بريطانيا تكتشف باراك أوباما الخاص بها والمناظرة تقلب مقاييس السباق الانتخابي

تراجع حزب العمال إلى المرتبة الثالثة ومخاوف بين المحافظين من تقدم الليبراليين الديمقراطيين

TT

يبدو أن البريطانيين اكتشفوا باراك أوباما الخاص بهم، فالموجة التي أحدثها قبل يومين أصغر زعيم حزب في بريطانيا، نيك كليغ، خلال المناظرة التي جمعته بزعيمي أكبر حزبين في البلاد، لم تتكسر بعد، بل على العكس، راحت تكبر. وبدأت نتائج أداء كليغ المميز في تلك المناظرة، تخيف خصميه الرئيسيين، خصوصا مع ظهور استطلاعات للرأي، أمس، تشير إلى تقدم حزبه، الليبراليين الديمقراطيين، على حزب العمال الذي لم يُدفع إلى المرتبة الثالثة على الصعيد الوطني منذ عام 1983.

ودفع ذلك بالبعض في حزب الليبراليين الديمقراطيين الذي يرأسه كليغ، 43 عاما، إلى تشبيه زعيمهم بالرئيس الأميركي باراك أوباما. وربط بوب بار، عضو المجلس البلدي في وارينغتون، كليغ بأوباما، الذي كان غير معروف على المستوى الوطني عندما بدأ خوض حملة الانتخابات الرئاسية، إلا أن نجمه بدأ يسطع بسرعة. وقال مقتبسا جملة من حملة أوباما: «إنه تغيير يمكن أن نؤمن به». إلا أن كليغ كان سريعا برفض التشبيه ومحاولة تهدئة مؤيديه، وقال: «هذا التشبيه سخيف.. كانت (المناظرة) لحظة مهمة، ولكنها فقط البداية».

وكانت الصحف البريطانية والمعلقون السياسيون، قد أجمعوا أول من أمس، استنادا إلى استطلاعات الرأي، أن كليغ كان هو الفائز في المناظرة التي جمعته بزعيمي الحزبين الرئيسيين في البلاد، زعيم حزب العمال الحاكم غوردن براون، وزعيم حزب المحافظين دايفيد كاميرون. وستجرى الانتخابات في 6 مايو (أيار) المقبل، إلا أن الزعماء الثلاثة سيلتقون مرتين في مناظرين أخريين قبل ذلك، وقد يتغير حظ كليغ بعد ذلك بحسب أدائه.

ولكن حتى ذلك الحين، يستفيد كليغ من النجاح الذي حققه في أول مناظرة تجرى في البلاد، التي تعرف فيها أيضا الناخبون على نجم جديد لهم. وفي استطلاع للرأي أمس، نشرته صحيفة «صن» وأجراه معهد «يو غوف بول»، تبين أن حزب كليغ الذي كان لا يزال حتى قبل يومين، الحزب الثالث الهامشي في البلاد، قد تقدم إلى المرتبة الثانية. وحصل الحزب بحسب الاستطلاع على 30 في المائة من نيات الناخبين، ودفع بحزب العمال إلى المرتبة الثالثة مع حصوله على 28 في المائة من نيات الناخبين. وحافظ حزب المحافظين على الطليعة مع 33 في المائة من نيات الناخبين.

ولم يدفع حزب العمال إلى المرتبة الثالثة على الصعيد الوطني منذ عام 1983، عندما كان لا يزال حزبا يساريا متطرفا. حينها تقدم عليه أيضا ائتلاف وسطي ولد حزب الليبراليين الديمقراطيين على أنقاضه، بسبب يأس الناخبين من حزب المحافظين الحاكم بزعامة مارغريت ثاتشر بسبب سوء الوضع الاقتصادي. إلا أن هذا التقدم كان مؤقتا، إذ إن ثاتشر عادت وكسبت ثقة الناخبين بعد دخولها في حرب مع الأرجنتين بسبب خلاف على جزر الفولكلاند. وكتبت صحيفة «تيليغراف» أمس أنه إذا ترجمت نتائج استطلاعات صحيفة «صن» عمليا، فإنها ستكون كارثية على حزب المحافظين، بسبب النظام الانتخابي كثير التعقيد. وقالت إن الاستطلاعات ستؤدي إلى برلمان معلق، مع إفراز أكبر كتلة لحزب العمال الذي سيحصل على 276 نائبا، مقابل 246 نائبا لحزب المحافظين و99 نائبا لحزب الليبراليين الديمقراطيين. وكتبت الصحيفة أن هكذا نتيجة ستدفع بكليغ الذي سيلعب دور «صانع الملوك»، إلى الضغط بشكل كبير لإجراء تغييرات في النظام الانتخابي الذي يراه غير عادل.

ويبدو أن تقدم الليبراليين الديمقراطيين بعد المناظرة، بدأ يثير مخاوف حزبي العمال والمحافظين، اللذين كانا يظنان أن السباق سيكون بينهما فقط، وليس مع حزب ثالث لطالما اعتبر هامشيا في الحياة السياسية. ولكن على الرغم من ذلك، فإن رد فعل الحزبين اختلف: فبينما حاول «العمال» استمالة كليغ وكسب وده بأمل إقناعه بتشكيل حلف معه في الحكومة الجديدة في حال فشل أي من الأحزاب بالفوز بأغلبية المقاعد، اعتمد «المحافظون» طريقة الهجوم وتخويف الناخبين.

وحذر كاميرون، أمس، من برلمان معلق، وقال إن نتيجة هكذا ستضع حدا للتغيير الذي ينادي به. وقال وهو يتحدث إلى مجموعة من الناشطين في غلوستير، في غرب البلاد، إن محاربة الدين العام و«تنظيف» السياسة، في حاجة إلى تصرف سريع. وأضاف: «برلمان معلق سيكون عبارة عن مجموعة من السياسيين يساومون، ولا يأخذون القرارات».

ولكن في المقابل، حاول حزب العمال أن يخفف من المخاوف التي يبثها المحافظون حول البرلمان المعلق. وقال وزير الداخلية آلن جونسون، إن حزبه وحزب كليغ لديهما الكثير من السياسات المشتركة، وإخافة الناخبين من برلمان معلق أمر سخيف. وقال في مقابلة مع صحيفة «تايمز»: «علينا أن نقتل الجدل بأن حكومة ائتلافية هي أمر خطير». وتحدثت الصحف البريطانية عن انقسام داخل حزب المحافظين حول الطريقة التي يجب اعتمادها لرد الهجوم على كليغ، فمنهم من ينصح كاميرون بطرح أفكار متشددة خصوصا حول الهجرة، وهي سياسة قد تنعكس على الحزب سلبا. وقالت صحيفة «إندبندنت» إن برنامج حزب كليغ الانتخابي سيبدأ بالخضوع لتدقيق مكثف من المحافظين ووسائل الإعلام اليمينية لإيجاد فجوات فيه. وكتب أندرو غرايس في صحيفة «إندبندنت»: «على الرغم من أنهم يظهرون بمظهر المسترخي، فإن المحافظين في السر يشعرون بخيبة أمل كبيرة، لأن (قصة) الحملة الانتخابية ليست مسيرة كاميرون التي لا يمكن وقفها نحو السلطة». أما حزب العمال، كتب غرايس: «فهو يأمل أن عربة كليغ ستخفف من تقدم كاميرون، من دون أن تتفوق على براون في طريقها».