أوروبا من دون طيران لليوم الثاني.. والبركان يواصل إلقاء حممه

خبراء: نشهد أكبر تعطل لحركة الطيران منذ 11 سبتمبر.. والاضطرابات قد تدوم أياما

ركاب عالقون في مطار ميونيخ بألمانيا أمس (أ.ب)
TT

بينما لا يزال بركان أيسلندا ينفث حممه، واصلت عدة دول أوروبية أمس، لليوم الثاني على التوالي، إغلاق مجالها الجوي بسبب سحابة الرماد التي انبعثت من البركان. وبينما أغلقت دول جديدة أمس رحلات الطيران في مطاراتها، ذكرت سلطات الطيران في عدد أقل من الدول عزمها استئناف رحلات محدودة، إلا أن البلد الذي انطلق منه البركان هو الوحيد الذي لم يشمله أي إغلاق جوي بسبب تحرك السحابة بعيدا عن أيسلندا.

في بريطانيا تم تمديد إغلاق المجال الجوي حتى اليوم (السبت) «على الأقل»، لكن تم استثناء بعض الرحلات أمس باتجاه اسكتلندا وأيرلندا الشمالية. وفي أيرلندا، أعيد فتح معظم المجال الجوي خصوصا في مطارات دبلن وشانون وكورك (غرب)، بينما بقيت فقط منطقة قبالة الساحل الجنوبي مغلقة. كذلك، بقي 23 مطارا في شمال فرنسا مغلقا حتى السادسة مساء أمس بينها مطارات رواسي وأورلي وبورجيه، بيد أنه سمح بهبوط الرحلات في مطارات باريس بين الساعة العاشرة والثانية زوالا.

وشهدت ألمانيا من جانبها اضطرابا في حركة الملاحة الجوية بفرانكفورت، حيث يوجد ثالث أكبر مطارات أوروبا، إضافة إلى مطارات برلين وهامبورغ وهانوفر وبريم وليبزيغ ودريسدن وإيرفورت وكولونيا ودوسلدورف ومونستر - أوسنابروك وساريبروك وشتوتغارت ونورمبرغ. كذلك، قررت بلجيكا الاستمرار في إغلاق مجالها الجوي حتى الثامنة من صباح اليوم.

وقالت هيئة مراقبة الطيران الأوروبية (مقرها بروكسل) أمس إن تعطل الرحلات الجوية بسبب سحابة الرماد البركاني القادمة من أيسلندا ستكون كبيرة. وحسب مسؤولي هيئة مراقبة الطيران الأوروبية، فإنه كان مقررا أن تطير بين 12 ألف رحلة إلى 13 ألف رحلة جوية أمس في سماء القارة الأوروبية مقارنة بنحو 29500 رحلة جوية في الظروف العادية. وكان المسؤولون قد قالوا في وقت سابق إن يوم الخميس شهد تشغيل 20334 رحلة. وقالت الهيئة إنه من المتوقع أن تمتد سحابة الغبار البركاني جنوبا وشرقا.

أما وزير النقل البلجيكي إتيان سكوب فأكد أمس إجراء اتصالات على المستوى الأوروبي لتنسيق التحركات الضرورية ومواجهة الموقف، بعد أن اضطر عشرات الآلاف من المسافرين إلى المكوث الليلة قبل الماضية داخل المطارات الأوروبية، وبقوا حتى أمس ينتظرون معرفة التطورات. وحسب الوزير البلجيكي، فإنه كان مقررا أن يعقد الخبراء والفنيون مساء أمس اجتماعا جديدا، لكنه عبر عن توقعه عدم فتح المجالات الجوية المغلقة «قبل أربع وعشرين ساعة على الأقل».

وفي بولندا، بقي المجال الجوي أمس شبه مغلق بالكامل بما في ذلك مجال مدينة كراكوفيا حيث يتوقع أن يصل غدا 80 وفدا أجنبيا للمشاركة في موكب تشييع الرئيس البولندي الذي قضى نحبه في حادث طائرة في روسيا. والمطار الوحيد الذي ظل يعمل في بولندا أمس هو مطار رزيسنوي (جنوب شرق). وأعلن مسؤول كبير في الرئاسة البولندية أمس أن موكب تشييع جثماني الرئيس ليخ كاتشينسكي وزوجته سينظم كما هو مقرر نهاية الأسبوع وذلك على الرغم من اضطراب حركة النقل الجوي الذي قد يمنع حضور عدد من الوفود الأجنبية. وقال جاك ساسين مساعد مدير مكتب الرئيس للصحافيين إن «الأسرة تريد ألا يتم تغيير موعد الموكب الجنائزي تحت أي ظرف». وأضاف أن «الاحترام الواجب للراحلين وكل من انخرط في التحضير لهذا الموكب لا يسمح بأي تغيير أو تعديل» على البرنامج المقرر. وذكر ساسين أن مراسم التشييع ستبدأ بعد ظهر السبت (اليوم) في وارسو بقداس في كنيسة سان جان في العاصمة، ثم يتم نقل الجثمانين إلى كراكوفيا حيث ينتظم الموكب الجنائزي بحضور الوفود الأجنبية.

