باريس: عقوبات «أقل قساوة» ضد إيران بعد أسابيع.. والحوار معها أشبه بـ«مناجاة للنفس»

قلق فرنسي من تأثير دمشق - طهران على قرار لبنان الذي سيرأس مجلس الأمن في مايو

إيراني يردد شعارات مناهضة للولايات المتحدة وإسرائيل خلال صلاة الجمعة في طهران أمس (رويترز)
TT

توقعت مصادر فرنسية رسمية واسعة الاطلاع أن يكون قرار مجلس الأمن المنتظر حول فرض العقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي المثير للجدل «أقل قساوة وقوة مما كنا نريده»، بسبب الحاجة إلى إرضاء روسيا والصين، مرجحة صدور قرار دولي بعد أسابيع. وتزامن ذلك مع تصريحات مسؤول برازيلي قال فيها إن هناك «توافقا كبيرا» على عدم فاعلية العقوبات بحق طهران.

ورأت المصادر الفرنسية، التي تحدث لمجموعة ضيقة من الصحافيين، أن المناقشات بين الدول الست ومع الأعضاء الآخرين في مجلس الأمن الدولي «يمكن أن تطول إلى خمسة أو ستة أسابيع»، مضيفة أنها «طويلة ومعقدة» وتحتاج لعمل كبير من أجل الاتفاق على مضمون العقوبات بعدما وافقت كل الدول الست، الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا، على مبدأها.

وتؤكد باريس أن قرار مجلس الأمن الذي سيفرض سلة عقوبات إضافية على إيران «سيصدر» وأنه «لا شك في ذلك»، وسيتناول قطاعات البنوك والنقل (البحري) والطاقة وعددا من المؤسسات والشخصيات الإيرانية الإضافية، كاشفة أنه تم التخلي عن فكرة منع تصدير مشتقات النفط من البنزين وخلافه إلى إيران.

أما بخصوص ما اقترحه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي خلال إقامته في واشنطن الأسبوع الماضي من وقف مشتريات النفط الإيراني لخنق اقتصادها، فقد اعتبرته المصادر الفرنسية بمثابة «فكرة للمستقبل»، ومؤشر على أن العقوبات التي تتم مناقشتها حاليا ستتبعها في المستقبل عقوبات لاحقة إذا لم تستجب إيران لمطالب الوكالة الدولية للطاقة النووية ومجلس الأمن الدولي.

وترى باريس في العقوبات الإضافية رسالة متعددة الأهداف وأهمها ثلاثة: دفع طهران للتفاوض، وإبطاء البرنامج النووي والباليستي الإيراني، وتوجيه رسالة إلى دول المنطقة الخليجية والشرق أوسطية مفادها أن الأسرة الدولية تريد حلا غير عسكري للمشكلة الإيرانية.

غير أن باريس لا ترى العقوبات الدولية سوى خطوة من مجموعة خطوات، حيث إنها تريد دفع الاتحاد الأوروبي، بعد ترجمة العقوبات الدولية المنتظرة إلى إجراءات عملية تطبقها الدول الـ27، إلى اتخاذ عقوبات أشد صرامة على المستويين الأوروبي والأميركي، ومع من يرغب من الدول الأخرى، غير أنها تعول كثيرا على قرار مجلس الأمن الذي يوفر «شرعية التحرك».

وتقول المصادر الفرنسية إن للدول الغربية «استراتيجيات مناسبة» و«خطة تحرك» للوصول إلى أوسع تصويت على القرار الذي يناقش مسودته بشكل شبه يومي سفراء الدول الست لدى الأمم المتحدة، غير أن هذه المصادر رفضت الدخول في حساب الأصوات المؤيدة والمعارضة بانتظار أن تنتهي الدول الست من الاتفاق على مسودة نهائية ستطرح على الأعضاء الآخرين. وبدت هذه المصادر متفائلة بالحصول على تأييد دول معارضة حتى الآن مثل تركيا والبرازيل. لكنها تعترف بأن المشكلة الحقيقية تتمثل في لبنان الذي سيرأس مجلس الأمن في مايو (أيار) القادم، أي في الفترة التي تتوقع فيها باريس طرح مشروع القرار على التصويت.

