انتخابات رئاسية في قبرص التركية تحدد مصير مفاوضات توحيد الجزيرة

حظوظ المرشح المتحفظ على المفاوضات تفوق أسهم المتحمس لها

TT

وسط تساؤلات حول مستقبل مفاوضات توحيد جزيرة قبرص المقسمة، تنطلق اليوم الانتخابات الرئاسية في جمهورية شمال قبرص. ويتنافس في السباق الرئيس المنتهية ولايته محمد علي طلعت، المتحمس لفكرة إعادة توحيد قبرص، ورئيس الوزراء درويش أروغلو المتحفظ إزاء عملية المفاوضات الجارية برعاية الأمم المتحدة.

ويثير الاقتراع القليل من الحماس في هذه الجمهورية الصغيرة غير المعترف بها دوليا، والمعزولة اقتصاديا وسياسيا. وجاب أروغلو، الذي يتقدم في استطلاعات الرأي، ومحمد علي طلعت خلال الفترة الماضية المناطق لتوضيح أفكارهما، وجرى آخر تجمعاتهما الانتخابية مساء أول من أمس في نيقوسيا، في مكانين لا تفصل بينهما سوى مئات الأمتار. وأكد طلعت الذي يأمل التعويض عن تأخره في استطلاعات الرأي، مبدأه وهو الانفتاح على العالم وعلى أوروبا، وهي عملية تمر عبر المصالحة. أما أروغلو، فأكد أنه لن يخرب المفاوضات مع الرئيس القبرصي ديمترس خريستوفياس.

ويرى خبراء في قبرص اليونانية أن فوز المحافظ درويش أروغلو قد يدق ناقوس الخطر بالنسبة إلى المفاوضات الجارية لإعادة توحيد الجزيرة المقسمة. واعتبر المحلل السياسي القبرصي اليوناني سوفرونيس سوفرونيو أن «هذه الانتخابات أهم بكثير بالنسبة إلى الجنوب من سابقاتها، لأن المحادثات الحالية هي الأكثر جدية منذ سنوات كثيرة من أجل إيجاد حل» لتقسيم قبرص. وقال لوكالة الصحافة الفرنسية: «أشك في أن يكون أحد في الجنوب يفضل أروغلو وآراءه المتطرفة. إنه مخالف للصواب كليا في ما يتعلق بالمشكلة القبرصية والجوهر.. إنه متمسك بالتقسيم». ويرى سوفرونيو أن فوز أروغلو قد يضع حدا لتسعة عشر شهرا من المفاوضات بين رئيس جمهورية شمال قبرص محمد علي طلعت، والرئيس القبرصي ديمترس خريستوفياس.

وأكد المرشح الرئاسي أروغلو أنه لن يترك طاولة المفاوضات لئلا يتهم بـ«التعنت». لكن سوفرونيو ذكر أن طلعت لم يحظ هو الآخر بدعم واضح من تركيا التي تتفاوض منذ 2005 بشأن دخولها إلى الاتحاد الأوروبي. ولا يوفر الرئيس المنتهية ولايته جهدا للتشديد على أهمية إعادة انتخابه بالنسبة إلى مستقبل تطلعات أنقرة.

كذلك أعلن الرئيس القبرصي خريستوفياس أنه غير مستعد «لاستئناف كل شيء منذ البداية» مع شريك جديد. وقال: «لن أفكر أبدا في العودة إلى نقطة الصفر. وعلى أي شخص يمكن أن يتقدم بهذا الطلب أن يكون مستعدا لدفع الثمن في أوروبا، وعلى الصعيد الدولي». ولم يخف خريستوفياس تفضيله لفوز طلعت، وإن كانت استطلاعات الرأي لا ترجح ذلك. غير أنه أكد استعداده للتفاوض مع الفائز في هذه الانتخابات أيا كان إذا استؤنفت من النقطة التي توقفت عندها.

