في جامعة البنجاب.. قتال من أجل مستقبل باكستان

أقلية طلابية متشددة تسعى لفرض آرائها على أغلبية مسالمة.. وأعمال التخويف والتهديد سممت المناخ الأكاديمي

TT

كان الأستاذ الجامعي عاكفا على عمله بمكتبه داخل واحدة من أكبر جامعات باكستان هذا الشهر، عندما اقتحم أعضاء مجموعة طلابية إسلامية مكتبه وأوسعوه ضربا بقضبان حديدية، وحطموا آنية للزهر فوق رأسه.

كان افتخار بالوتش، بروفسور العلوم البيئية، قد طرد أعضاء المجموعة لسلوكهم العنيف. وجعله العقاب الذي أنزلوه به مدرجا في الدماء، وفاقدا الوعي تقريبا، لكن هذا الحادث وحد صفوف أقرانه من الأساتذة الذين أبدوا اعتراضهم على ما جرى من خلال تنظيم إضراب لمدة ثلاثة أسابيع تنتهي بحلول الاثنين.

وقد لفت الهجوم، والغضب الذي أثاره، الاهتمام إلى المجموعة الطلابية التي تعرف باسم «الجمعية الإسلامية للطلبة» (إسلامي جمعيات)، التي عمدت الشرطة الأخلاقية التابعة لها على مدار سنوات إلى إرهاب أبناء الجامعة العريقة التي يرجع بناؤها إلى قرن مضى من خلال التلويح بنمط شوفيني من الإسلام، حسبما ذكر أساتذة هنا.

بيد أن المجموعة تحظى بالعون من مصدر مثير للدهشة - القيادات السياسية الوطنية الذين أطلقوا لها العنان، نظرا لدخولهم في بعض الأحيان في تحالفات مع المنظمة الأم لها (الجماعة الإسلامية)، أقدم وأقوى حزب سياسي ديني في باكستان، طبقا لما ذكره الأساتذة.

وتجسد محنة الجامعة المأزق الذي تعانيه باكستان، ذلك أن أقلية متشددة عدوانية تمارس الإرهاب بحق أغلبية مسالمة أكثر انفتاحا في تفكيرها، في الوقت الذي تقف فيه طبقة سياسية انتهازية مترددة لما تجنيه من مكاسب من وراء التحالف مع المعتدين.

ويساعد هذا الوضع في تفسير كيف أن طالبان وغيرها من الجماعات المسلحة، ورغم كونها ضئيلة الحجم وغالبا ما تشكل أقلية تفتقر إلى التأييد الشعبي، قادرة على الإبقاء على سيطرتها على قطاعات واسعة من المجتمع الباكستاني. لكن هذه هي جامعة البنجاب، صرح التعليم العالي الأول في البلاد، وتضم نحو 30.000 طالب، وتشكل قناة رئيسية لتعزيز الفرص أمام أبناء الطبقتين الدنيا والمتوسطة في باكستان.

وتتعلق المعركة الدائرة هنا بالتوجه الذي تتخذه البلاد مستقبلا، وما إذا كانت جهود فرض رؤية متشددة من الإسلام ستنتصر في مواجهة الطبقة المتعلمة متفتحة الأفق أم لا. وأوضح الأساتذة أن هذا تحديدا هو السبب وراء إلحاحية مشكلة «الجمعية الإسلامية للطلبة».

في هذا الصدد، قالت مليحة إي أغا، أستاذة بقسم الآداب، عن المجموعة الطلابية «إنهم سفاحون يحملون عقلية طالبان، وينبغي حظرهم». جاء تعليق مليحة أثناء ارتدائها الزي المميز لأساتذة الجامعة، ووقوفها بين مجموعة من المتظاهرين من أقرانها هذا الشهر.

الملاحظ أن خطاب المجموعة الطلابية، مثلما الحال مع الحزب السياسي الذي تنتمي إليه، يتسم بنبرة تحمل عداء شديدا للغرب، وشوفينية وتشددا حيال الأقليات الدينية في باكستان. وكانت المجموعة من المؤيدين المتحمسين لطالبان، حتى أصبح هذا الموقف مفتقرا إلى التأييد الشعبي.

ويعمد أعضاء المجموعة إلى إعاقة دروس الموسيقى، وحظر المشروبات الغربية الغازية، والتعدي بالضرب على الطلاب الذكور الذين يجلسون بجانب فتيات في فناء الجامعة.

وعلقت شايستا سراج الدين، أستاذة الأدب الإنجليزي، على الحركة الطلابية الإسلامية بقولها «إنها فاشستية. وتعمدت كل حكومة غض الطرف عنها».