روسيا كانت من البلدان القليلة التي بقي فيها المجال الجوي أمس مفتوحا غير أنه تم إلغاء الرحلات الجوية باتجاه شمال القارة وغربها. وأغلق مؤقتا مطار كالينينغراد الجيب الروسي الواقع بين بولندا وليتوانيا. كذلك بقي المجال الجوي مغلقا أمس في دول البلطيق، وطرق الأمر نفسه هولندا والنرويج، إلا أن الأخيرة سمحت مؤقتا على السابعة بتوقيت غرينتش للرحلات في المنطقة الواقعة بين تروندهيم (وسط) وجزر لوفوتين (شمال) لمدة تتراوح بين 6 - 12 ساعة. أما السويد، فبدأت بعيد الساعة السادسة في إعادة فتح قسم من مجالها الجوي في الشمال ذي الكثافة السكانية القليلة في حين ظلت حركة الملاحة في بقية مناطق البلاد متوقفة.

واستمر تمديد الإغلاق الجوي في عدة بلدان أخرى مثل الدنمارك وجمهورية التشيك وفنلندا والنمسا. إلا أن البلد الذي انطلق منه البركان، (أيسلندا) أبقى على مطاراته مفتوحة لأن سحابة الرماد البركاني لم تشمله. وبعيدا عن المنطقة القريبة من الرماد، ألغت شركات النقل الجوي في المنطقة الممتدة من أستراليا ونيوزيلاندا إلى الهند وسنغافورة واليابان أمس الكثير من الرحلات التي كانت مقررة باتجاه أوروبا.

واعتبر خبراء أن مدى تعطل حركة الطيران في أوروبا بسبب الغبار البركاني سيكون تاريخيا. وقال متحدث باسم هيئة الطيران المدني البريطانية المسؤولة عن مراقبة الطيران في بريطانيا: «أعتقد أن أوروبا قد تواجه أكبر تعطيل للنقل الجوي منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول). هذه أسوأ من الفترة التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر من حيث إغلاق المجال الجوي. يرجح أن يكون التعطيل أكبر من أي شيء شاهدناه». وكان المجال الجوي في الولايات المتحدة قد أغلق لمدة ثلاثة أيام في أعقاب هجمات 11 سبتمبر عام 2001 على واشنطن ونيويورك واضطرت جميع شركات الطيران الأوروبية إلى وقف رحلاتها عبر الأطلسي. ويقول علماء البراكين إن الغبار البركاني قد يسبب مشكلات لحركة النقل الجوي لمدة قد تصل إلى ستة أشهر إذا استمر ثوران البركان.

وقال مسؤولون إن البركان واصل إلقاء حممه أمس، وسيستمر الغبار في التصاعد في سماوات أوروبا على الرغم من أن ثوران البركان قد يهدأ في الأيام القادمة. وقال البروفسور أرمان هوسكولدسون من جامعة أيسلندا لوكالة «رويترز»: «الموقف مشابه تقريبا لما كان عليه (أول من أمس)، فما زال البركان ثائرا وما زال يطلق الغاز». وأضاف: «نتوقع أن يستمر يومين أو أكثر أو نحو ذلك. لا يمكن أن يستمر بهذا المعدل لأيام كثيرة. فهناك كمية محدودة من الصخور المنصهرة يمكنه أن يقذف بها». وقال هوسكولدسون إن الصخور المنصهرة تحت سطح الأرض التي تخرج من البركان هي التي تحولت إلى رماد بركاني.

ويحتوي الغبار البركاني على جسيمات ضئيلة من الزجاج والصخور المفتتة التي يمكن أن تتلف محركات الطائرات وهياكلها. وكانت محركات طائرة تابعة لشركة «بريتيش إيروايز» توقفت عن العمل عام 1982 عندما حلقت في سحابة غبار فوق إندونيسيا وانزلقت باتجاه الأرض قبل أن تتمكن من تشغيل محركاتها مرة أخرى. ودفع هذا الحادث الشركات العاملة في صناعة الطائرات إلى إعادة التفكير في الاستعدادات للتعامل مع سحب الغبار البركاني.

واعتبر خبراء في الأرصاد الجوية أنه من الصعب معرفة الموعد الذي ستستأنف فيه الرحلات الجوية بشكل عادي. وقال سيلا سيلايو وهو خبير كبير في وحدة الأرصاد الجوية الخاصة بالطيران التابعة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية: «يمكننا التكهن بالوقت الذي ستستأنف فيه الرحلات الجوية بعد أن يتوقف ثوران البركان، ولكن ما دام الثوران مستمرا ولا يزال يؤدي إلى ثوران كبير فلا يمكننا أن نعرف». ووقعت ثورة البركان تحت نهر إيجافجالاجوكول المتجمد، وهي منطقة يقبل عليها الزوار لإقامة خيام في جنوب أيسلندا.