رئيس البرلمان المغربي: أزمة تدنٍّ في الأخلاق السياسية

الراضي لـ «الشرق الأوسط»: المشكلة في المغرب أن الأغلبية هي الغائبة عن الجلسات

عبد الواحد الراضي رئيس مجلس النواب المغربي (تصوير: عبد اللطيف الصيباري)
TT

عاد عبد الواحد الراضي، الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مجددا إلى رئاسة مجلس النواب المغربي بعد عملية اقتراع أبانت تصدعا في صفوف الغالبية البرلمانية المساندة لحكومة عباس الفاسي الائتلافية. ويعتبر رئيس مجلس النواب ثالث منصب في الدولة، ومن هنا تأتي أهميته. ويعد الراضي الآن أقدم نائب في البرلمان المغربي، حيث ظل ينتخب منذ عام 1963، وظل يفوز في دائرته في شمال مدينة القنيطرة خلال جميع الانتخابات التي عرفها المغرب.

وفي هذا الحوار مع «الشرق الأوسط» يتحدث الراضي عن عدد من القضايا المهيمنة داخل الأوساط السياسية، وعن نزاع الصحراء، ومستقبل العمل الحزبي في المغرب.

وفيما يلي نص الحوار.

* هناك اتجاه لاستدعاء عباس الفاسي، رئيس الوزراء، لإلقاء بيان أمام البرلمان حول حصيلة عمل الحكومة، كيف تنظرون إلى ذلك؟

- هذه الأمور يحددها القانون الداخلي لمجلس النواب. الوزير الأول (رئيس الوزراء) يمكن أن يأتي إلى مجلس النواب بمبادرة منه، ويدلي ببيان تعقبه مناقشة، وهو الذي يقرر هل يكون هناك نقاش لبيانه أم لا.

* يقال إنكم غير راضين عن الكيفية التي تطرح بها الأسئلة الشفوية على الوزراء أو الطريقة التي تجيب بها الحكومة، ما هو البديل؟

- شخصيا أسميها كارثة الأسئلة. تابعت الأمر نائبا في البرلمان، ورئيسا لمجلس النواب، وكذلك كوزير، وعشت محنة الأسئلة الشفوية، إذ كنت أحضر إلى مجلس المستشارين لأجيب عن سؤال، سبق أن أجبت عنه من قبل، ثم الإجابة عن نفس السؤال في اليوم الموالي في مجلس النواب، وهي أسئلة لا تتيح فرصة لإعطاء أجوبة مقنعة، مثلا يطرح عليك سؤال عن المراحل التي قطعها إصلاح القضاء، وعليك أن تجيب في ثلاث دقائق، في حين يتطلب الجواب ساعات. ثم هناك أسئلة محلية (تتعلق بمدينة أو منطقة) والقانون ينص على ضرورة طرح أسئلة ذات طابع وطني تهم المغاربة جميعا.

علينا أن نبتكر، مثلا أن نطرح أسئلة تتلوها مناقشة، أي أن تتفق المجموعات النيابية على تقديم أسئلة في نفس الموضوع، ويمنح الوزير الوقت الكافي للإجابة، لكن هذه المسألة لم تتعامل معها المجموعات النيابية بشكل إيجابي. ولو طبقنا هذه المنهجية سنجعل من المؤسسة فعلا مؤسسة للحوار والنقاش وليس للأسئلة والأجوبة العقيمة.

* هناك انطباع أن الدبلوماسية البرلمانية غير فاعلة ويقول البعض إنها «دبلوماسية التسوق» أي إن الوفود البرلمانية تسافر إلى الخارج من أجل التسوق؟

- يمكنا القول إن المغرب احتضن جميع اللقاءات البرلمانية الدولية، إذ اجتمع عندنا الاتحاد البرلماني الدولي في عام 2002، واحتضن أيضا برلمانات الدول الإسلامية والدول الأفريقية والعربية ودول المغرب العربي. كما أننا شاركنا في إنشاء الجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط، وكنت رئيسا لمدة ست سنوات للجمعية البرلمانية المتوسطية، ومن المؤسسين لها. علينا أن نحافظ على هذه المواقع، ونحن نحظى بالثقة لأننا بالنسبة لهم نعتبر قيمة مضافة. لدينا أيضا قضايا مهمة، أهمها قضية وحدتنا الوطنية، علينا كذلك الدفاع عن مصالحنا السياسية والاقتصادية والثقافية، وننتمي أيضا للمجموعة العربية، التي لها قضايا نعتبرها نحن المغاربة من المقدسات. هناك الكثير مما يستوجب علينا عمله في مجال الدبلوماسية البرلمانية، وعلى المغرب أن تكون له مكانته بين الدول، وعليه أن لا يبقى مهمشا في زمن العولمة.

