مذكرة سرية لغيتس تحذر أوباما من الافتقاد لاستراتيجية فعالة تجاه برنامج إيران النووي

مسؤول بارز: لدينا خط أحمر هو ضمان عدم وصول طهران لمرحلة القدرات النووية وإمكانية «الهرب»

جنديان ايرانيان في عرض خلال الاحتفال بيوم الجيش في طهران أمس (أ.ب)
TT

حذر روبرت غيتس، وزير الدفاع الأميركي في مذكرة سرية من ثلاث صفحات قدمها إلى كبار المسؤولين في البيت الأبيض من أن الولايات المتحدة ليست لديها خطة فعالة طويلة المدى للتعامل مع تقدم إيران المضطرد لامتلاك قدرات نووية، وفقا لمسؤولين اطلعوا على تلك المذكرة.

وقال عدد من المسؤولين إن تلك المذكرة السرية التي تم إعدادها في يناير (كانون الثاني) وتقديمها للجنرال جيمس جونز، مستشار الرئيس باراك أوباما للأمن القومي، جاءت في ظل المساعي المحمومة داخل البنتاغون والبيت الأبيض والوكالات الاستخباراتية لوضع خيارات جديدة أمام أوباما.

وتتضمن تلك الخيارات الجديدة مجموعة من البدائل العسكرية، ما زالت قيد الدراسة، وذلك إذا فشلت الجهود الدبلوماسية والعقوبات في إجبار إيران على العدول عن نهجها الحالي.

وقد تحدث المسؤولون المطلعون على محتوى المذكرة حول الأجزاء التي تتعلق بالاستراتيجية والسياسات العامة، بينما رفضوا التحدث حول الفقرات التي تتعلق بالعمليات السرية التي يمكن اتخاذها ضد إيران أو كيفية التعامل مع حلفائها في الخليج العربي.

فقد وصف أحد المسؤولين البارزين، الذي تحدث كذلك شريطة عدم الإفصاح عن هويته نظرا لحساسية القضية، المذكرة بأنها «نداء تحذير». ولكن المسؤولين في البيت الأبيض أبدوا تشككهم في ذلك، وأكدوا أنهم كانوا طوال الخمسة عشر شهرا الماضية يعملون على وضع خطط تفصيلية للتعامل مع كثير من النتائج المحتملة في ما يتعلق ببرنامج إيران النووي.

وفي لقاء أجري معه، رفض الجنرال جونز التعليق على المذكرة، ولكنه قال: «في ما يتعلق بإيران، فإننا نقوم بما قلنا إننا سوف نفعله. فليس معنى أننا لم نعلن عن كامل استراتيجيتنا أمام العالم، أننا ليست لدينا استراتيجية يمكنها التعامل مع الاحتمالات كافة». وأضاف مؤكدا: «لدينا استراتيجية بالفعل».

من جهة أخرى، أعرب غيتس في المذكرة عن عدد من المخاوف التي تشتمل غياب الاستراتيجية الفعالة إذا ما اختارت إيران النهج الذي يعتقد كثير من الدول والمراقبين من الخارج أنها سوف تقدم عليه؛ وهو أن توفر إيران الأجزاء الرئيسية كافة للسلاح النووي - الوقود والتصميمات وأجهزة التفجير - وتتوقف عن إنتاج سلاح نووي عامل.

وفي هذه الحالة، فمن المحتمل أن تظل إيران إحدى الدول الموقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي على الرغم من أنها سوف تصبح، كما يقول الاستراتيجيون، دولة نووية افتراضية (تملك تجهيزات وإمكانية تصنيع السلاح النووي من دون إنتاجه).

ووفقا لعدد من المسؤولين، تدعو تلك المذكرة الولايات المتحدة للتفكير بطريقة مختلفة في كيفية تحجيم قوة إيران إذا ما قررت إنتاج سلاح نووي، وكيفية تعاملها مع احتمالية أن يصل السلاح النووي أو الوقود النووي إلى أيادي إحدى الجماعات الإرهابية التي تساندها إيران، وهو الاحتمال الذي يعتقد المسؤولون أنه مستبعد. ولم يتحدث غيتس أبدا عن تلك المذكرة علانية. كما رفض جيف موريل، المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع، أن يتحدث حول تفاصيل المذكرة ولكنه أصدر تصريحا قال فيه: «يعتقد غيتس أن الرئيس وفريقه للأمن القومي يقضون كثيرا من الوقت، ويبذلون مزيدا من الجهد للتفكير والاستعداد للاحتمالات كافة في ما يتعلق بإيران».

وفي تعليقه على التصريحات الغامضة التي تصدر عن الإدارة الأميركية حتى الآن حول المدى الذي يمكن أن تسمح فيه الإدارة لبرنامج إيران (النووي) بالتطور، قال أحد المسؤولين البارزين في الإدارة الأميركية بعبارة واضحة إن هناك خطا أحمر لا يسمح لإيران بتجاوزه.

وقال المسؤول إن الولايات المتحدة تحرص على أن لا تمتلك إيران «قدرات نووية»، وهي الخطوة التي يمكن أن تصل إليها طهران قبل أن تتمكن من تطوير سلاح متطور. وهذا يشتمل القدرة على «الهرب». وهو المصطلح الذي يستخدمه الاختصاصيون في الأسلحة النووية في وصف الدولة التي تعلن فجأة عن خروجها من معاهدة حظر الانتشار النووي والاستعانة بالتكنولوجيا التي تمتلكها لبناء ترسانة نووية صغيرة.

