توقع عودة الرحلات الجوية بنسبة 100% اليوم.. والخسائر فاقت 1.7 مليار دولار

الخسائر والمخاوف القانونية دفعت شركات الطيران لتغيير موقفها والمطالبة بتحديد حد للغبار الضار

عائلة بريطانية تعبّر عن سعادتها بعد وصولها إلى مطار مانشستر، بشمال إنجلترا، أمس، بعد أن كانت عالقة في كوبا (رويترز)
TT

تأكد الانفراج في حركة الملاحة الجوية الأوروبية أمس مع استئناف العمل في مطار هيثرو اللندني، وإعادة فتح كثير من البلدان مجالها الجوي، وذلك بعد أسبوع من الاضطرابات الواسعة الناجمة عن ثوران بركان آيسلندا. لكن المنظمة الأوروبية للملاحة الجوية «يوروكنترول» أعلنت أمس أن حركة الملاحة الجوية لن تعود إلى وضعها شبه الطبيعي في أوروبا إلا بحلول اليوم الخميس، وقالت منظمة «يوروكنترول» في بيان إنه «من المتوقع تأمين 100 في المائة تقريبا من الرحلات الجوية في أوروبا الخميس». وتوقعت المنظمة أن يتم مع نهاية يوم أمس تأمين 80 في المائة من الرحلات في أوروبا أي نحو 22500 رحلة جوية.

وبدأ ملايين الركاب المحتجزين منذ أسبوع في مختلف أنحاء أوروبا ومناطق أخرى من العالم يلمسون نهاية الأزمة، غير أن السلطات وشركات الطيران حذرت من أن عودة الوضع برمته إلى طبيعته سيستغرق بضعة أيام. وقال شهريار رافاري، وهو من سكان سان دييغو بالولايات المتحدة ينتظر في المطار رحلة إلى لوس أنجليس بعدما احتجز عدة أيام في باريس، «لم يسبق لي أن شعرت بمثل هذه السعادة للعودة إلى دياري». وأضاف: «أحب فرنسا كثيرا، لكن العودة أمر مختلف تماما».

وفي مؤشر جديد مشجع، تراجع نشاط بركان أيافيول في آيسلندا بنسبة 80% عما كان عليه السبت الماضي، بحسب الدفاع المدني الآيسلندي، فيما أعلن خبير زلازل آيسلندي صباح أمس أن انبعاثات الرماد البركاني «طفيفة فعلا» ولو أن البركان لم يخمد بعد. وكانت قد انبعثت من البركان منذ بدء ثورته في 14 من الشهر الحالي سحابة رماد بلبلت حركة الملاحة الجوية الدولية وقد تنقلت فوق أوروبا ودفعتها رياح المحيط الأطلسي وصولا إلى غرب روسيا. ويتوقع، حسب المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، أن تنتقل السحابة في نهاية الأسبوع إلى القطب الشمالي بسبب تغيير في وجهة الرياح.

وأعادت ألمانيا وكذلك الدنمارك وفنلندا والنرويج فتح مجالاتها الجوية صباح أمس، بعدما كانت دول شمال أوروبا هي الأولى التي تأثرت بالرماد البركاني الذي عطل الملاحة الجوية.

وتأمل شركة «لوفتهانزا» تأمين «نحو 500 رحلة» من أصل ما معدله 1800 رحلة يومية في الظروف العادية. وبعد خمسة أيام على تعليق الرحلات أعيد فتح سماء بريطانيا الساعة العاشرة من مساء أول من أمس أمام الطائرات. وقال متحدث باسم مطار هيثرو، أكبر مطارات العالم من حيث حركة الركاب الدولية، «يمكنني التأكيد أن هيثرو عاود نشاطه، لقد هبطت فيه أول رحلة لشركة (بريتيش إيرويز) آتية من فانكوفر» في كندا. وبذلك حذت لندن حذو فرنسا والنمسا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا وجمهورية التشيك التي استأنفت حركة الملاحة أول من أمس بعد شلل على درجات متفاوتة استمر عدة أيام.

