حملة اعتقالات تتخللها عمليات تعذيب تثير مخاوف من عودة العنف الطائفي إلى العراق

سكان الرضوانية يشكون من تعرض عدد من أبنائهم للضرب والصعق الكهربائي

TT

كانت الكدمات والرضوض التي تغطى أظهر العشرات من الرجال المسلمين السنة في تلك القرية الصغيرة بالقرب من غرب بغداد هي الدليل، كما يقول الكثير من المواطنين، على سوء معاملة الجيش العراقي الذي ربما يعزز الشقاق الطائفي.

وذلك حيث قام الجنود العراقيون الذين ينتمي معظمهم إلى الشيعة والمكلفون بحماية المجتمع السني هنا بضرب بعض رجال القرية خلال الشهر الماضي، وفقا لأهل القرية. وذلك حيث قام الجنود بالتحقيق مع الرجال من السنة، واحدا إثر الآخر، وضربهم وصعقهم بالكهرباء خلال حملة اعتقالات قام بها الجنود إثر مقتل خمسة من زملائهم في إحدى نقاط التفتيش.

وتأتي أحداث العنف تلك في الوقت الذي يشهد فيه أداء واحترافية القوات الأمنية العراقية اختبارا حرجا. ففي ظل عملية تخفيض القوات الأميركية إلى 50 ألفا فقط التي سوف تتم في نهاية الصيف، بدأت القوات العراقية تتولى مسؤولية الأمن في الشوارع. ولكنهم قوبلوا بانعدام الثقة خاصة من قبل السنة، الذين ينظرون في بعض الأماكن إلى الجيش باعتباره أداة منحازة في يد الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة.

وفي الرضوانية، يقول زعماء القبائل السنية إن التعرض للضرب عزز من المخاوف بشأن الذي يمكن أن يحدث بعد رحيل القوات الأميركية. كما أعربوا عن مخاوفهم من أن يقعوا بين مطرقة المتمردين السنة الذين انقلبوا عليهم وسندان الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة والتي لا تحظى بثقتهم.

فيقول حامد عبيد الحمداني، أحد الزعماء القبليين في الرضوانية الذي قال إنه تحدث حول تلك القضية مع الجيش الأميركي وإنه تقدم بشكاوى لقوات الشرطة: «إن مثل تلك الأشياء يمكنها أن تقضي على الوضع الأمني بأسره». وذلك حيث إن تنظيم القاعدة كان منذ تلك الواقعة يحاول التواصل مع القبائل بشأن التعاون معهم وأضاف: «إننا نرى الانهيار يحوم في الأفق».

ومن جهة أخرى، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع العراقية وأحد المسؤولين بالجيش الأميركي، إن تلك الواقعة لم يتم التحقيق فيها وإنه لم ير أي أدلة على سوء المعاملة. وقال المتحدث الرسمي العراقي إنه ليس من الممكن إجراء تحقيق ما لم يتم التقدم بشكوى ضد الجنود في اللواء 23 بالفرقة 17، وذلك حيث يخشى الكثير من الأسر التقدم بشكاوى.

ومن جهة أخرى، قال الليوتينت كولونيل غريغوري سييرا قائد الكتيبة الثانية من فوج المشاة التي تقدم الاستشارات للفرقة العراقية، إن الجيش الأميركي لا يمكنه التعليق «على ما لم نره». ولكنه قال إن نظراءه العراقيين أكدوا له عدم حدوث وقائع تتعلق بإساءة المعاملة.

وعلى الرغم من أنه تم اعتقال 140 رجلا، فقد أطلق سراحهم عدا اثنين اعترفا بالتورط في مقتل الجنود، وفقا لسييرا. ولكن أهل القرية والزعماء القبليين الذين التقيناهم في المزارع الشاسعة بالرضوانية التي كانت قبل ذلك معقلا للتمرد السني، قدموا روايات مفصلة تعزز الأدلة المادية على الإصابات التي رحب بعض الرجال بكشفها لنا.

