زعيمان يتنافسان على ولاء السكان في القوقاز

إيفكوروف وعمروف ترعرعا معا ثم انقسما في وجهتيهما: الأول صار رئيسا لأنغوشيا والثاني زعيماً للمتمردين

TT

جلس يونس بيك إيفكوروف، رئيس جمهورية أنغوشيا الروسية، في قصره ذي القبة الذهبية والأروقة المفرغة من الرخام والمحاط بالعشرات من الرجال المدججين بالسلاح على الأبواب الخارجية. بدا المكان منعزلا عن الفوضى التي تعم القوقاز، فلم يتحدث عن حرب العصابات التي تدور رحاها بين التلال المشجرة الواقعة في الجنوب الشرقي من البلاد. بل تحدث الرئيس عن دوكو عمروف الذي زعم مسؤوليته عن التفجيرين اللذين وقعا الشهر الماضي في أنفاق موسكو كما لو كان قائد المتمردين يقف في الغرفة. وقال إيفكوروف (46 عاما) الذي أصيب إصابات طفيفة خلال محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها في يونيو (حزيران) الماضي، وأعلن عمروف مسؤوليته عنها: «ستحين ساعته عما قريب. سواء أكان ذلك في الغد أو بعد الغد وسواء مات لأسباب طبيعية في الغابات أو في كهف. وسواء قتل في تفجير أو أطلق عليه النار أو اعتقل وألقي في السجن. إذا كان لا يزال حيا ويمشي بيننا فإن ذلك لا يعني ببساطة أنه تمكن من النجاة. فقد منحه الله الفرصة لكي يجد القوة للاعتراف بالشر الذي ارتكبه بحق الأفراد. لكنه لم يستغل هذه الفرصة. وسينال العقاب إن آجلا أم عاجلا». وكانت موسكو قد انتبهت فجأة الشهر الماضي عندما أعلن عمروف أنه الذي أمر بالتفجيرات التي قتلت 40 شخصا في محطات المترو، حيث تدافع القادة الروس إلى قطع صلاته بالناس عبر الضغط على «غوغل» بإزالة رسائل الفيديو من الإنترنت وأقروا قانونا في البرلمان بمنع نقل مقاطع من خطبه. لكن إيفكوروف كان يتعامل مع عدو قديم هو عمروف (46 عاما) أيضا، ولدا في ذات الشهر تقريبا في مجموعات عرقية وثيقة الصلة مع بعضها البعض تتشارك نفس القلق القديم تجاه موسكو. كان الرجلان في العشرين من عمرهما عندما سقط الاتحاد السوفياتي مما أجبر الشباب في القوقاز على اختيار الجانب الذي سينضمون إليه في الحرب الانفصالية. اختلف الاثنان، وبعد عقدين من الزمن لا يزال الجندي الموالي لروسيا والمتمرد المندحر يتقاتلان. الجائزة التي يتنافس عليها الرجلان ليست أرضا بل ولاء جيل نشأ في خضم فوضى هذه الصراعات. وقال رمضان أوغورتشيف (29 عاما) ورئيس لجنة شباب أنغوشيا: «ما يهم في القوقاز هو شخصية القائد، هناك مثل يقول: إذا كان القائد ذئبا فسنكون قطيعا من ابن آوي.. أوغورتشيف على غرار الكثيرين من الشباب هنا يمكنه حصر الكثير من معارفه الذين ذهبوا إلى الغابات أو انضموا إلى المتمردين». وأشار إلى أن 15% من زملائه قاموا بذلك، واختفوا دون إشعار ذويهم الذين اعتقدوا أنهم ما كانوا ليغادروا طواعية. وقال في بعض الحالات يأتيهم النداء في التوقيت الصائب. فمجند المتمردين سيد بورياتسكي قتل في عملية للقوات الخاصة الشهر الماضي وهو ما زاد من الشعور بالظلم الذي يتسرب تحت السطح هنا حيث ترتفع نسبة البطالة هنا بحسب الإحصاءات الرسمية إلى ما يقرب من 50% ويعاني الشباب من بطش قوات مكافحة الإرهاب الفيدرالية. وقال أوغورتشيف: «كلما