مراقبون غربيون: انتخابات السودان لا ترقى للمعايير الدولية.. لكنها ستلقى اعترافا دوليا

الاتحاد الأفريقي أشاد.. و327 منظمة محلية تعتبرها غير شفافة.. وتطالب بحل المفوضية وتحملها مسؤولية الفشل

أحد موظفي مفوضية الانتخابات يقوم بإطلاع مراقبة حزبية على بطاقة اقتراع بأحد مراكز الفرز في الخرطوم أمس (رويترز)
TT

في أول تقييم جدي للانتخابات السودانية التي جرت طوال الأسبوع الماضي، قالت بعثتا مراقبة غربيتان، إن الانتخابات لم تف بالمعايير الدولية، لكنه إحداهما أشارت إلى احتمال اعتراف المجتمع الدولي بها إلى حد كبير. وبينما عبرت البعثة الأفريقية للمراقبة عن ارتياحها لإجراء الانتخابات بصورة «سلمية»، أكدت 3 مجموعات مراقبة محلية، تمثل 327 منظمة مجتمع مدني، شاركت بنحو 4200 مراقب، لـ«الشرق الأوسط»، أن الانتخابات السودانية لم تكن شفافة وشهدت أوجه قصور فادحة. وطالبت بحل مفوضية الانتخابات وحملتها أوجه القصور، مؤكدة أن جميع الناخبين من بين 16 مليون ناخب مسجلين، أدلوا بأصواتهم، من خلال كشوف أسقطت فيها عناوينهم، وأن أكثر من 90% منهم صوتوا بشهادات السكن سهلة التزوير. وطالبت هذه المنظمات بلجنة تحقيق دولية تحقق في المخالفات الإدارية والمالية.

وقالت رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات في السودان، فيرونيك دو كيسر، للصحافيين في الخرطوم أمس: «جاهدت هذه الانتخابات كي تبلغ المعايير الدولية. ولكن لم تبلغها كلها». وقال مركز كارتر الأميركي: «من الواضح أن الانتخابات لن ترقى إلى المعايير الدولية والتزامات السودان بشأن إجراء انتخابات حقيقية في الكثير من النواحي».

وأفاد تقرير أولي للاتحاد الأوروبي بأن تعقيدات وحالة من البلبلة شابت الانتخابات السودانية بشكل عام، وهيمنت على الانتخابات الأحزاب المسيطرة في الشمال والجنوب. وكررت بعثة منفصلة تابعة للبرلمان الأوروبي مخاوف كثيرة، لكنها قالت إن الانتخابات ما زالت تمثل خطوة إلى الأمام في عملية السلام التي بدأت عام 2005. وقالت أنا غوميز، وهي نائبة في البرلمان الأوروبي: «أدت الانتخابات إلى جدل سياسي لم يسبق له مثيل في بلد مزقته الحروب».

من جانبها أكدت رئيسة البعثة الأوروبية فيرونيك دي كيسير، ما قالته غوميز بأن الانتخابات «لا ترقى إلى المعايير الدولية». إلا أنها شددت على أهميتها ودورها في تعزيز السلام في السودان، وفي التمهيد «لأجواء ديمقراطية في البلاد». وأضافت دي كيسير، في مؤتمر صحافي عقدته أمس في الخرطوم، أن الانتخابات «خطوة حاسمة من أجل تنفيذ اتفاق السلام الشامل». وقالت دي كيسير إن هذه الانتخابات «واجهت صعوبات في مطابقة المعايير الدولية لانتخابات ديمقراطية»، مشيرة إلى أنها «لم تكن مطابقة لكل المعايير، وإنما لبعضها»، من دون أن تقدم إيضاحات أكثر.

وأشادت رئيسة البعثة الأوروبية بوجود مراقبين محليين خلال الانتخابات، معتبرة ذلك دليلا على الرغبة في تحقيق «تحول ديمقراطي» في السودان. وكشفت أن التجاوزات التي رصدها المراقبون كانت «في الجنوب أكثر منها في الشمال». كما تحدثت عن مشكلات إدارية ولوجيستية في اليومين الأولين. وأشادت بمشاركة المرأة ومنظمات المجتمع الدولي في العملية، ووصفت الأجواء التي تم فيها الاقتراع بأنها كانت هادئة وخالية من أعمال العنف. وقد أوفد الاتحاد الأوروبي نحو 140 مراقبا، لكنه سحب فريقه من دارفور، حيث اندلع صراع قبل 7 سنوات، وقال الاتحاد إن مخاوف أمنية تحد من تحركاته.

