تهديدات تطال القاضي غولدستون في جنوب أفريقيا

قرر عدم حضور حفل بلوغ حفيده سن التكليف اليهودي خشية اضطرابات

TT

على مدار الأيام القليلة الماضية، شغل الكثير من يهود جنوب أفريقيا أنفسهم بالسؤال التالي: هل يمكن لمتظاهرين منع جد من حضور حفل «بار ميتسفا» لحفيده؟ و«بار ميتسفا» هو حفل يهودي ديني يقام عند بلوغ الشاب اليهودي 13 عاما من عمره، أي عندما يصير مكلفا بأداء فرائض الدين اليهودي.

الجد هو ريتشارد غولدستون، أحد القضاة الأكثر شهرة في البلاد، ورئيس لجنة التحقيق في الأمم المتحدة، والذي قال إنه عثر على أدلة على وقوع جرائم حرب أثناء اجتياح إسرائيل لقطاع غزة. والكثير من أبناء بلاده لا يوافقون على النتائج التي توصل إليها، حيث إنهم يدعونه الخائن الذي باع إخوانه اليهود.

والشهر المقبل، سيحتفل حفيد القاضي غولدستون بحفل «بار ميتسفا» الخاص به في بيت هامدراش هاغدول، وهو معبد أرثوذكسي في ساندتون، إحدى ضواحي جوهانسبرغ. وعادة، يمثل هذا الحفل حدثا سارا، يدل على دخول هذا الصبي مرحلة البلوغ.

لكن القادة اليهود في جوهانسبرغ بدأوا يتحدثون في الفترة الأخيرة بصورة خفية بين أنفسهم حول اضطرابات تهدد الاحتفال. وانتقلت هذه المخاوف إلى المعبد، كما انتقل قلق قيادة المعبد إلى الأسرة لاحقا. وفي رسالة بريد إلكتروني أول من أمس الجمعة، قال القاضي غولدستون، الأستاذ الزائر في مركز القانون بجامعة جورج تاون «نظرا للتهديد بتنظيم احتجاجات في حفل بار ميتسفا لحفيدي، فقد وافقت في مناقشات مع قادة معبد ساندتون على أن من مصلحة حفيدي ألا أحضر هذه الشعيرة الدينية».

ويكتنف مصدر هذه التهديدات حالة من الغموض، حيث إن الخبر نشر في بادئ الأمر في «التقرير اليهودي لجنوب أفريقيا». ولم يتحمل أي من الذين ذكرت أسماؤهم في المقال مسؤولية هذه التهديدات أو أشار بأصابع الاتهام إلى أي جهة.

وكان «الاتحاد الصهيوني في جنوب أفريقيا» من أشد المنتقدين لتقرير غولدستون حول الحرب في غزة. وأول من أمس الجمعة، قالت مونيين كاسل، رئيسة مجلس كيب الغربي بالمنظمة، إن الغضب المنصب على القاضي غولدستون كبير للغاية، إلى درجة أنه «ستنتج عنه سلسة أكيدة من الاحتجاجات» في يوم الاحتفال.

وإذا حدث ذلك، فقد يأتي المتظاهرون من داخل المعبد نفسه. وسيجد آخرون أنه يمكن الوصول إلى هذا المبنى الأبيض الكبير فقط من خلال شارع ضيق واحد، وسيسمح حرس الأمن الخاص للمصلين بالدخول من خلال مسار متعرج من البوابات الحديدية الصفراء.

لكن بغض النظر عن مصدر التهديدات، فمن الواضح أنه جرى اتخاذها بمحمل الجد إلى حد بعيد. وأكد الكثير من قادة اليهود يوم الجمعة أن القرار في النهاية يرجع إلى الأسرة، وهو ما يعني أنه لا أحد منع القاضي في الواقع من حضور هذا الحدث السعيد.

وقال وارين غولدشتاين، كبير حاخامات جنوب أفريقيا، إنه اشترك في المناقشات بشأن احتمال حدوث اضطرابات خلال الاحتفال. وكتب غولدشتاين، أحد أشد المنتقدين لتقرير غولدستون، قائلا إن الأمم المتحدة تتبنى «أجندة معادية لإسرائيل»، وإن التحقيق كان «مجرد غطاء لاستراتيجية سياسية لنزع الشرعية عن إسرائيل».

بيد أنه أصدر يوم الجمعة بيانا قال فيه إنه، شأنه شأن معظم المشاركين، يعتقد أن القاضي ينبغي السماح له بحضور هذا الاحتفال. وأضاف «إنها ببساطة مسألة آداب وشفقة لعدم إفساد الفرحة بهذا الاحتفال على الصبي».

وتقاعد القاضي غولدستون (71 عاما) عن العمل. وبعد نهاية سياسة التمييز العنصري، خدم في المحكمة العليا في جنوب أفريقيا حتى عام 2003، كما أنه كان كبير المدعين في محاكمات الأمم المتحدة بشأن جرائم الحرب في رواندا ويوغوسلافيا السابقة.

وفي بداية عام 2009، اختاره مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة لقيادة التحقيقات حول احتمال وقوع انتهاكات للقانون الدولي أثناء الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة والتي استمرت ثلاثة أسابيع في نهاية عام 2008 وبداية عام 2009. وقال إنه «شعر بالصدمة» كيهودي لاختياره لهذه المهمة.

وخلص تقرير غولدستون، الذي صدر أواخر شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، إلى أنه وفقا للأدلة المتاحة ارتكبت كل من إسرائيل وحماس أفعالا ترقى إلى جرائم حرب. لكن النتائج ركزت بصورة رئيسية على الإسرائيليين. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فيما بعد «إننا نواجه ثلاثة تحديات استراتيجية رئيسية، وهي: البرنامج النووي الإيراني، والصواريخ الموجهة على المدنيين لدينا، وغولدستون».

وفي جنوب أفريقيا، مسقط رأس القاضي غولدستون، نظر إليه الكثير من اليهود على نحو مفاجئ على أنه زنديق. وجرى اتهامه بالتفكير الخاطئ، وبأنه عميل. كما اتهم بأنه يمثل النوع الأسوأ من اليهودي المعادي للسامية والكاره للذات.

لكن هل يبرر ذلك منعه من حضور حفل بار ميتسفا؟. قال جورج بيزوس، المحامي الشهير وصديق غولدستون «أود أن أتحدث باعتباري جدا. لقد صدمت من أنه سيجري الضغط على الجد لعدم حضور احتفال مهم في حياة حفيده. يجب على أولئك الذين يمارسون هذه الضغوط أن يشعروا بالخجل والذنب».

وقال القاضي آرثر تشاسكالسون، الذي خدم مع القاضي غولدستون في المحكمة الدستورية في جنوب أفريقيا، إن هذه التهديدات «تكشف عن مستوى من التعصب والتشدد يرمي إلى القضاء على أي تنوع للآراء». وقال إنه يأمل أن يعيد صديقه النظر في قراره، ويحضر الحفل بأي طريقة.

(شارك في هذا التقرير ديف مايرز)

* خدمة «نيويورك تايمز»