* يتردد بأنكم ستترأسون وفدا برلمانيا سيزور الجزائر قريبا، ما مدى صحة هذا الخبر؟

- لأول مرة أسمع بهذه المسألة، وهي غير مطروحة بالمرة، ولا أدري من هو مصدرها، ومن يروج لها.

* هل كنتم تعلمون باللقاء الذي تم في جنيف بين الشبيبة الاتحادية (منظمة الشباب في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية) وشبيبة جبهة البوليساريو؟

- لم يكن لدي علم بالموضوع، أخبرونا بعد أن تم اللقاء.

* كيف تقبلتم الفكرة.. أي إجراء حوار مع شبيبة البوليساريو؟

- فكرة عادية، تدخل في إطار مصلحة البلاد، نحن متيقنون ومؤمنون بقضيتنا الترابية، وقادرون على إقناع الآخرين. نحن نلتقي بشيوخ جبهة البوليساريو، ونتفاوض معهم، نحن منفتحون على الجميع، وهذا الانفتاح اختيار أساسي في المغرب، وإذا فتحنا نقاشا مع خصومنا وحاولنا إقناعهم بموقفنا، هذا إنجاز كبير.

* هل هناك تنسيق بينكم وبين الشبيبة الاتحادية؟

- لديهم نوع من الاستقلالية، وليست لدينا وصاية مطلقة عليهم.

* ماذا عن الندوة الوطنية التي يعد لها حزبكم؟

- هذه الندوة ستنعقد في مايو (أيار) المقبل، وتشكلت لجنة تحضيرية لهذا الغرض، وقامت بإعداد أرضية عمل ستخضع لنقاش على مستوى الفروع والأقاليم والجهات. وتكتسي هذه الندوة أهمية قصوى لأنها ستتولى مهمة إعادة التنظيم الحزبي، وتحديث الجهاز التنظيمي، وجعل عمل الحزب أكثر حرفية ومهنية، وستعمل على ضبط الاختصاصات ومهام الأجهزة والفروع.

* تدعون إلى تكوين حزب اشتراكي كبير، هل في نظركم المغرب مؤهل لهذه المسألة؟

- لم الشمل، شيء إيجابي، والمغرب قادر على توحيد صفوفه سواء تعلق الأمر باليمين أو اليسار، والمستقبل سيكون في خلق قطبين كبيرين لا ثالث لهما، القطب اليميني والقطب اليساري.

* وماذا سيكون موقع حزب العدالة والتنمية (معارضة إسلامية)؟

- هذا الأمر لا يعنينا، لست أنا من يقرر. هناك يمين وهناك يسار، وكل واحد سيختار كما يقول المغاربة «كيف سيدفن أبيه».

* لكن «العدالة والتنمية» لا يمكنه أن يوجد لا في اليمين ولا في اليسار؟

- تلك مشكلتهم وليست مشكلتي.

* أين وصلت عملية اندماج الحزب العمالي في حزبكم؟

- الخبر صحيح، وهي من توصيات المؤتمر، الذي ألح على لم شمل العائلة الاتحادية (التيارات التي انشقت عن الاتحاد الاشتراكي في أوقات متباينة)، وفعلا تقدمنا في النقاش مع الحزب العمالي والمسألة هي مسألة وقت لا أكثر. وفتحنا أيضا حوارا مع أحزاب أخرى مثل الحزب الاشتراكي (يقوده عبد المجيد بوزبع، وهو قيادي سابق في الاتحاد الاشتراكي)، ونحن في الطريق إلى توحيد اليسار. ما زلنا لم نجد الطريقة التي ترضي الجميع، علينا إيجاد طريقة مشتركة، الشيء الذي سيتطلب وقتا، المهم أننا نسير في طريق وحدة اليسار، وهذا من أهدافنا المهمة، ونسعى بكل جهد إلى تحقيقها.

* هناك تخوفات وسط هذه الأحزاب أن يقع لها ما وقع للحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي كان يقوده عيسى الورديغي، وذاب في حزبكم؟

- الذين يريدون الالتحاق بنا لا يبحثون عن مواقع ومراكز، وإنما لديهم يقين بأن التحاقهم بالاتحاد الاشتراكي سيؤدي إلى خدمة الحزب واستفادته. ونحن نعتبر الذوبان دليلا قاطعا على نجاح الوحدة وليس العكس. والإخوان الذين التحقوا بنا ومن سيلتحقون بنا لاحقا هم أكبر من هذه الحسابات لأنهم اتحاديون حقيقيون.