وتعرض خريستوفياس أيضا لانتقاد لدعمه مرشحا لانتخابات «غير شرعية». واعتبر الحزب الاشتراكي (إيديك) أن هذا الدعم ليس من شأنه سوى إعطاء غطاء لنظام احتلال ينتهك قرارات الأمم المتحدة. وقد انسحب هذا الحزب مؤخرا من الائتلاف الحكومي، منددا «بالتسويات التي وافق عليها الرئيس القبرصي خلال المفاوضات».

ورأى هوبيرت فوستمان، الأستاذ المساعد للعلوم السياسية في جامعة نيقوسيا، أن انتخاب درويش أروغلو قد يفيد في الواقع معارضي إعادة التوحيد في الجنوب. وقال هذا الأكاديمي: «أعتقد أن غالبية القبارصة اليونانيين لا يريدون حلا.. وعلى كل حال ليس في إطارها الحالي». وأوضح: «فوز أروغلو سيعطيهم الغلبة المعنوية، لأن وصول نصير للخط المتشدد يعطي صورة جيدة عن فريقكم إن جاءت نتيجة (المحادثات) سلبية». واعتبر فوستمان أيضا أن كل فريق «يدرك تماما» أنه يجب أن لا يتحمل مسؤولية فشل المفاوضات. وقد رفض القبارصة اليونانيون في 2004 عبر استفتاء خطة لإعادة توحيد الجزيرة، أعدتها الأمم المتحدة ووافق عليها القبارصة الأتراك. وأعاد خريستوفياس الذي انتخب في فبراير (شباط) 2008، إطلاق المفاوضات في سبتمبر (أيلول) الماضي. لكن بعد 19 شهرا لم يسجل سوى القليل من التقدم على الرغم من دعم الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، الذي قام بزيارة إلى الجزيرة في فبراير الماضي.

وتلقى هذه الانتخابات اهتماما أوروبيا ملحوظا، في ظل حرص الاتحاد الأوروبي على تشكيل لجنة متابعة وتقديم مساعدة للمفاوضات بين الشمال والجنوب، ويرأس اللجنة رئيس المفوضية الأوروبية مانويل باروسو، مما يعكس مدى الاهتمام من التكتل الموحد بمستقبل الجزيرة القبرصية المقسمة. ويرغب الكثير من القبارصة الأتراك في أن تسهم هذه الانتخابات في انفتاحهم على العالم. وعبر التاجر زهني كلماظ عن تفاؤله إزاء فرص التوصل إلى اتفاق مصالحة بين المجموعتين التركية واليونانية. وقال لوكالة الصحافة الفرنسية: «سأصوت لطلعت، لكن على جميع القبارصة الأتراك أن يصروا على مواصلة حوار السلام والانفتاح على العالم». وأمام محله لبيع الأحذية في شارع لوكماجي (ليدرا التسمية في الجهة اليونانية)، في نيقوسيا، إحدى نقاط العبور الست بين القطاعين التركي في الشمال واليوناني في الجنوب، عاش هذا الرجل السنوات الحالكة التي شهدت الصدامات بين المجموعتين قبل التدخل التركي في 1974 الذي كرس تقسيم قبرص. وأوضح هذا العضو السابق في «تي إم تي»، الميليشيا المسلحة القبرصية التركية: «رأيت كل شيء وعانينا كثيرا، لكن على الرغم من كل هذا أتطلع إلى إعادة التوحيد، لكي تتمكن جماعتي من الاندماج مع بقية العالم».

أما مصطفى يوكسيكباس، 43 عاما، وهو صاحب محل للمجوهرات في الحي نفسه، فأشار إلى أن «السياسة الحالية يفترض أن لا تتغير، لأن تركيا تريد مواصلة المفاوضات». إلى ذلك قال محمد الذي يناهز السبعين من العمر: «إني متأكد أن أروغلو سيفوز. سأصوت له لأنه سيمثل مصالحنا بشكل أقوى» في المحادثات، مضيفا: «إن الأتراك لن يصبحوا أبدا خدما لليونانيين». وقد أعلنت أنقرة في 1983 «جمهورية شمال قبرص التركية» على الأراضي التي ضمتها تركيا في 1974 إثر انقلاب قام به قبارصة يونانيون قوميون بهدف إلحاق الجزيرة باليونان.