وقبل ما يقرب من أسبوعين، سئل أوباما في حوار أجرته معه «نيويورك تايمز» حول ما إذا كان يرى فارقا بين إيران ذات القدرات النووية، وبين إيران التي تمتلك أسلحة نووية، أجاب قائلا: «لن أتحدث حول ذلك الآن». ولكنه ذكر أن كوريا الشمالية كانت تعد دولة ذات «قدرات نووية» حتى طردت المفتشين. وأضاف: «وأصبحت دولة نووية».

وقد طرح غيتس في مذكرته مخاوف من أن لا تلحظ الهيئات الاستخباراتية الإشارات التي تدل على أن إيران تتخذ الخطوات النهائية صوب إنتاج سلاح نووي. كما قال في حوار له مع برنامج «قابل الصحافة» الذي تذيعه قناة «إن بي سي»: «كيف يمكن التأكد من أنهم لا يعملون على تجميع سلاح نووي؟ في الحقيقة لا أعرف كيف يمكن التأكد من ذلك». ولكنه أكد، من جهة أخرى، أن إيران تواجه صعوبات في الإنتاج. مضيفا: «لقد أصبح الأمر بطيئا، أو أبطأ من توقعاتهم، ولكنهم يتحركون في ذلك الاتجاه». وكان لغيتس دور حيوي في تشكيل استراتيجية الإدارة، كما كان يشتهر بإصداره لتحذيرات قوية ضد احتمالية مجابهة مفاجآت استراتيجية. ويقول بعض المسؤولين إن مذكرته يجب قراءتها في ظل ذلك؛ أي أن يتم التعامل معها كتحذير للرئيس الجديد نسبيا من أن الولايات المتحدة ليست مستعدة على النحو الكافي. وقد كتب غيتس تلك المذكرة بعدما تجاوزت إيران الميعاد الذي حدده أوباما في 2009 لكي تعلن إيران فيه عن رد فعلها في ما يتعلق بجهود أوباما للمقاربة الدبلوماسية.

وقد واجهت هذه العملية أو مساعي فرض عقوبات جديدة على إيران صعوبات قوية. وكان المسؤولون في الإدارة يتمنون أن يحشد إعلان أوباما في سبتمبر (أيلول) عن بناء إيران لمفاعل لتخصيب اليورانيوم في جبل يقع على مقربة من «قم» الدول الأخرى ضد إيران ولكن رد الفعل كان صامتا. ثم انقضت الأشهر الثلاثة اللاحقة في ما اتضح أنه مباحثات دبلوماسية لم تسفر عن شيء بشأن مبادلة إيران اليورانيوم منخفض التخصيب مع الوقود اللازم للمفاعل الطبي في طهران. وفي الوقت الذي كتب فيه غيتس المذكرة، كانت تلك المفاوضات قد انهارت.

ومن الواضح أن مذكرة غيتس تعكس المخاوف داخل البنتاغون والجيش بأن البيت الأبيض ليست لديه سلسلة من البدائل جيدة الإعداد في حال فشلت الجهود الدبلوماسية. من جهة أخرى، فإن الرسالة الإرشادية التي كتبها الأدميرال مايك مولين، رئيس هيئة الأركان، إلى مرؤوسيه في ديسمبر (كانون الأول) الماضي تعكس أهمية وضع خطة تتعامل مع الاحتمالات كافة. وعلى الرغم من أنه حذر من أن الهجمات العسكرية ستكون لها «نتائج محدودة»، فإنه لم يصدر أي تحذيرات في ما يتعلق بالافتقار إلى استراتيجية للتعامل مع الاحتمالات الأخرى. وكتب الأدميرال: «إذا ما تحدث الرئيس حول الخيارات العسكرية فيجب أن نكون جاهزين».

من جهة أخرى، أوضح المسؤولون في الإدارة في لجنة استماع بمجلس الشيوخ خلال الأسبوع الماضي أنهم يعملون حاليا على إعداد استراتيجية للتعامل مع الاحتمالات المختلفة كافة. كذلك الجنرال جونز؛ الذي قال في أحد الحوارات التي أجريت معه: «لقد أوضح الرئيس منذ بداية توليه لمنصبه أننا يجب أن نكون مستعدين للتعامل مع الاحتمالات كافة. وذلك هو ما كنا نفعله منذ اليوم الأول بالتزامن مع بناء تحالف من الدول لعزل إيران والضغط عليها لكي تفي بالتزاماتها».

وفي الجلسة نفسها أمام لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ، قال الجنرال رونالد برغيس، مدير وكالة الاستخبارات الدفاعية، والجنرال جيمس كارترايت، نائب رئيس هيئة الأركان، وأحد رجال الجيش ذوي الخبرة في الشؤون النووية إن إيران تستطيع إنتاج وقود نووي يكفي لتصنيع سلاح نووي واحد على الأقل في السنة ولكنها سوف تحتاج من عامين إلى أربعة لإنتاج قنبلة نووية فعالة. وكانت الإدارة تبذل جهودا حثيثة لتحجيم نفوذ إيران ومواجهة صواريخها بما في ذلك وضع بطاريات «باتريوت» مضادة للصواريخ في كثير من الدول المحيطة بالخليج العربي.

*خدمة «نيويورك تايمز»