إدارة أوباما نجحت في التواصل بهدوء مع المسلمين داخل أميركا

اجتماعات علنية وسرية مع قياداتهم.. ونصائحهم أدت إلى تعديل قائمة مسافري الـ14 دولة

أوباما خلال افطار رمضاني في البيت الأبيض السنة الماضية (أ.ف.ب)
TT

عندما صعد الرئيس الأميركي باراك أوباما على المنصة في يونيو (حزيران) الماضي، وتعهد من القاهرة بعلاقة جديدة مع العالم الإسلامي، تساءل المسلمون داخل أميركا، بشيء من المزاح، عما إذا كان هذا الأمر يشملهم أيضا. وكان أوباما قد نأى بنفسه عنهم نوعا ما خلال الحملة الانتخابية، حيث لم يقُم بزيارة أي مسجد أميركي خلال الحملة، كما وصف ادعاءات أنه مسلم بأنها كاذبة، وذلك على موقعه الإلكتروني.

وبعد مرور عام تقريبا لم تطأ قدم أوباما ساحة أي مسجد أميركي حتى الآن، ولم يجتمع أيضا مع القيادات الإسلامية والعربية الأميركية، ومع ذلك فقد تواصلت إدارته مع هذه الفئة المعزولة سياسيا في إطار جهد موسع ومستمر جعل المتشككين يشعرون بالدهشة.

وشارك ناشطون أميركيون مسلمون وعرب في جلسات نقاش تتناول السياسات، وحصلوا على تقارير من مساعدين بارزين داخل البيت الأبيض ومسؤولين آخرين في ما يتعلق بتشريع الرعاية الصحية والسياسة الخارجية والاقتصاد والهجرة والأمن القومي، واجتمعوا سرا مع المستشارة البارزة في البيت الأبيض فاليري غاريت، ومع وزيرة الأمن الداخلي جانيت نابوليتانو، ومع وزير العدل إريك هولدر، من أجل مناقشة المخاوف المرتبطة بالحريات المدنية واستراتيجية مكافحة الإرهاب.

ومن الصعب قياس أثر هذا الحوار المتواصل، ولكنّ مسؤولين في البيت الأبيض قالوا إن الكثير من الإجراءات الحكومية الأخيرة تأثرت، جزئيا، بهذه النقاشات. وكان الاجتماع مع الوزيرة نابوليتانو من بين عوامل عدة ساهمت في قرار الحكومة الشهر الحالي إنهاء سياسة إخضاع المسافرين القادمين من 14 دولة، معظمها دول إسلامية، لعمليات فحص إضافية داخل المطارات، وذلك حسب ما ذكره المسؤولون.

واستبدلت بهذه التعليمات الاستثنائية، التي طبقت بعد محاولة تفجير طائرة في 25 ديسمبر (كانون الأول)، مجموعة جديدة من البروتوكولات التي تعتمد على معلومات استخباراتية يراها مسؤولون في مجال تطبيق القانون أكثر فعالية.

وخلال الشهر الجاري قام طارق رمضان، وهو أكاديمي مسلم بارز، بزيارة الولايات المتحدة للمرة الأولى خلال ستة أعوام بعدما ألغت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون قرارا يعود إلى إدارة جورج بوش بمنع رمضان من دخول الولايات المتحدة. كما يتاح حاليا لأستاذ جامعي مسلم مشهور يدعى آدم حبيب الذهاب إلى الولايات المتحدة بعد أن كان ممنوعا من القيام بذلك.

وتقول قيادات أميركية من العرب والمسلمين إنهم لم يروا حتى الآن تغيرات جوهرية في ما يتعلق بعدد من القضايا، ومن بينها ما قالوا إنه فحوصات مبالغ فيها داخل المطارات، بالإضافة إلى سياسات تمثل عقبة أمام التبرعات الخيرية من جانب المسلمين. ولكنهم يشعرون بالتشجيع على ضوء مدى تشاور البيت الأبيض وهيئات حكومية معهم.

ويقول جيمس زوغبي، رئيس المعهد الأميركي العربي داخل واشنطن: «للمرة الأولى خلال ثمانية أعوام تتاح لنا الفرصة كي نجتمع ونشارك في النقاش ونختلف، ولكن أصبح لدينا أثر على السياسات. ونشعر حاليا أننا جزء من هذه العملية وأن هناك من ينصت إلينا».