زادت الضغوط عليهم، ازدادوا كراهية لك. إنها القوقاز وستظل كذلك دائما». إيفكوروف واحد من بين 12 ولدا لعائلة من المزارعين، يبدو أنه حاول التعامل مع هذا الامتعاض فقد رفض حفل التنصيب المسرف قائلا إنه يفضل تحية المواطنين بعد صلاة المغرب، وأخذ يمزج بين البذلة ورابطة العنق الروسية وقبعة الرأس التقليدية في القوقاز. وعلى الرغم من تواصل عمليات مكافحة التمرد في الجمهورية فإنه فاز على الكثير من المعارضة بأسلوبه البسيط مثل توزيع رقم هاتفه الجوال والرد على كل الشكاوى بنفسه. كان ذلك جانبا من استراتيجيته. ويقول ضابط الاستخبارات العسكرية السابق إنه كان يعتقد أن مكافحة الإرهاب كانت مجرد نوع من القوة الناعمة. تعطل مشروعه بسبب التفجيرات التي وقعت في يونيو (حزيران) الماضي عندما هاجم انتحاري موكبه وقتل اثنين من مرافقيه وأصاب أخاه إصابة بالغة. ولا يزال أخوه راقدا في غيبوبة عندما نشر موقع «قوقاز سنتر» التابع للمتمردين رسالة تقول إن التفجير كان بأمر من عمروف قائد الانفصاليين السابق الذي اعتنق الجهاد العالمي كآيديولوجية جديدة. حمل الخطاب كراهية خاصة لإيفكوروف لأنه قاتل من أجل موسكو في الحرب الشيشانية الثانية ووصفوه «بكلب روسيا المخلص. فنحن نرغب في قتل إيفكوروف منذ اللحظة التي وصل فيها للسلطة». أعطى الهجوم أسبابا كافية لإيفكوروف لكراهية عمروف، لكنه كان لديه من الأسباب بالفعل، فالشعب الأنغوشي يشارك الشيشان الدين واللغة لكنهم كانوا موالين تقليديا للسلطة الفيدرالية، فقد غضبوا عندما حاول الشيشانيون السيطرة على البلاد كما حاول عمروف. وحضر المدرسة في بيسلان حيث احتجز الانفصاليون في عام 2004 ما يزيد على 1000 طفل ومعلميهم كرهائن. ويقول سيرغي ماركيدونوف، خبير شؤون القوقاز في معهد التحليلات السياسية والعسكرية في موسكو: «في هذه الأثناء كان لدى عمروف من الأسباب الجديدة للخشية من إيفكوروف وتجربته في الإقناع. ولكي ينجو كان المتمردون بحاجة إلى 15 أو 20% من الشعب وهي النسبة التي يحاول إيفكوروف الوصول إليها عبر التحالف مع المراهقين والشباب. فهؤلاء هم القوة الرئيسية بالطبع، فمن يتمكن من الاستحواذ على عقول وقلوب الجيل الجديد فسوف ينتصر». وتمضي المنافسة غير مرئية في فترات التوقف بين التفجيرات. وعندما قتلت قوات مكافحة التمرد أربعة مدنيين في فبراير (شباط) كانوا في الغابات يجمعون الثوم البري. عبر إيفكوروف عن أسفه على أرواح الضحايا، وقال إن 180 جامع ثوم تم إخلاؤهم في محاولة صادقة لتجنب سقوط المزيد من الضحايا من المدنيين وأن 18 مسلحا قتلوا في الهجوم. لكنه لم يكن الشخص الوحيد الذي يدرك أهمية العلاقات العامة في هذه اللحظة، فقد كانت موسكو لا تزال تترنح عندما أعلن عمروف أن التفجيرات كانت انتقاما لجامعي الثوم الذين قتلوا بوحشية من قبل قوات الأمن الروسية. رد إيفكوروف بازدراء على هذه التصريحات قائلا: «إن عمروف يصور نفسه على أنه روبن هود القوقاز. الخصم هو الخصم. ولو أنه عدو من الخارج لكنت احترمته. لكنه عدو يقتل أبناء شعبه ويسميه انتقاما. إنني أحتقره على الرغم من قدرته على الاختباء».

* خدمة «نيويورك تايمز»