وذكرت المصادر أن الدول المعنية، أي ليس باريس وحدها «تأخذ وضع لبنان بعين الاعتبار»، مشيرة بذلك إلى تكوين الحكومة الحالية وتوزيع ميزان القوى السياسي والعلاقة مع دمشق وطهران وتأثير هاتين العاصمتين على القرار اللبناني. غير أن المصادر المشار إليها تعتبر أنه «من الأفضل تحاشي التوقف كثيرا عند حالة لبنان» الذي يستطيع أن «يعرقل أو يؤجل التصويت على القرار لكونه رئيس مجلس الأمن «غير أنه لا يستطيع منعه». إزاء اقتراب لحظة الحقيقة، تنظر باريس إلى خفض الصين والهند مشترياتهما من النفط الإيراني على أنه «مؤشر» لرغبتهما في استباق الأزمة مع طهران وتوفير مصادر نفطية بديلة، مضيفة أن دولا منتجة للنفط يمكن أن تعوض غياب النفط الإيراني عن السوق، في إشارة إلى المملكة السعودية التي تمتلك أكبر احتياطي للإنتاج النفطي في العالم.

وجاء ذلك بينما اعتبرت الخارجية الفرنسية أن مختلف تصريحات السلطات الإيرانية ومواقفها في الأسابيع الأخيرة بشأن إعادة معالجة اليورانيوم الذي تملكه، لا تعدو كونها «مناجاة للنفس» وتثير «الدوار».

وقال برنار فاليرو، المتحدث باسم الخارجية الفرنسية، خلال لقاء صحافي «لكي يكون هناك حوار لا بد من وجود طرفين. وحتى الآن تبين لنا أنه بدلا من الحوار نحن إزاء (مونولوغ) أو (مناجاة للنفس)».

وكان المتحدث يرد على سؤال عما إذا كانت التصريحات الإيرانية ستشهد تطورا جديدا يعكس رغبة القادة الإيرانيين في التوصل إلى حل ودي مع الغربيين بعد أن تمكنوا من القضاء على حركة الاحتجاج الداخلي في فبراير (شباط). وأضاف فاليرو أن «الأمر مثير للدوار، هناك تقريبا تصريح كل يوم. هذا موضوع يتطلب معالجة جدية، ولقد قدمت مجموعة الدول الست مقترحا جديا» حول تخصيب يورانيوم إيراني مخصص لمفاعل أبحاث في طهران خارج إيران. وتابع «منذ شهر نوفمبر (تشرين الثاني) ونحن ننتظر ردا جديا ولم نحصل عليه حتى الآن. ما من مجيب من جانب إيران، الأمر الذي أقنعنا الواحد بعد الآخر بضرورة سلوك الدرب الآخر (العقوبات)».

إلى ذلك، قال وزير الخارجية البرازيلي سيلسو أموريم، إن الرئيس البرازيلي، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، لاحظ «توافقا كبيرا» على عدم فاعلية العقوبات بحق إيران مع نظيره الصيني هو جينتاو، ورئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ.

وأجرى لولا محادثات على التوالي مع الرئيس الصيني ورئيس الوزراء الهندي على هامش قمة كبرى للدول الناشئة، أي الدول الثلاث المذكورة إضافة إلى روسيا.

وتم بحث الضغوط الدولية المتنامية لفرض عقوبات جديدة على إيران التي يتهمها الغرب بالسعي إلى حيازة سلاح نووي تحت ستار برنامج مدني.

وصرح أموريم للصحافيين «خلال هذه اللقاءات، قدم الرئيس لولا تفسيرا لما قمنا به بالنسبة إلى إيران انطلاقا من الحرص على الشفافية. وقد لاحظنا توافقا كبيرا في وجهات النظر» مع الصين والهند. وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية فقد أكد أموريم أن البرازيل والصين والهند تتوافق على عدم فاعلية العقوبات الاقتصادية، مضيفا أن «انطباعنا الذي وافقت عليه الدولتان هو أن فاعلية العقوبات مشكوك فيها إلى حد كبير». ولم يتضح إن كانت الدول تريد ضمنيا عقوبات أشد لجعلها فاعلة أم لا.

وتبدي الصين، العضو الدائم في مجلس الأمن التي تتمتع بحق النقض (الفيتو)، والبرازيل التي تشغل مقعدا غير دائم، ترددا حيال فرض عقوبات جديدة على طهران، وتدعوان إلى الحوار.

وفي أنقرة، قال وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو إنه «من غير الوارد مناقشة سلسلة من العقوبات (ضد إيران) لا نعرف تفاصيلها». وأضاف المسؤول الذي تعارض بلاده فرض العقوبات أن تركيا والأعضاء الآخرين غير الدائمين في مجلس الأمن الدولي لم يتبلغوا بتفاصيل العقوبات المطروحة ضد إيران. وقال داود أوغلو إنه سيتوجه الأسبوع المقبل إلى طهران في موعد لم يحدد، للمساهمة في تسوية الأزمة حول الملف النووي الإيراني، بحسب ما نقلت وكالة الأناضول.