ومثّل الأميركيون العرب والمسلمون بعد حقبة التاسع من سبتمبر (أيلول) شيئا محيرا بالنسبة إلى الحكومة، حيث يُنظر إليهم على أنهم عائق سياسي، ولكنهم يعدون أيضا شريكا هاما في محاربة تهديد الإرهاب المحلي. وإبان فترة الرئيس جورج دبليو بوش كانت تجتمع قيادات هذه المجموعات مع ممثلين للحكومة من حين إلى آخر، ولكنهم قالوا إنه كان لديهم اتصال محدود مع المسؤولين البارزين. وعلى الرغم من أن أوباما لم يعقد حتى الآن اجتماعا عالي المستوى بالصورة التي يرغب فيها المسلمين، يوجد إجماع بين صانعي السياسات التابعين له على أن التواصل معه لم يعد أمرا اختياريا.

وعلى الرغم من التقليل بالمنحى الذي اتبعته الإدارة، فقد عقدت الكثير من الاجتماعات سرا، وأعلن عن اجتماعات أخرى بعد انعقادها. ولم تحظَ زيارة إلى جامعة نيويورك في فبراير (شباط) قام بها جون برنان، مستشار الرئيس أوباما في مجال مكافحة الإرهاب، بتغطية إخبارية كبيرة، ولكنها أحدثت ضجة بين المسلمين في مختلف الأنحاء. وخلال حديثه مع نشطاء وطلاب مسلمين وغيرهم اعترف برنان بالكثير من شكاواهم، ومن بينهما «المراقبة المبالغ فيها»، و«والأعداد الكبيرة المدرجة على قوائم الممنوعين من السفر جوا»، و«المناخ غير المساعد الذي يحيط بالكثير من المؤسسات الخيرية الإسلامية».

وقال برنان: «نواجه هذه التحديات معا كأميركيين». وقد عمل برنان مع مسؤولين آخرين على الفصل بين الإسلام والإرهاب في تعليقاتهم العلنية، مستخدمين عبارة «التطرف العنيف» بدلا من كلمات مثل «الجهاد» أو «الإرهاب الإسلامي». وعلى الرغم من أن تواصل الإدارة الأميركية مع الأميركيين العرب والمسلمين لم تسلط عليه الأضواء بدرجة كبيرة، فإنه لم يسلم من الانتقادات، حيث يشتكي عدد من محللي الأبحاث والمدونين وغيرهم من أن الحكومة تتواصل مع القيادات والمؤسسات الإسلامية التي لديها أجندات إسلامية أو علاقات ترتبط بتنظيمات متطرفة خارج البلاد.

ويشيرون إلى أن المستشارة غاريت ألقت كلمة افتتاحية في المؤتمر السنوي للجمعية الإسلامية لأميركا الشمالية، وقد وردت الجمعية ككيان متآمر مشارك لم تصدر بحقه لائحة اتهام في قضية فيدرالية ضد «مؤسسة الأرض المقدسة للإغاثة والتنمية»، وهي مؤسسة خيرية مقرها تكساس، أدين مسؤولون بها عام 2008 بتمرير أموال إلى حركة حماس. وتنكر الجمعية أن لها علاقة بالإرهاب.ويقول ستيفن إمرسون، وهو محلل متخصص في شؤون الإرهاب يقدم استشارات إلى مسؤولين بالحكومة: «أعتقد أن الحوار شيء جيد، ولكن يجب أن يكون مع المعتدلين حقا». ويعترض إمرسون وآخرون على التعيينات السياسية لمسلمين أميركيين كثر، ومن بينهم رشاد حسين.

في فبراير اختار الرئيس الأميركي حسين، وهو محامٍ بالبيت الأبيض يبلغ من العمر 31 عاما، ليكون مبعوثا أميركيا خاصا لدى منظمة المؤتمر الإسلامي. وكان الرئيس بوش هو من ابتكر هذا المنصب، وهو بمثابة سفير إلى الدول الإسلامية. وفي خطاب متلفز أكد أوباما على مكانة حسين كـ«عضو قريب مؤتمن في طاقم البيت الأبيض التابع لي»، وأنه «حافظ» للقرآن الكريم.

وخلال أيام من الإعلان ظهرت تقارير إخبارية عن تعليقات أدلى بها حسين في عام 2004 عندما كان طالبا في مدرسة القانون بجامعة ييل، أشار فيها إلى الكثير من عمليات الادعاء المحلية المرتبطة الإرهاب بأنها «لها دوافع سياسية». ومن بين القضايا التي انتقدها قضية سامي العريان، وهو أستاذ سابق في علوم الكومبيوتر داخل فلوريدا، أقر بأن قام بمساعدة أعضاء في تنظيم إرهابي فلسطيني.