كما وصفوا تلك العملية بأنها رد فعل قوي وسريع من قبل قوات الشرطة التي يهيمن عليها الشيعة في أعقاب عملية قتل الجنود التي وقعت في الصباح الباكر من 24 مارس (آذار) عندما قام مسلحون باستخدام الأسلحة المزودة بكواتم للصوت بقتل خمسة جنود عراقيين على الأقل في إحدى نقاط التفتيش. وسرعان ما استهدف الجيش المجتمع السني نظرا لاعتقاده بأن زعماءه يأوون القتلة.

وقد تحدث معنا معظم أهل القرية شريطة عدم الإفصاح عن هويتهم؛ نظرا لمخاوفهم من التعرض للانتقام. وبعد مقتل الجنود بعدة ساعات، استهدفت القوات العراقية، فيما بدا وكأنه عملية انتقام، ثلاثة إخوة كانوا يركبون شاحنة مع اثنين آخرين على طريق يقطعونه في صباح كل يوم بالقرب من مزرعة عائلتهم.

ويقول الأقارب الذين شهدوا المواجهة عند نقطة تفتيش يمكن مشاهدتها من منزل عائلتهم، إن الجنود كانوا يجرونهم من الشاحنة ويضربونهم. ويقول بعض أفراد العائلة إنهم كانوا يستطيعون سماع بعض مقاطع من المناقشة، فقد صاح فيهم الجنود: «سوف نعتقلكم».

فقال الشباب: «ماذا فعلنا؟!».

ثم استطاعوا سماع صوت إطلاق النيران، فهرع بعدها الوالد إلى نقطة التفتيش وهو يصرخ: «لماذا تقتلون أبنائي؟!»، ولكن إطلاق النيران استمر. وكان صباح عودة مطلق (17 عاما) وأصغر الإخوة يحتضن الجثة الملطخة بالدماء لأحد أخويه وهو يكرر الشهادتين، وكانت ضلوعه انكسرت إثر الضرب.

وظل يكرر: «لا إله إلا الله، محمد رسول الله». ثم فارق كل من نسيم عودة مطلق (24 عاما) وغزوان عودة مطلق (20 عاما) الحياة، فقام والدهما بحمل الجثتين ووضعهما في السيارة، ثم اصطحب صباح إلى المستشفى.

وقد تم إغلاق المنطقة حتى الأسبوع التالي، حيث جاب الجنود المنطقة بحثا عن مسلحين. وفي ثلاث غارات، تم اعتقال مئات من الرجال واصطحابهم إلى قواعدهم العسكرية، وفقا لما قاله أهل القرية والزعماء القبليون. ثم، كما يقول أحد رجال القرية الذين تحدث نيابة عن 22 فردا من أسرته تم اعتقالهم في تلك الغارات، تعرض الرجال إلى الضرب والصدمات الكهربائية.

ولكي يثبت صحة روايته رفع طرف الدشداشة (الزي التقليدي للرجال هناك) لكي يرينا بشرته المدماة والكدمات الزرقاء.

وكان المحققون يسألونه أثناء الضرب: «من قتلهم، من قتل الجنود؟». وعندما أخبرهم بأنه لا يعرف، ألقوا به خارج غرفة الاستجواب وأحضروا آخر.

ومن جهته، يقول سييرا إن القادة العراقيين كانوا يحثون جنودهم على ألا يبالغوا في رد فعلهم وأن الجنود أظهروا بالفعل السلوك الملائم. وقال إنهم أخبروه بأن تلك الواقعة عند نقطة التفتيش جاءت في أعقاب مشاجرة اختطف على إثرها أحد الرجال بندقية الجندي. وأضاف سييرا: «إن الجنود قتلوا على يد الإرهابيين. وعندما تقع مثل تلك الحوادث، فإن أول شيء يجب أن نمتنع عنه هو المبالغة». وكانت القيادات العراقية «واضحة للغاية في الأوامر التي أصدرتها بشأن عدم المبالغة».

وفي غرفة المعيشة الخالية من الأثاث، التي كان يعيش فيها الأخوان بمنزل أسرتهم، اجتمع الأقارب للعزاء. ولم يأت سوى عدد قليل من رجال القرية للعزاء، نظرا، وفقا لأفراد الأسرة، لخوفهم من الجنود.

وفي الخارج، كان هناك بعض أفراد العائلة يراقبون القوات الأمنية وهي تقترب من المنطقة. وكانت أم الأخوين تجلس في غرفة أخرى، محزونة وعاجزة عن الكلام.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»