كيسنجر: على واشنطن التعاون مع روسيا ضد إيران

وزير الخارجية الأميركي الأسبق في حوار تنشره «الشرق الأوسط»: علينا تعلم التطور جنبا إلى جنب مع الصين

هنري كيسنجر (أ ب)
TT

دعا هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي الأسبق إلى تعاون روسي - أميركي في تطوير نظام دفاع صاروخي ضد إيران، وأكد في حوار تنشره «الشرق الأوسط» أهمية القمة الأخيرة التي عقدت في واشنطن للأمان النووي، معتبرا أن السيطرة على المواد الانشطارية في جميع أنحاء العالم أمر مهم، خاصة أن الاستخدام المدني للطاقة النووية ينتشر. وتحدث في الحوار أيضا عن الصين، والاتفاق الأخير الأميركي - الروسي حول خفض مخزون الأسلحة النووية، والتحالف الجديد لما يسمى دول «بريك»، وإلى نص الحوار:

* لقد قلت إنك تنظر إلى الرئيس أوباما على أنه أحد لاعبي الشطرنج يضع تحركاته على الساحة العالمية في أول عام ونصف العام له في الحكم. كيف تقيّم تحركاته في الفترة الأخيرة بشأن المعاهدة الجديدة للحد من الأسلحة الاستراتيجية، وبيان الوضع النووي وقمة الأمن النووي مع قادة العالم التي انتهت أخيرا؟

- تعتبر معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية (ستارت) خطوة مهمة في طريق تحقيق إعادة توجيه العلاقات الروسية - الأميركية. وتحل هذه المعاهدة محل المعاهدة الأولى للحد من الأسلحة الاستراتيجية، والتي انقضت في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وتعتبر التخفيضات المعلنة في الأسلحة هامشية في جوهرها وتم تحقيقها جزئيا عن طريق تغيير قواعد العد. فهي خطوة مفيدة تستحق التصديق.

إنني أتفق مع محاولة بيان الوضع النووي (سياسة أوباما النووية) وخفض الاعتماد على الأسلحة النووية، حيث يمكننا فعل ذلك بصورة آمنة، إلا أن بعض الضمانات التي تم إعطاؤها للدول غير النووية تبدو لي وكأنها صريحة للغاية، خاصة البيان الذي قال إن الولايات المتحدة سترد على الهجمات البيولوجية والكيميائية بالأسلحة النووية. وينبغي ترك هذه القضية غامضة.

وبالنسبة للقمة الأخيرة لقادة العالم (الأمان النووي)، فالسيطرة على المواد الانشطارية في جميع أنحاء العالم أمر مهم، خاصة أن الاستخدام المدني للطاقة النووية ينتشر. ومن بين المبادرات الثلاث التي اتخذها أوباما بشأن جبهة الأسلحة النووية، تعد هذه المبادرة الموضوع الأكثر أهمية.

* كانت قضية الدفاع الصاروخي واحدة من العقبات في المرة الأخيرة التي ناقشت فيها الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق الخفض الجذري للأسلحة في ريكيافيك إبان حكم إدارة الرئيس الأميركي الأسبق ريغان. وتمثل هذه القضية أيضا واحدة من العقبات في الوقت الحالي، حيث إن الروس يعارضون إنشاء قاعدة دفاع صاروخي في أوروبا موجهة ضد إيران، والتي من الممكن توجيهها ضدهم. ويبدو أنهم يحتفظون بحقهم في الانسحاب من معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية إذا لم تُحل قضية الدفاع الصاروخي. ويقترح جورج شولتز، وزير الخارجية في إدارة الرئيس الأسبق ريغان، أن تطرح الولايات المتحدة مشاركة نظام الدفاع الصاروخي مع روسيا، حتى وإن شمل ذلك إنشاء مواقع للرادار على أرضهم. فهل ذلك واقعي؟ وهل ذلك فكرة طيبة؟

- أفضل تطوير نظام مشترك للدفاع الصاروخي مع روسيا ضد إيران. لكن الولايات المتحدة تحتاج أيضا إلى نظام دفاع صاروخي خاضع لسيطرتها ضد أية هجمات استراتيجية من اتجاهات أخرى. لذا، دعنا نتعاون مع روسيا ضد إيران، لكننا لا نستطيع التخلي عن أنظمة الدفاع الصاروخية الموجهة ضد أية تهديدات أخرى، خاصة إطلاق الصواريخ غير المشروعة والعرضية.

* عندما قمت بالانفتاح على الصين مع الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون، كانت البلاد منهزمة في الأيام الأخيرة للثورة الثقافية. ومنذ ذلك الحين، كان لديها نمو متقدم لعدة عقود؛ فكان لديها طبقة متوسطة كبيرة، وأسرع قطارات في العالم واحتياطي ضخم للعملة. وتعد هذه الدولة كذلك المستثمر الرئيسي في الأوراق المالية بالخزانة الأميركية.