من جانبه، وصف جيمي كارتر، الرئيس الأميركي الأسبق، الانتخابات السودانية بأنها أقل من المعايير المطلوبة دوليا، وقال: «لن تلبي طموحات الناس.. لكن غالبية المجتمع الدولي سيقبل بها كخطوة أولى لتحقيق اتفاقية السلام والتحول الديمقراطي بالبلاد، وأنها أتاحت للأحزاب السياسية المشاركة». وأشار إلى أن الانتخابات الأميركية الأخيرة لم تكن هي الأخرى مطابقة للمعايير الدولية، ولم يكن مرضيا عنها. وأكد أن العملية في دارفور لا يمكن القول بانها تمت بمصداقية.

وأوضح كارتر خلال تقديم تقريره الأولي عن الانتخابات في برج الفاتح في الخرطوم أمس، أن عملية الاقتراع صاحبتها تحديات كثيرة وبخاصة في اليوم الأول، منها غياب كشوف الناخبين وسقوط الأسماء مما أثار نوعا من التشويش، وقال إن العملية صاحبتها عمليات تخويف للناخبين واستدراج بعضهم للتصويت لصالح ناخب معين دون الآخر، وشرح أن الأمر يتم من موظفين الاقتراع أنفسهم. وأشار إلى أن «الإطار القانوني في البلاد متناقض.. لكونه لا يسمح بإتاحة الحريات، خصوصا حرية الصحافة والتعبير»، وعدد من أوجه القيود التي وصفها بالخطيرة. وقال: «هذا كان مخيفا للكثيرين»، وأشار إلى أن مركزه طلب نسخة من السجل الانتخابي لعقد مقارنة بالأخطاء التي تمت فيه، ولمعرفة ما إذا كان الخطأ متعمدا ام لا. وأوضح كارتر أن «عملية الاقتراع صاحبتها مشكلات لوجيستية ونقص في المواد كالبطاقات، وبعض الناخبين لم يتمكنوا من التصويت إلا لمنصب الرئيس فقط. وهذا لم يمكن الناخب من الاختيار المطلوب.. والستائر المستخدمة لا تمكن الناخب من الإدلاء بصوته سرا»، وأشار إلى نقص في الحبر، وزاد: «كانت تتم إزالته بسهولة».

ودعا كارتر القوى السياسية للمشاركة في توحيد البلاد - شمالا وجنوبا - واتخاذ القرارات بمشاركة أكبر من القوى. وأبدى أسفه من انسحاب بعض الأحزاب من العملية، وقال: «بمشاركة الحركة الشعبية وحزب الأمة كانت العملية ستصبح أفضل». وأضاف: «نحن نشجع قادة المعارضة بعدم الانسحاب من العملية». ودعا الحكومة لضمان الانفتاح السياسي وإتاحة فرصة للأحزاب وتمكينها من المشاركة في مستقبل البلاد.

وأضاف كارتر أن «المركز نشر 70 مراقبا في ولايات البلاد»، وأشار أيضا إلى أن مراقيبه في منطقة دارفور كانوا موجودين في المدن فقط، وأكد أن الاقتراع تم فيها سلميا، وأردف: «لكن من الصعب أن نقول الانتخابات فيها تمت بمصداقية، لكون النازحين لم يسمح لهم بالتسجيل، بالإضافة إلى خوفهم من تسجيل أسمائهم داخل معسكرات النزوح بخلاف قراهم». وزاد: «لكن على الرغم من هذه القيود، كانت العملية منضبطة وسلمية». وأكد كارتر أن مركزه سيضع تقريره الختامي محتويا الملاحظات كافة التي رصدها والإشكاليات التي لا حظها والأخطاء والقصور لمناقشتها مع المفوضية والحكومة والمعارضة.

ووصف كارتر النسبة التي أعلنتها المفوضية حول نسبة المشاركة في العملية وحددتها بـ60% بغير الدقيقة، وأوضح أن المفوضية لم تكن لديها خبرة سابقة للقيام بالانتخابات، لكون العملية تقوم في رقعة جغرافية شاسعة، بجانب المجموعات القبلية، والنزاع الذي شهدته البلاد. ودعا المفوضية والأحزاب والمرشحين للنظر إلى هذه الإشكاليات. وعاب كارتر على المفوضية والسلطات المسؤولة عدم القيام بواجباتهم، ولكنه ووصف التجربة في مجملها بالإيجابية بالنسبة إليه، وتمناها أن تكون كذلك للشعب السوداني. وقال: «أستطيع أن أهنئ الشعب السوداني بأن العملية ما زالت في مجريات العملية السلمية رغم هذه التحديات».

إلى ذلك أكدت 3 مجموعات محلية تمثل 327 منظمة مجتمع مدني، شاركت في مراقبة الانتخابات بنحو 4200 مراقب، في توصيات ستعلنها اليوم في مؤتمر صحافي، أن الانتخابات السودانية لم تكن شفافة ويشوبها قصور فادح، ولا تعبر عن إرادة الشعب السوداني، محملة مفوضية الانتخابات كامل المسؤولية عن الفشل وطالبت بحلها.