* ما تعليقكم على عملية انتخابكم رئيسا لمجلس النواب، خاصة أنكم فزتم بعد إجراء دورة ثانية من التصويت؟

- ليس مهمتي التعليق على نتائج التصويت، هذا دور المحللين السياسيين، ولكن ما دام التصويت سريا، لا يمكن لأحد معرفة حقيقة ما جرى. بعد عملية الاقتراع اتصلت بنا بعض الأحزاب وقالت لنا إنها صوتت لصالحنا، لكن لا يمكن أن نعرف حقيقة الأمور لأن التصويت كان سريا. وبالتالي لا يمكنني التعليق على أمر لا أتوفر على كامل معطياته، لدي بعض الافتراضات أحتفظ بها لنفسي، لهذا أعتقد أن المسألة مرت بكيفية ديمقراطية، كان هناك مرشحان واحد للغالبية وآخر للمعارضة، والمنطق يقول إن مرشح الغالبية هو الذي يفوز.

* هل تسبب التصويت في شرخ داخل صفوف الأغلبية؟

- لا أعرف من صوت ضدي، لهذا فإن الحديث عن هذا الموضوع ليس فيه أية فائدة، علينا الحديث عن المستقبل.

* التقيتم مع حزب الأصالة والمعاصرة (معارضة برلمانية) قبل عملية الاقتراع، في أي سياق كان هذا اللقاء؟

- كانت لنا مشاورات مع مجموعة من الأحزاب وليس مع حزب الأصالة والمعاصرة لوحده، التقينا أحزاب: الاستقلال والتقدم والاشتراكية والتجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية. لقاءات تدخل في برنامج حزبنا الذي تقرر في مؤتمر الحزب، وتم التأكيد عليها خلال اجتماع المجلس الوطني الأخير، إذن اللقاءات لا علاقة لها بانتخابات رئاسة مجلس النواب، ولم نتكلم في هذه اللقاءات عن انتخابات مجلس النواب. بل عبرنا فيها عن مواقف حزبنا وتحليلاته حول الوضعية السياسية الراهنة لبلادنا، وأيضا هذه المبادرة انطلقت من قناعتنا بأنه لا يمكن أن نحقق ما ننادي به من إصلاحات في معزل عن باقي الأحزاب بمختلف مشاربها. كما أن علينا تدشين ثقافة سياسية جديدة، وهي تعميق المعرفة بالآخر، وبالتالي نقرر هل نمضي معه في نفس الاتجاه، أم لكل طريقه.

* هل تعيش الساحة السياسية أزمة، خاصة على مستوى البرلمان؟

- نحن في الاتحاد الاشتراكي لدينا تحليل خاص، مفاده أن الأزمة التي يعيشها المغرب على جميع المستويات، هي ليست أزمة مؤسسات وإنما أزمة أخلاق وسلوكيات أفراد، تتجلى في استعمال المال في الانتخابات، ثم ظاهرة تنقل النواب والغياب عن جلسات البرلمان، هناك تدن في الأخلاق السياسية، الأمر الذي يضر بمصداقية العمل البرلماني على وجه الخصوص، وبالديمقراطية بشكل عام، ويعطل الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي قطع فيها المغرب أشواطا مهمة. شخصيا، أعتبر المسألة المستعجلة، والتي يجب أن نبث فيها خلال هذه السنة هي محاربة استعمال المال الحرام في الانتخابات، وضمان حياد الإدارة، ومراجعة قانون الأحزاب، واتخاذ إجراءات ضرورية حول القانون الداخلي لمجلس النواب، لنحارب ظاهرة الغياب. الاتحاد الاشتراكي سبق له أن تقدم بمذكرة إصلاحات دستورية إلى الملك محمد السادس، ونحاول الآن أن نضع الآخرين في الصورة ونشرح لهم محتوى المذكرة.

* حلفاؤكم في الكتلة عابوا عليكم عدم إشراكهم في مذكرة الإصلاحات؟

- اختلفنا معهم في مسألة التوقيت، نحن كنا ملتزمين بقرار المؤتمر الذي دعا إلى تقديم المذكرة قبل الانتخابات، والطرف الآخر كان يصر على تقديمها بعد الانتخابات. هذا هو لب الخلاف. لذلك قررنا، احتراما لقرار مؤتمرنا، أن نتقدم بالمذكرة لوحدنا.