ونتيجة لذلك، يشعر الفرد هذه الأيام بثقة حضارية داخلية في الصين تقترب من الغطرسة. وقاد ذلك الصين لفرض نفسها بقوة وجها لوجه أمام الولايات المتحدة فيما يتعلق بقضايا «غوغل» والتيبت وتايوان والتغير المناخي، مع إشارات أكثر تناقضا بشأن فرض عقوبات على إيران وتقييم العملة.. كيف نفهم الصين في هذه الأيام؟ وكيف نتعامل مع الصين؟

- لا أتفق مع الأمثلة التي استخدمتها والتي تعكس ما تدعوه الغطرسة الصينية. فتايوان واحدة من القضايا طويلة الأمد. سأقول إن الصين تحلت بضبط النفس إلى حد كبير على مدار 40 عاما فيما يتعلق بالحوار حول تايوان. لكن من المهم بالنسبة للجانبين أن يتعاونا بمنظور طويل المدى.

وبالطبع، صحيح أن الصين في هذه الأيام أكثر تقدما بكثير بالمقارنة بوقت الانفتاح. وأحد التحديات الكبرى التي تواجه الجيل المقبل هي: هل من الممكن تحقيق بعض التناغم والتوافق في التصورات الأميركية والصينية بشأن العالم؟. أميركا لها قيمها ومعتقداتها الخاصة، وكذلك الصين. علينا أن نتعلم كيف نتطور جنبا إلى جنب.

هذا هو التحدي الكبير في الجغرافيا السياسية الذي لم يُحل بعد في الوقت الراهن. أعتقد أن هناك توقعات بنهج بنّاء بشأن سلسلة كاملة من المصالح المشتركة التي لم يتم التعامل معها على الإطلاق على أساس عالمي - قضية المناخ وغيرها من القضايا البيئية، وانتشار الأسلحة النووية - وستتطلب هذه المصالح نطاقا غير مسبوق للسياسة الخارجية في الدولتين.

* هل ستنضم الصين في نهاية المطاف إلى الغرب فيما يتعلق بفرض عقوبات ضد إيران؟

- لقد قاموا ببعض التحركات الإيجابية في الأسابيع القليلة الماضية. والقضية الآن هي كيفية تعريف هذه العقوبات. الغرض من هذه العملية ليس العقوبات في حد ذاتها، لكن التأثير الذي ستخلفه هذه العقوبات على إيران. أعتقد أن الصين تتفهم الخطر الكامن في انتشار الأسلحة النووية. وسيكون الاختبار هو ما إذا كانت هذه العقوبات سيظهر لها تأثير حقيقي أم لا.

* للعام الثاني على التوالي، عقدت البرازيل وروسيا والهند والصين، أو ما يسمى دول «بريك»، قمة لرؤسائها بهدف التنسيق بشأن الاستراتيجيات الدبلوماسية والاقتصادية على نطاق عالمي. إن الأمر يشبه وكأن قادة دول بريك يرون أنفسهم «حركة عدم انحياز جديدة» للدول مثل التي رأيناها أثناء الحرب الباردة. كيف تنظر إلى مبادرات دول بريك؟ وما هو الدور الذي يلعبونه على الصعيد العالمي؟

- لقد انتهينا من حركة عدم الانحياز. والسؤال هو ما إذا كانت دول بريك تستطيع تنظيم السياسات الخاصة بها في تكتل متماسك. الصين وروسيا، وكذلك البرازيل، ليست مرشحة لأن تكون أعضاء في مجموعة تستثني الولايات المتحدة، ناهيك عن مواجهتها. إنهم يختلفون عن حركة عدم الانحياز التي نشأت في سبعينات وثمانينات القرن الماضي لأن هذه الدول لم تعد حقا دولا نامية. كما أن حركة عدم الانحياز كانت تحاول وضع نفسها بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. بين أي قوتين تضع دول بريك نفسها؟

* إنهم يعرفون أنفسهم على أنهم ضد الولايات المتحدة والمؤسسات متعددة الأطراف التي تسيطر عليها، مثل صندوق النقد الدولي؟

- هذا صحيح من الناحية البلاغية لا من الناحية العملية. ستحاول دول بريك أن تكون أحد اللاعبين في القضايا الاقتصادية العالمية. لكنني سأكون مندهشا إذا استطاعوا تحقيق وضع سياسي متماسك على الساحة الدولية. وعلى أي حال، فالتوقع الأكثر أهمية هو التعاون بين دول بريك وأميركا، وليس المواجهة.

* خدمة «غلوبال فيوبوينت» خاص بـ«الشرق الأوسط»