وفي البداية قال البيت الأبيض إن حسين لا يتذكر أنه أدلى بهذه التعليقات، التي كانت قد أزيلت من نسخة على شبكة الإنترنت لمقال يعود إلى عام 2004 نشرته مجلة صغيرة داخل واشنطن. وعندما حصلت صحيفة «بوليتيكو» على تسجيل يتضمن التعليقات، اعترف حسين بانتقاد عمليات الادعاء، ولكنه قال إنه يرى أن المجلة اقتبست كلامه بصورة غير دقيقة، وهو ما دفعه إلى أن طلب من محرر المجلة رفع التعليقات. وفي 22 فبراير نشرت «واشنطن أكزامينر» مقالا افتتاحيا يحمل عنوان «أوباما يختار صوت الإسلام الراديكالي».

وكان القيادات الإسلامية تراقب بحرص بينما كانت القصة الإخبارية تنتقل إلى «فوكس نيوز». وقال الكثيرون في مقابلات أجريت معهم إنهم كانوا قد اعتادوا على الفحص الدقيق، ولكنهم مع ذلك شعروا بالدهشة. وفي عام 2008 شارك حسين في تأليف ورقة لمعهد «بروكينغز» يدعو فيها الحكومة إلى استخدام التعاليم الإسلامية السلمية من أجل محاربة الإرهاب.

وقال عضو مجلس النواب كيث إليسون، وهو ديمقراطي مسلم من ولاية مينيسوتا: «إن رشاد حسين نظيف تماما». وتساءل إليسون وآخرون عما إذا كانت الإدارة الأميركية ستتأثر بالضغوط، ولكنه شعر بالراحة عندما دافع المتحدث باسم البيت الأبيض روبرت غيبس عن حسين.

وقال انغريد ماتسون، رئيس الجمعية الإسلامية لأميركا الشمالية: «تعيين الرئيس والإدارة مسلمين في مناصب ووقوفهم إلى جانبهم عندما يتعرضون للهجوم هو أفضل ما نأمل».

وكان الوضع مختلفا تماما عندما كان أوباما يسعى للفوز بمنصب الرئيس، ففي يونيو 2008 منع متطوعون تابعون لحملة أوباما امرأتين مسلمتين ترتديان الحجاب من الظهور خلف أوباما في تجمع انتخابي في ديترويت، وأثار ذلك انتقادات واسعة النطاق. وسريعا قامت الحملة الانتخابية باستعمال مازن أصباحي، وهو محامٍ وناشط إسلامي مشهور عمره 36 عاما من شيكاغو، كي يكون مسؤولا عن التواصل مع الأميركيين العرب والمسلمين. وبدأ المدونون يبحثون عن ماضي أصباحي، وكان أصباحي قد مكث لوقت قصير في عام 2000 في مجلس إدارة صندوق استثماري إسلامي مع الشيخ جمال سعيد، وهو إمام من شيكاغو، ذكر اسمه بعد ذلك كمتآمر مشارك لم تصدر بحقه لائحة اتهام في قضية «مؤسسة الأرض المقدسة». وقال أصباحي خلال مقابلة أجريت معه إنه ترك المجلس بعد ثلاثة أسابيع لأنه لم يكن يريد أي علاقة مع الإمام.

ويقول أصباحي إنه بعد تعيينه في حملة أوباما الانتخابية بوقت قصير بدأ صحافي في «وول ستريت جورنال» يطرح تساؤلات حول علاقته بالإمام. وأضاف مستذكرا ما حدث أن مسؤولين في الحملة الانتخابية كانوا يخشون من أن تؤدي التغطية الإخبارية إلى إعطاء المنتقدين أسبابا تجعلهم يربطون بين الإمام وأوباما. ويقول إنه بناء على توصية منهم وافق أصباحي على الاستقالة من الحملة الانتخابية.

وبدا أوباما منذ اللحظة التي تولى فيها مهام منصبه تواقا إلى تغيير طبيعة علاقة الولايات المتحدة مع المسلمين في مختلف أنحاء العالم. وكانت أول مقابلة له مع قناة «العربية»، وهي قناة تلفزيونية عربية تتخذ من دبي مقرا لها. ورحب المسلمون بحظره استخدام التعذيب وتعهده بإغلاق معتقل غوانتانامو خلال عام من توليه مهام منصبه.