المثير أن المجموعة الطلابية تبدو أشبه بلغز، فرغم عدوانيتها تبقى صغيرة نسبيا، وتراجعت شعبيتها في أوساط الطلاب في السنوات الأخيرة. وأشار أحد الأساتذة إلى أن الارتباط بهذه المجموعة أصبح مصدرا للخزي حاليا. ومع ذلك، لا تزال المجموعة قادرة على استغلال الإسلام كسلاح لمهاجمة خصومها، والتنديد بأي شخص يختلف معها في الرأي باعتباره مناهضا للإسلام.

وقد أثبت هذا التكتيك فاعلية كبيرة في باكستان، وهي دولة شابة تحولت حيرتها الأولى حيال ماهية دور الإسلام في المجتمع إلى قناعة متشددة جعلت من مجرد مناقشة الأمر أمرا محظورا.

واستطردت سراج الدين، في إشارة إلى القرآن، بأنه «أصبح من المستحيل مجرد الحديث عن حقوق الإنسان من دون الإشارة إلى الكتاب المقدس، خوفا من اتهام المرء بأنه مناهض للإسلام». ويرجع السبب وراء ذلك لجذور تاريخية، ففي ثمانينات القرن الماضي، زرع الرئيس الأسبق محمد ضياء الحق، المدعوم من الولايات المتحدة، إسلاميين داخل النظام التعليمي محاولا تشكيل هوية باكستانية موحدة. داخل جامعة البنجاب، التي أفرزت الكثير من أنصار «جمعية الطلبة الإسلامية» بين مدرسيها، مما جعل من المستحيل طرد هذه المجموعة من الجامعة. تضم الجامعة أساتذة ليبراليين يساريين، مثل سراج الدين، يشعرون برغبة قوية في استعادة مؤسستهم التي أنجبت في وقت من الأوقات ثلاثة من الحاصلين على جوائز نوبل. الآن، يرى هذا التيار أن الجامعة باتت صورة باهتة لما كانت عليه من قبل، ولم تعد تشكل بيئة آمنة للشباب كي يتبادلوا الأفكار تحت مظلتها. من ناحية أخرى، وصف أحد قيادات المجموعة الطلابية على الصعيد الوطني، نديم أحمد، حادث ضرب الأستاذ الجامعي بأنه «مخجل»، مضيفا أن المتورطين في الهجوم جرى تجميد عضويتهم. إلا أنه شدد على أن المجموعة ذاتها مسالمة، ويتمثل طموحها الوحيد في الترحيب بالطلاب الجدد وتنظيم معارض للكتب.

لكن طلابا وأساتذة أكدوا أن الهدف الرئيسي للمجموعة هو الاستحواذ على السلطة داخل الجامعة، وأنها تلجأ إلى العنف في سبيل ذلك. وقالت أستاذة، اكتفت في الإشارة إلى اسمها بـ«طيب» خوفا من التعرض لانتقام، إن المجموعة سبق لها مهاجمة مناسبات رياضية مرتين. ولم يتمكن قسم الموسيقى الذي افتتح أبوابه مؤخرا قط من عقد فصل دراسي داخل الحرم الجامعي.

وقالت أستاذة أخرى شابة، نادية، إن أعمال التخويف والتهديد سممت المناخ الأكاديمي العام. ورفضت نادية الكشف عن كامل اسمها لخوفها من التعرض للعقاب، مؤكدة أن «الجمعية الطلابية تعد مصدر تهديد للأساتذة، الأمر الذي يلحق الضعف بمستوى جودة التعليم». وكان بالوتش، الذي تعرض للاعتداء عليه بالضرب في الأول من أبريل (نيسان)، قد اتخذ موقفا ضد المجموعة، وأشار إلى أن زعيم المجموعة يدعى عثمان أشرف (26 عاما) طالب بقسم الجيولوجيا. وأضاف «لقد تلقيت الكثير من الشكاوى من التعرض لاعتداءات، وحمل الكثير منها اسمي».

مثلما الحال في باقي أرجاء باكستان، فإن هذا النزاع على السلطة يعتمد على الممتلكات والمال، وتمتلك المجموعة الطلابية كليهما. والملاحظ أنها متعمقة في الحياة داخل الحرم الجامعي، وتسيطر على المدينة الجامعية والكافيتريات ومحال الوجبات الخفيفة. وأشار عضو سابق بها، نديم جميل، إلى أن المجموعة نجحت في بناء إدارة موازية للجامعة، وقسمت الجامعة إلى خمس مناطق لكل منها «نظيم» أو عمدة.

* خدمة: «نيويورك تايمز»