في المنطقة الحدودية بين باكستان وأفغانستان.. البعض ينضم إلى طالبان لتصفية حسابات قديمة

الثأر من عداوات قديمة واقتتال عائلي ودوافع شخصية تتجاوز مفردات الأصوليين

TT

يرقد يار دار خان، الزعيم القبلي الموالي للحكومة، في سريره، وإلى جواره سلاحه الكلاشنيكوف تأهبا لعودة ابن عمه، القائد المحلي في قوات طالبان في شمال غربي باكستان.

في هذه المنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان، التي مزقها الفقر، غالبا تُلقي الحرب العالمية ضد طالبان بظلالها على الخلافات الأسرية، فألّبت قبيلة على أخرى وابنا على أبيه وأخا ضد أخيه.

وعلى الرغم من اعتراف قادة طالبان بالتزامهم بالتعاليم الإسلامية، فإن الكثير من المتمردين لديهم أهداف تتجاوز نطاق إقامة حكم إسلامي، فهم يرغبون في الثأر من جيرانهم لعداوات قديمة أو لتصفية حسابات مع أقاربهم.

هذه المشاعر تسهم في إيضاح السبب وراء فشل جهود الولايات المتحدة وحلفائها على مدى ثماني سنوات لإنهاء التمرد. فقد لا تكون الخلافات والاقتتال العائلي القبلي بالأمر الجديد، لكنه الآن يتخذ من صِدام الحضارات غطاء جديدا له، بالمزيد من الأسلحة والمال والجنود لاستمرار العداوات. يقول سعد محمد، الجنرال الباكستاني المتقاعد الذي يدير مؤسسة بحثية في هذه المدينة الحدودية: «الكثير من العوامل يسهم في الطلبنة، لكن العامل الأكثر انتشار هو وجود دوافع شخصية لدى الكثيرين منهم». وروى خان، القائد القبلي الموالي للحكومة، قصة صراعه مع طالبان من المنزل الآمن الذي استأجرته أسرته في بيشاور والذي يقع على بعد 20 ميلا جنوب منطقتهم القبلية الأصلية.

يقع المنزل الرديء في حارة ضيفة غير نظيفة ويتشابه مع عشرات المنازل الأخرى سواء في البناء أو الملايين الآخرين القاطنين في هذه المدينة المكتظة بالسكان. ويقول خان وأقاربه إنهم لا يعتقدون أن ابن عم خان، رحيل خان، قادر على العثور عليهم هنا، لكن يار داد خان الشاب المهذب ذا اللحية الرمادية كانت عيناه معلقتين على الباب خلال حديثه وأبقى سلاحه بالقرب منه.

وقال خان - 35 عاما - إن «بعض الأفراد الجيدين في طالبان مهتمون حقا بإقامة نظام إسلامي في باكستان، وهم قليلون جدا، لكن غالبيتهم سيئون».

ويقول أقاربه، قبل انضمامه إلى طالبان رحيل خان معاقرا للخمر، ولم يكن باعثه في الانضمام إلى صفوف المتمردين إسلاميا بل كان قرار والده حرمانه من الميراث.

وكان لهذا الخيار عواقبه: قُتل أحد أفراد العائلة ونجا البعض الآخر بأرواحهم، ويعلم جميع أفراد العائلة الآن أن من لم ينضموا إلى طالبان لديهم ما يخشونه.

تحول رحيل خان إلى صفوف الجماعات الإرهابية لم يكن بالشيء الذي أثار دهشتهم لأن العائلة تنحدر من طائفة المُلاّك - القادة البشتون الذين يحكمون في هذه المناطق القبلية التي تربط حدود باكستان الشمالية الغربية مع أفغانستان. يمتلك الملاك الكثير من الأراضي ويحصلون على أفضل تعليم ويقررون أمور الحرب والسلام نيابة عن أفراد قبائلهم. ومعروف أن الحكومة لا توجد في هذه المناطق إلا بصورة رمزية في المناطق القبلية وأن الملاك هم من يملأون هذا الفراغ.