وقالت هذه المجموعات في توصياتها التي ستكشفها اليوم إن أي حكومة تشكل بالاعتماد على نتائج هذه الانتخابات، هي «حكومة أزمة»، ولن تسهم في حل مشكلات السودان. وطالبت المجموعات الثلاث، وهي تضم 120 منظمة مجتمع مدني، والمنتدى المدني القومي، وتضم 106 منظمة، والعدالة الأفريقية، بحل المفوضية القومية للانتخابات ومراجعة الأخطاء المهنية والإدارية والمالية التي ارتكبتها من قبل لجنة تحقيق مستقلة، يشارك في عناصرها خبراء دوليون، باعتبار أن الأموال التي استخدمتها المفوضية ليست أموال الشعب السوداني وحده، بل أموال دولية أيضا.

وقال الباقر عفيف مدير منظمة «تمام»، لـ«الشرق الأوسط»، بأن المجموعات الثلاث، التي شاركت بنحو 4200 مراقب في الانتخابات، ستعلن توصياتها اليوم في مؤتمر صحافي. وقال إن كل التقارير الواردة إليهم من 4200 مراقب من 15 ولاية، أكدت «وجود أوجه قصور فادحة لا تدل على انها ناتجة عن عمل غير مقصود». وأضاف: «كل الفشل الحاصل يعود سببه إلى المفوضية القومية للانتخابات»، ووصفها بأنها فاشلة من الناحية المهنية والأخلاقية لأنها لم تكن محايدة، أو مستقلة. وأوضح: «المفوضية رفضت كل المقترحات التي قدمت إليها من القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني، في حين قبلت أي رغبة أو مقترح من قبل المؤتمر الوطني».

وعدّد عفيف المخالفات التي وقعت فيها المفوضية، ومن بينها «انتهاك قانون الانتخابات حول تسجيل القوات النظامية في إمكان عملها، في حين ينص القانون على ضرورة أن يكون التسجيل في أماكن السكن، كما أنها التزمت بالقانون في مادة رفضتها كل الأحزاب المعارضة، وكانت قد وافقت على تجاوزها في البداية، وهي اعتماد شهادات السكن التي تصدرها اللجان الشعبية في الأحياء (تابعة للمؤتمر الوطني) والتي لا تحتوي على صورة لحامل الشهادة، كواحدة من أساليب إثبات الشخصية».

وزاد عفيف أن المفوضية استخدمت حبرا يسهل إزالته، مشيرا إلى أن كل التقارير التي جاءتهم من مختلف أنحاء السودان تؤكد أن الحبر الذي استخدم في العملية الانتخابية يمكن إزالته بغسل اليد بالماء العادي، أو استخدام مادة كيميائية بسيطة التركيب تستخدم لإزالة الطلاء. وقال إن عددا كبيرا من الناخبين قد يصل إلى 90% أدلوا بأصواتهم بواسطة شهادات اللجان الشعبية.

وقال إن الخطأ الأكبر هو أن السجل الانتخابي الذي تمت بموجبه الانتخابات يختلف عن الذي تسلمته الأحزاب السياسية. وقال إن السجل الذي يحوي أسماء أكثر من 16 مليون ناخب كان يحوي الأسماء دون العناوين. وأضاف: «هناك سجلان، الأول لدى المفوضية وصوت بموجبه الناخبون لا يحوي غير الاسم، وسجل آخر مع المؤتمر الوطني يحمل كل التفاصيل، ومنها الاسم والعنوان ورقم التليفون». وزاد: «نحن نعتقد أن ذلك لم يسقط سهوا، بل بشكل متعمد حتى لا تتم مراجعة أي أخطاء بعد الانتخابات». وأكد أن «أي سجل لا يحتوي على العنوان هو سجل يستحيل مراجعته». وبين أن كل الناخبين وعددهم 16 مليون، والذين أدلوا بأصواتهم لم يكن يعرف عناوينهم، «وهذا يفتح أبواب التزوير».

وقال إن التوصيات طالبت بتوافق بين الحزب الحاكم والمعارضة لتشكيل حكومة مصالحة قومية يرتضيها الجميع، تقوم بإدارة شؤون البلاد لبقية الفترة الانتقالية وحتى الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب مطلع 2011، وما بعده، تكون مهمتها أيضا العمل على إعداد تعداد سكاني جديد، وبشكل مستقل على الأقل في الشمال، في حالة انفصال الجنوب، وإعادة توزيع الدوائر، وكتابة سجل انتخابي بطريقة منهجية متفق عليها دوليا تحتوي على الاسم والعنوان والتليفون، وليس كما معمول به الآن.