* هل تلقيتم ردا على المذكرة؟

- بعض الإجراءات التي اتخذت تعتبر بمثابة رد على هذه المذكرة، مثلا تحدثنا من خلال مذكرتنا على مسألة «الجهوية الموسعة» والآن بدأ العمل في هذا المجال، والملك محمد السادس، أكد في خطابه الذي ألقاه في يناير (كانون الثاني) الماضي أن الجهوية هي مدخل للإصلاحات العميقة. هذه الإصلاحات تتطلب وقتا وتحضيرا كافيا، وإذا اتفقت الأحزاب، ستمر المسألة في إطار الإجماع، مما يسهل عملية الإصلاحات، المسألة ليس فيها لا يمين ولا يسار ولا وسط، لهذا علينا أن نفتح قنوات الاتصال والتواصل مع جميع الأحزاب.

* هل تشمل هذه الاتصالات حزب العدالة والتنمية؟

- بالتأكيد. سيكون لنا لقاء معهم هذا الأسبوع، سبق أن التقيت مع عبد الإله بنكيران (الأمين العام للحزب)، وتحدثنا في نفس الإطار، نحن نتحدث نفس اللغة مع الجميع، وليس لدينا لغتان، من اتفق معنا نذهب معه، ومن اختلف معنا نحترم مواقفه.

* هل لديكم أفكار محددة لمعالجة سلبيات العمل البرلماني؟

- أقول دائما، رئيس مجلس النواب ليست لديه عصا سحرية، وليس للرئيس كامل الصلاحيات. إذ إن الأمور الإدارية والمالية من اختصاص مكتب الرئاسة، وليس الرئيس بمفرده، والأمور السياسية تتم بالتوافق مع المكتب ورؤساء المجموعات واللجان البرلمانية، إذن هو عمل جماعي، لذا من الضروري إقناع الفرقاء لتغيير الوضع. وأعتبر أن من لديه سلطة فعلية والذي يمكنه تقديم نوع من الجزاء، إيجابا أو سلبا للنائب، هو الحزب الذي ينتمي إليه، لأنه هو الذي يرشحه. في الدول الديمقراطية، الناخبون هم الذين يراقبون النائب، ويحاسبونه، ويقيمون أداءه، والناخب يعاقب المنتخب بعدم التصويت عليه مجددا. نحن نفتقد هذا الوضع، إذ لا توجد محاسبة ولا عقاب. نحن من جهتنا، نفكر بشأن الحضور، إلى الدفع باتجاه الحضور الإجباري للجلسات التي يكون فيها تصويت على القوانين. سنراقب عملية الحضور، ولكن ليس تعسفيا، بل سنعمل على الأمر بشكل تدريجي، وسنحاول تقييم أسباب الغياب. والأساسي في المسألة هو أن يكون النائب مقتنعا بالحضور والمشاركة واعتبار أن له حقوقا وعليه واجبات. ظاهرة الغياب موجودة في جميع برلمانات العالم، لكن الأقلية هي التي تتغيب، أما نحن في المغرب فالأغلبية هي الغائبة.

* كيف تفسرون تراجع حزب الاتحاد الاشتراكي جماهيريا؟

- هل أجريت استطلاعات رأي لتثبت هذا التراجع الذي تتحدثون عنه.

* هذا رأي الناس؟

- نحن لا نعمل على أساس ما يشاع وما يقال، الاتحاد الاشتراكي ما زال قويا وله نفس الإشعاع، ونفس القاعدة الجماهيرية. أنتم تبنون رأيكم على نتائج انتخابات 2007. وتقدم حزب ثم تراجعه شيء طبيعي وعادي، ولا يطرح أية مشكلة، وهذه طبيعة الحياة السياسية التي تستدعي الديناميكية والتحول.

لا يمكننا أن نخفي أننا بعد 2007 دخلنا في أزمة، لكن هذه الأزمة كان يمكنها أن تكون قاتلة لو واجهت حزبا آخر، وربما اندثر، لكننا استطعنا أن نتغلب عليها، في الواقع عشنا ثلاث صدمات متتابعة، الأولى بسبب نتيجة الانتخابات، حيث تراجعنا من المرتبة الأولى إلى المرتبة الخامسة، ثم صدمة تشكيل الحكومة، ثم الأزمة الداخلية التي نجمت عن استقالة الأمين العام السابق، ولكننا تغلبنا على جميع الأزمات إضافة إلى أزمة المؤتمر التي تغلبنا عليها هي الأخرى، وبعدها خرجنا موحدين، وهذا هو الأساس، وخرجنا بقرارات اتفق حولها الجميع، ونعمل على تنفيذها، وأنهى المجلس الوطني الذي انعقد في أواخر العام الماضي، بصفة نهائية أزمتنا، ودخلنا مرحلة البناء من جديد، وإعادة تجديد الحزب، واستطعنا الآن حل مشكلة الشبيبة التي حدثت بعد استقالة أمينها العام، وانتخاب أمين عام جديد.