فوز القومي إيروغلو برئاسة شمال قبرص يثير تحفظ أوروبا

المفوضية الأوروبية تشدد على مواصلة مفاوضات توحيد الجزيرة

TT

شدد الاتحاد الأوروبي على ضرورة استمرار مفاوضات إعادة توحيد جزيرة قبرص، وذلك بعد فوز القومي القبرصي التركي درويش إيروغلو بالانتخابات الرئاسية في جمهورية شمال قبرص.

وأعلن الناطق باسم المفوض الأوروبي المكلف التوسيع، التشيكي ستيفان فول، أن «تواصل المفاوضات في روح بناءة أمر أساسي». وأوضح أن «من مصلحة زعيمي» الطرفين اليوناني والتركي في الجزيرة أن تثمر هذه المفاوضات، معتبرا أنه «من السابق لأوانه التعليق» على الموقف الذي كان يدافع عنه إيروغلو حتى الآن بشأن دولتين في الجزيرة، نظرا لأن ذلك كان خلال الحملة الانتخابية. وحصل إيروغلو في الانتخابات التي جرت أول من أمس، على 50.38% من الأصوات مقابل 42.85% للرئيس المنتهية ولايته محمد علي طلعت.

وقال بيان المفوضية الأوروبية في بروكسل أمس إن المفاوضات التي جرت في وقت سابق بين زعيمي الطائفتين في الجزيرة المقسمة محمد طلعت وديمتريس كريستوفياس، حققت تقدما هاما، لإيجاد تسوية لتوحيد الجزيرة على أساس فيدرالي وكان ذلك موضع تقدير رئيس المفوضية مانويل باروسو». وأضاف البيان الذي لم يتضمن تهنئة للرئيس الجديد لشمال قبرص: «الآن قد تم انتخاب إيروغلو زعيم الطائفة القبرصية التركية، من المهم جدا أن تستمر تلك المفاوضات لتحقيق التسوية». وشدد البيان على أن المفوضية «تشجع إيروغلو على مواصلة التفاوض بروح بناءة في الجهود الرامية لتوحيد الجزيرة القبرصية وستواصل المفوضية الأوروبية بدورها تقديم كل الدعم المطلوب لتحقيق تسوية شاملة». وشدد البيان على أن الوضع الراهن ليس في مصلحة أي طرف وليس هناك بديل سوى حل المشكلة القبرصية «بأيدي قادة (الطرفين) لتحقيق مصلحة المواطنين جميعا، بمن فيهم القبارصة الأتراك، حتى يستفيد الجميع من عضوية قبرص في الاتحاد الأوروبي وفوائد العضوية المختلفة».

كذلك أعلن ناطق باسم الحكومة القبرصية اليونانية أمس أن فوز إيروغلو في انتخابات الجزء التركي شمال قبرص ستكون له انعكاسات سلبية على جهود إعادة توحيد الجزيرة. وقال ستيفانوس ستيفانو إن نتائج الانتخابات: «ستخلق مشكلات خطيرة» في المفاوضات الرامية إلى إعادة توحيد الجزيرة. وأضاف أن معارضة إيروغلو حلا فيدراليا بمجموعتين يلقي بظلاله على عملية المفاوضات. وأعلن أن «انتخاب إيروغلو تطور مؤسف نظرا لمواقفه المعلنة منذ وقت طويل الرافضة قيام دولة فيدرالية والمؤيدة لدولتين في قبرص». وأضاف أن الحكومة تنتظر الآن من الاتحاد الأوروبي ومجمل المجتمع الدولي التأكيد أن الحل الوحيد المقبول حول إعادة توحيد الجزيرة على أساس فيدرالية ذات مجموعتين.

ومثلما ترك انتخاب إيروغلو تحفظات خارجية، برزت أيضا تحفظات داخلية. فقد أعلن الرئيس المنتهية ولايته محمد علي طلعت أنه «من المستحيل مع إيروغلو» مواصلة مفاوضات إعادة توحيد الجزيرة «بطريقة بناءة». وقال طلعت، الذي كان المنافس الرئيسي لإيروغلو في الانتخابات، في مقابلة نشرتها أمس صحيفة «إيه.بي.سي» الإسبانية أن «تركيا تريد للمفاوضات أن تستمر بصورة بناءة، إلا أن ذلك مستحيل مع إيروغلو. العالم كله يعلم ذلك». وتابع طلعت «بالتأكيد سيجتمعان (إيروغلو والرئيس القبرصي ديميتريس خريستوفياس). ولكن ماذا سيفعلان؟ احتساء القهوة أو التفاوض؟ بما أن إيروغلو لا يملك أية رؤية للحل، فكيف سيعمل لإيجاد رؤية؟».