وفي وقت انعكس فيه شلل الأجواء الأوروبية في كل أنحاء العالم، حيث أعلنت شركات الطيران الآسيوية أنها تكبدت خسائر بحجم 40 مليون دولار في اليوم، استؤنفت الرحلات من آسيا إلى أوروبا. وعاودت شركات «كوانتاس» و«سنغافورة إيرلاينز» و«فيرجين» رحلاتها من استراليا ونيوزيلندا، فيما عاودت شركتا «إير تشاينا» و«كاثاي باسيفيك» رحلاتهما من الصين. وأتاح استئناف الرحلات جزئيا أول من أمس نقل مئات الآلاف من أصل ملايين الركاب المحتجزين في مختلف أنحاء العالم.

من جهتها أعلنت المنظمة الأوروبية للملاحة الجوية «يوروكنترول» أنه كان من المفترض أمس تسيير 21 ألف رحلة تشكل 75% من الرحلات الجوية في أوروبا، في انفراج واضح بالنسبة إلى ما كان عليه الوضع في اليوم السابق. وبات كامل المجال الجوي ما فوق ارتفاع 20 ألف قدم سالكا، فيما يعتبر المجال الجوي الأوروبي ما دون هذا الارتفاع سالكا أيضا بشكل شبه كلي. واتهمت شركات الطيران الحكومات باتخاذ تدابير وقائية مبالغ بها، وقد قدرت المنظمة الدولية للنقل الجوي (إياتا) أمس أن أزمة سحابة الرماد البركاني قد كلفت شركات الطيران أكثر من 1.7 مليار دولار من الإيرادات.

وحث جيوفاني بيسنياني الرئيس التنفيذي للمنظمة الدولية للنقل الحكومات على بحث سبل تعويض شركات الطيران عن هذه الخسائر. يشار إلى أن الحكومة الأميركية كانت قدمت تعويضات بقيمة خمسة مليارات دولار لشركات الطيران بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، كما قدم الاتحاد الأوروبي حينها مساعدات كذلك لشركات الطيران.

بدورها، أشارت المنظمة الدولية للطيران المدني إلى عدم وجود معايير دولية في الوقت الحاضر حول نسبة كثافة الرماد البركاني التي يمكن أن تشكل خطرا على الطائرات. وحذر جيوفاني بيسنياني مدير «إياتا» من أن خمس شركات طيران «متوسطة وصغيرة الحجم» مهددة بالإفلاس بسبب نقص السيولة، مشيرا إلى أنه يعتزم مطالبة حكومات الدول الأعضاء بتعويض كلفة توقف الرحلات على الشركات.

وطالبت جمعية الشركات الجوية الأوروبية التي تضم 36 شركة بتقديم مساعدة لشركات الطيران لتمكينها من تحمل كلفة إلغاء رحلاتها وقد قدرت «يوروكنترول» عدد الرحلات التي ألغيت في أوروبا بـ95 ألفا. وكانت الشركات الجوية تخشى، في حال سماحها بالطيران، من الضرر المحتمل أن يلحق بسمعتها ومصادر تمويلها في حال خسارة إحدى طائراتها بسبب الغبار، إضافة إلى مخاوف من إجراءات قانونية بسبب الوفيات التي قد تحدث بين الركاب.

وأعاقت الرغبة في عدم مواجهة هذا المصير نقاشات كانت دائرة قبل ثوران البركان الآيسلندي. لكن، في مواجهة خسائر تبلغ مئات الملايين بسبب البركان، بدأت شركات الطيران تدعو المنظمين إلى تحديد حد أمان لتجنب التبعات المالية الكبيرة للطائرات المعطلة في مختلف أنحاء أوروبا والمسافرين الذين يطلبون تعويضات بسبب إلغاء الرحلات.