وفي كلمته التي ألقاها من القاهرة تناول تصوره عن «بداية جديدة» مع المسلمين، وقال إنه في الوقت الذي ستستمر فيه أميركا في محاربتها للإرهاب، لن يحدد الإرهاب المنحى الذي تتبعه أميركا إزاء المسلمين.

وإذا عدنا إلى الولايات المتحدة نجد أنه كانت لا تزال لدى القيادات الأميركية العربية والإسلامية شكوك. ولكن وصلتهم إشارة بعد أسابيع قليلة عندما انضم محمد ماجد، وهو إمام بارز من سترلينغ بولاية فيرجينيا، ورامي النشاشيبي، وهو ناشط إسلامي من شيكاغو، إلى الرئيس في اجتماع داخل البيت الأبيض عن الأبوة. وفي ذلك الشهر بدأ فيصل قاضي، عضو مجلس إدارة مؤسسة «مهنيو الصحة المسلمون الأميركيون»، اجتماعا مع مسؤولين في الإدارة لمناقشة إصلاح الرعاية الصحية. وكانت هذه الدعوات تهدف إلى توسيع علاقة الحكومة مع الأميركيين العرب والمسلمين إلى مجالات تتجاوز المجال الأمني، حسب ما قاله حسين، المبعوث الخاص للبيت الأبيض. وبدأ حسين يعطي استشارات للرئيس بخصوص قضايا ترتبط بالإسلام بعد أن انضم إلى مكتب مستشاري البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني). وساعد في صياغة كلمة أوباما التي ألقاها داخل القاهرة، وصحبه في تلك الرحلة. ويقول حسين: «يدرك الرئيس أنه لا يمكن التواصل مع ربع سكان العالم اعتمادا على معتقدات خاطئة تؤمن بها قلة متطرفة». وسارت مكاتب أخرى داخل الحكومة الأميركية خلف ما قام به البيت الأبيض. وفي أكتوبر (تشرين الأول) عقد وزير التجارة غاري لوك اجتماعا مع المسلمين والأميركيين العرب في ديربورن بولاية ميتشغان لمناقشة التحديات التي تواجه أصحاب المشروعات الصغيرة. وفي الخريف الماضي أدلت فرح بانديث القَسَم لتكون أول مبعوثة خاصة لوزارة الخارجية لدى المجتمعات المسلمة. وعلى الرغم من أن بانديث تعمل في الأغلب مع مسلمين في الخارج فإنها استشارت مسلمين أميركيين لأن كلينتون تعتقد أنه «يمكنهم إضافة قيمة خارج البلاد».

وعلى الرغم من ذلك فإن إجراءات أميركية في الخارج، ومن بينها مقتل مدنيين خلال هجمات تقوم بها طيارات من دون طيار داخل باكستان، وعدم إغلاق معتقل غوانتانامو، أثارت غضب الأميركيين العرب والمسلمين.

ومع أن دورهم في الإدارة الأميركية أصبح أكبر، فلا يزالون يشعرون بالقلق إزاء سياسات مرتبطة بالأمن. وفي يناير، عندما استضافت وزارة الأمن الداخلي اجتماعا على مدار يومين مع قيادات سيخية وجنوب آسيوية ومن الأميركيين العرب والمسلمين، أعربت المجموعة عن مخاوفها بسبب تعليمات إخضاع المسافرين القادمين من عدد من الدول الإسلامية لفحوصات إضافية.

وأشارت فرحانة خيرا، المديرة التنفيذية لدى مؤسسة «دعاة مسلمين»، إلى أن هذه السياسة ما كانت لترصد ريتشارد ريد الذي زرع متفجرات في حذائه وحاول تفجير طائرة، وهو بريطاني. وتذكر خيرا أنها قالت: «إن هذه السياسة ترسل إشارة إلى أن الحكومة سوف تعامل من يحملون جنسيات دول ضعيفة بصورة مختلفة عمن يحملون جنسيات دول قوية». وقالت نابوليتانو، التي اجتمعت مع هذه القيادات لأكثر من ساعة، إنها ملتزمة بعقد اجتماعات أخرى معهم. وقالت خيرا إنها تركت الاجتماع وهي تشعر بالتفاؤل. وتقول: «أعتقد أن رسالتنا بدأت تصل أخيرا».

*خدمة «نيويورك تايمز»