية من زعيم هو الآخر شاب، ويتمتع بجاذبية مثله، لم يدخل البرلمان إلا في عام 2005.

وعلى الرغم من أن كليغ يشارك عادة في المناظرات التي تجرى أسبوعيا في مجلس العموم، فإنه لم يتمكن من أن يثبت نفسه من قبل، خلال هذه المناقشات، على أنه زعيم قوي جدير بأن يستمع إليه الناخبون. وقال المعلقون السياسيون أمس إن السبب خلف ذلك، قد يكون التشويش الصادر عن 600 نائب في البرلمان، يبدأون بالهتاف والصراخ كلما حاول كليغ الكلام. وعادة ما يطلق النواب في مجلس العموم البريطاني خلال هذه الجلسات، صرخات تهكم عدائية وصيحات استهجان وسخرية، كلما تحدث زعيم الحزب الآخر.

وحاول براون أن يشكل حلفا مع كليغ خلال المناظرة، وكرر أكثر من مرة «أنا أوافق كليغ» في هذا وذاك.. وفي ذلك محاولة لكسب ود زعيم حزب قد يكون له الكلمة الفصل في من يتوج رئيس الوزراء المقبل. ويحاول براون أن يكسب ولاية تاريخية رابعة لحزب، إنما أولى منتخبة له. فهو تسلم رئاسة الحكومة من بلير قبل 3 سنوات، ولم يخض يوما معركة انتخابية على رأس حزبه. وفي مقابل محاولته كسب ود كليغ، ركز براون هجومه على كاميرون. وركز زعيم حزب العمال على نقاط قوته: الاقتصاد. وقدم نفسه على أنه الزعيم القادر على أن يقود بريطانيا خلال مرحلة التعافي الاقتصادي، كما قادها خلال الأزمة. وبدا براون، البالغ من العمر 51 عاما، والذي ارتدى ربطة عنق زهرية اللون، متوترا في البداية، لكنه بدأ يسترخي مع انطلاق المناظرة. ولم يقل أي شيء يسجل ضده على أنه خطأ أو نهفة، وحتى إنه كان الوحيد الذي يلقي النكات من حين إلى آخر. لكنه أيضا لم يقدم أداء رائعا. لكنه نجح في تقديم نفسه على أنه الزعيم الذي يتمتع بخبرة اكتسبها من 10 سنوات قضاها وزيرا للخزانة، و3 سنوات رئيسا للوزراء.

ومثله كان كاميرون، البالغ من العمر 44 عاما، متوترا في البداية. وحاول زعيم المحافظين أن يقدم نفسه على أنه مرشح «التغيير» و«الأمل». وحاول أن يلعب على التواصل بشكل شخصي مع الحضور الذين كانوا يطرحون الأسئلة. فتعمد مناداة طارح السؤال باسمه، وتوجيه الإجابة إليه مباشرة، وتحدث عن أمثلة شخصية في حياته أكثر من براون وكليغ للتواصل مع الناخبين العاديين. إلا أن أداءه لم يرق للتوقعات. فقد كان أداء عاديا، لم يلمع خلاله.

أما النجم الحقيقي للمناظرة، فكان أصغرهم، كليغ الذي لا يتعدى عمره الـ43 عاما. فقد هاجم الرجلين من دون أي رادع. وأشار إليهما بـ«هذين» أكثر من مرة. ونظر إليهما في لحظة وهما يتبادلان توجيه الاتهامات يقول «انظروا إليهما، كلما زادا في الجدال، ظهر التشابه بينهما»، في إشارة إلى أن كليهما من حزبين قديمين في السلطة، مسؤولين عما وصلت إليه البلاد اليوم.

قد تكون المناظرة الأولى نجحت في تسليط الضوء على زعيم كان لا يزال مهمشا، إلا أن الانتخابات لا تزال على بعد 3 أسابيع، ولا تزال هناك مناظرتان ستجمعان بين الزعماء قبل يوم التصويت.. وحتى ذلك الحين، قد يتغير الكثير.