وقال مصدر في «منظمة الطيران المدني الدولية» عن تاريخ فشل الجهود من أجل الاتفاق على معدل أمان: «القضية هو أن هناك مسؤولية كبيرة على القطاع، ولذا كانوا حذرين في توفير معلومات، فإذا قالوا إنها آمنة، ووقع حادث فإنهم سيذبحون». وكانت المنظمة تحاول منذ عام 2008 على الأقل جمع شركات الطيران والشركات المصنعة من أجل الاتفاق على تركيز آمن للرماد البركاني.

وخلال الأسبوع الماضي، طلبت شركات طيران بريطانية مثل «الخطوط الجوية البريطانية» و«إيزي جيت» و«فيرجين أتلانتك» أن يكون لها رأي أوسع في القرارات الخاصة بحظر الرحلات الجوية والأمن الجوي. وكان من أهم الشكاوى التي ذكرتها شركات الطيران عدم التناسق بين الأساليب التي تعاملت بها مختلف الدول الأوروبية مع آثار البركان.

وكانت شركة «رايان إير»، أكبر شركة طيران للمسافات القصيرة في أوروبا، هي آخر من أفصحت عن خسائرها بسبب الأزمة الأخيرة، مشيرة إلى أنها تكبدت خسائر قيمتها 5 ملايين جنيه إسترليني في اليوم.

وسئل وزير النقل البريطاني أندرو أدونيس، خلال برنامج «نيوز نايت» على تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) الليلة قبل الماضية، بشأن مدى الضغوط التي تعرضت لها الحكومة لرفع الحظر على الرحلات الجوية، فقال: «بكل وضوح، لقد أرادوا أن يكونوا قادرين على تشغيل طائراتهم، وقد فعلوا ذلك بالفعل، لكن ذلك ليس هو لب الموضوع». وأضاف: «القضية هي تقييم السلطات المعنية بالسلامة، وذلك يشمل مثلا ما هو الطريق الآمن الذي تستطيع الطائرات الطيران فيه في حال وجود الرماد».

وعودة إلى تاريخ محاولات تحديد مستوى آمن من الرماد، أظهرت مضبطة اجتماع باريس عام 2008 أن صناعة قطاع الطيران على خلاف مع المنظمين. وانتهى اجتماع المنظمة الدولية للطيران المدني إلى أن أساليب القياس المحسنة ينبغي أن تسمح بالتقدم «في ما يتعلق بتعريف الحد الأدنى من تركيزات الرماد الآمنة». وفي السابق، أكدت السلطات البريطانية أنه من الناحية الافتراضية يمثل أي رماد بركاني تهديدا للطيران. وفيما كان هذا الموقف متوافقا مع المعايير الدولية، قال مسؤولون بالقطاع إن سلطات الطيران المدني كانت حذرة أكثر من اللازم. وقالوا إنه أثناء الأيام الماضية أصبحت سحب الرماد صافية بدرجة كافية فوق أوروبا مما يمكن الطائرات من الطيران حولها بصورة آمنة.

وجاء رفع القيود على نطاق واسع عقب ضغوط شديدة من جانب شركات الطيران التي تكبدت خسائر كبيرة أثناء الأزمة، وكذلك من جانب القادة السياسيين النافذين الذين أفزعتهم الضرائب المتنامية على الاقتصاد الأوروبي.

وصرح ويلي ولش، الرئيس التنفيذي لـ«شركة الطيران الجوية البريطانية»، للصحافيين في لندن: «لا أعتقد أنه كان من الضروري فرض حظر طيران في جميع أجواء المملكة المتحدة الخميس الماضي. سيكون أمامنا كثير من الوقت للنظر فيما كان من الأفضل فعله، وأعتقد أنه من الممكن استخلاص الدروس من ذلك».

ودافع مسؤولون بريطانيون عن تحذيراتهم. وقالت «هيئة الطيران المدني البريطانية» في بيان لها: «كان علينا التأكد، في وضع لم يسبق له مثيل، من أن القرارات كانت مستندة إلى تجميع شامل للبيانات وتحليلات من جانب الخبراء».