ورأى محللون أن فوز إيروغلو في الانتخابات الرئاسية سيلقى بظلاله على المفاوضات الصعبة الجارية لإعادة توحيد الجزيرة المقسومة منذ 36 عاما. وقال الخبير السياسي القبرصي التركي أحمد سوجن لوكالة الصحافة الفرنسية: «مع وجود إيروغلو في المفاوضات، هناك احتمال بخسارة وقت ثمين رغم أنه أبدى رغبة في مواصلة» التفاوض. ويرى هذا الجامعي الذي يرأس مركزا للدراسات، أن الزعيم الجديد للقبارصة الأتراك ذا التوجهات الانفصالية، ليس أمامه من خيار سوى مواصلة اتباع تعليمات أنقرة. وقال «إذا كانت تركيا تقول إنها تشجع استمرار المفاوضات بين القبارصة، فإن إيروغلو مضطر بالتالي لمواصلة هذا النهج».

يشار إلى أن «جمهورية شمال قبرص التركية» التي لا تعترف بها سوى أنقرة، معزولة على الساحة الدولية. وقد يؤدي فشل عملية إعادة توحيد قبرص إلى عواقب فورية على مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي والتي تواجه صعوبة بشكل خاص بسبب المشكلة القبرصية. ويرى سوجن أنه من غير المرتقب أن يؤدي فوز إيروغلو إلى وقف 19 شهرا من المفاوضات كانت جارية بين محمد علي طلعت والرئيس القبرصي ديمتريس خريستوفياس، لكنه يمكن أن يبطئ العملية. واعتبر الخبير القبرصي التركي أن الانتخابات التشريعية المرتقبة في 2011 في تركيا يمكن أن تترك أيضا أثرا على «جو» المحادثات. وقال: «لا يرغب أي حزب في السلطة أن ينظر إليه خلال حملة انتخابات على أنه الجانب الذي يتنازل» في القضية القبرصية، مما يعزز موقف إيروغلو المتصلب.

لكن إيروغلو وعد بمواصلة عملية السلام تحت إشراف الأمم المتحدة. وقال أول من أمس: «يجب ألا يظن أحد أنني سأنسحب من طاولة المفاوضات. عملية التفاوض ستستمر». وأضاف أنه سيجري «حوارا وثيقا مع الوطن الأم» تركيا التي تنشر 35 ألف جندي في القسم الشمالي من قبرص.

ولم تخف أنقرة رغبتها في أن تؤدي المفاوضات إلى إنهاء انقسام قبرص تمهيدا لبلورة طموحاتها الأوروبية. وعبر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مساء أول من أمس عن رغبته في أن تواصل «جمهورية شمال قبرص التركية» التفاوض حول إعادة توحيد الجزيرة. وأكدت وزارة الخارجية التركية في بيان على «العلاقات الخاصة» التي تربط تركيا و«جمهورية شمال قبرص التركية» مشيدة برغبة إيروغلو بالتفاوض، فيما اعتبره المراقبون بمثابة تحذير.

وقال نيازي كيزليورك الخبير السياسي القبرصي التركي «لا أعتقد أن إيروغلو سيبقى على مواقفه التي نعرفها. إيروغلو يدافع عن فكرة جزيرة بدولتين وهو ما لن تقبل به أبدا المجموعة الدولية ولا الجانب القبرصي اليوناني».

وبعد سنوات من التعثر استؤنفت المفاوضات حول إعادة توحيد الجزيرة في سبتمبر (أيلول) 2008 بين الرئيس القبرصي ديمتري خريستوفياس وطلعت بإشراف الأمم المتحدة لكن بعد 19 شهرا لم تتمخض عن تقدم كبير. وقبرص مقسمة إلى قسمين منذ تدخل الجيش التركي سنة 1974 في شمال الجزيرة ردا على انقلاب نفذه قوميون قبارصة يونانيون بهدف ضم الجزيرة إلى أثينا.