عندما برزت طالبان في إقليم الحدود الشمالي الغربي في عام 2005 و2006 صور أعضاؤها أنفسهم حماة للعدالة الإسلامية، فقاموا بتسيير الدوريات في الشوارع ومعاقبة المجرمين أصدورا أوامر بمنع ما قالوا إنه رذائل مثل الرقص وعزف الموسيقى، في هذه المنطقة التي يغيب عنها حكم القانون رحب الكثير السكان بوجود الجماعة في البداية وإن كانت تتصرف بوحشية في بعض الأحيان.

لكن طالبان كشفت في ما بعد عن نياتها الحقيقية عندما نفذت حملة اغتيالات ضد الملاك، ولم تبد طالبان رغبتها فقط في تطبيق الشريعة الإسلامية بل في الإطاحة بالنظام القبلي.

وكان بمقدور الملاك النجاة بأنفسهم لو أنهم أعلنوا الولاء لطالبان، لكن على العكس من ذلك، باتوا موضع اتهام فتم إطلاق الرصاص وقطع رؤوس المئات منهم، وكان خصومهم الشخصيون - ولكل الكثير من الخصوم - يسارعون لأن يكونوا جلاديهم. وانجذب الكثير من المجرمين والعشائر الضعيفة والمنبوذين من العائلات إلى طالبان.

ويضيف محمد، اللواء المتقاعد: «كل ما عليك فعله هو أن تكون ذا لحية طويلة، ثم تتمكن في ما بعد من تسوية حساباتك والقيام بأي عمل سيئ ترغب به». وقالت عائلة وأصدقاء وأقارب خان إن طالبان توددت إلى رحيل خان لأن والده كان أحد الملاك، حيث تمتلك العائلة مساحات واسعة من الأراضي في الوادي المنزرع، في منطقة مهمند القبلية التي تشكل واحدة من سبع قبائل تقطن المناطق القبلية، وهناك كانوا يزرعون القمح والذرة والبطيخ.

وعلى عكس أبناء أعمامه وأقاربه ترك رحيل المدرسة مبكرا وكان ضيفا دائما في الحفلات ويسرف في الشراب.

وفي محاولة لتغيير سلوكه سلمه خان عمل النقل في العائلة وخلال عامين كان قد أفسد العمل وتراكمت عليه الديون. كان من المفترض وفق العرف القبلي أن يشارك رحيل خان إخوته في ثروة والده التي قدرها بعض أفراد العائلة بـ2.5 مليون دولار، لكنه ما إن بلغ 25 عاما عام 2008 أخبره والده أنه محروم من الميراث.

حمل رحيل خان همومه إلى المجلس القبلي لكن والده استغل نفوذه لرفض القضية لذا تحول رحيل إلى النظام الإسلامي البديل المتمثل في طالبان الذين وافقوا على مساعدته.

اختفى رحيل خان لمدة 40 يوما وعندما عاد كان قد تغير وأصبح رجلا جديدا.

يقول سافدار خان، أحد أصدقاء العائلة: «علم الجميع حينها أن رحيل صار أحد أفراد جماعة طالبان، ورأيناه في دورياتهم».

في هذه الأثناء كانت طالبان قد زادت من طموحاتها. وفي صيف 2007 شن قادة الجيش هجوما على المسجد الأحمر في إسلام آباد، الذي تحول إلى منتدى للتحدي الراديكالي للحكومة. وفي مهمند استولت طالبان على ضريح محلي وأعادت تسميته بالمسجد الأحمر تكريم لقتلى مسجد إسلام آباد وأعلنوا الحرب على باكستان. وأعقبت ذلك موجة من التفجيرات الانتحارية وتوحدت جماعات طالبان ضد الحكومة.

رد الجيش بعملية عسكرية في مهمند وألقى القبض على كل من والد يار داد خان وعمه، والد رحيل خان. ولأنهما من الملاك فقد وُجه إليهما اللوم نظرا إلى تحول البعض إلى طالبان.

وعبر الوساطة تواصل الرجلان مع رحيل خان وسعوا إلى إقناعه بالتخلي عن طالبان. وفي إحدى أمسيات أبريل (نيسان) العام الماضي، كان رده عليهم. ففي إحدى مناسبات الزواج في العائلة حضر ومعه 25 من رجال طالبان واختطفوا العريس.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»