بطرس حرب: لم ننزعج من خروج جنبلاط لأن وجوده معنا كان عنصر قلق

وزير العمل اللبناني في حوار مع «الشرق الأوسط»: عمر طاولة الحوار سيكون بعمر الصراع العربي الإسرائيلي

وزير العمل اللبناني بطرس حرب
TT

أسف وزير العمل اللبناني بطرس حرب لما بلغه الواقع المسيحي في لبنان «بعدما أسقط بعض المسيحيين، وتحديدا من الموارنة، مبادئ الكنيسة إما بدافع تحالفاتهم وإما سعيا وراء السلطة». واعتبر في حوار لـ«الشرق الأوسط» أن «العماد ميشال عون وحلفاءه ارتكبوا خطأ كبيرا بحق الدولة والوجود المسيحي في لبنان، وخرجوا عن الخط الذي رسمه أجدادهم والكنيسة المارونية في بناء دولة لبنان الديمقراطية»، مؤكدا أن «التاريخ سيصدر يوما ما حكمه بذلك»، مبديا اعتقاده بأن «استمرار هذا الواقع سيؤدي إلى سقوط النظام الديمقراطي وبالتالي سقوط لبنان»، وإذ شدد على أن حركة «14 آذار» «ما زالت مستمرة، وحققت الكثير من أهدافها»، اعترف أنها «أصيبت ببعض النكسات ومنها خروج النائب وليد جنبلاط من صفوفها». ورأى حرب أن «تطور مواقف جنبلاط الأخيرة تشكل خروجا ليس عن مبادئ (14 آذار)، سواء في مفهومه لدور الجيش والسلطة وسلاح حزب الله فحسب، وإنما خروجا عن مواقفه المتطرفة التي كان يتخذها في اجتماعات (14 آذار) كأبرز الصقور فيها». وأبدى اعتقاده أن جنبلاط بتهجمه على مسيحيي «14 آذار» ما هو إلا تقديم شهادة حسن سلوك للسوريين وربما تليين لطلباتهم «كشرط للاستمرار في انفتاحهم عليه». وفيما يأتي نص الحوار:

* يمر الواقع المسيحي بحالة صعبة وقاسية، ما أفق هذا الانقسام الحاد؟ ولماذا الخلاف مستمر حول من يكون المرجعية السياسية عند المسيحيين؟

- الواقع المسيحي السياسي هو واقع ديمقراطي يحتوي على مكونات سياسية متنوعة والتيارات السياسية مختلفة، وهذا لا يعني أن المسيحيين في حالة مرضية والطوائف الأخرى في حالة صحية على الإطلاق.. غير أن هذا لا يعني أن الواقع المسيحي يعبر عن المستوى المطلوب من العمل السياسي وأنه يحقق مصلحة الوجود المسيحي في لبنان. ما يؤسف له أنه في الوضع المسيحي هناك خلاف على توجهات كبرى، بحيث إن الكنيسة المتمثلة في البطريرك الماروني نصر الله صفير متمسكة بالثوابت المرتبطة بالسيادة والديمقراطية ومسؤولية الدولة عن الناس والمؤسسات والحريات العامة وقسم كبير من المسيحيين معه وأنا منهم، وهناك قسم كبير من المسيحيين وتحديدا من الموارنة أسقطوا بعض هذه المبادئ بحكم دفاعهم عن مواقعهم وتحالفاتهم مع فئات تتبنى عقائد ليست باتجاه الثوابت التي ناضلت من أجلها الكنيسة المسيحية وبالأخص الكنيسة المارونية، إن الخلاف على هذه الثوابت يؤدي إلى واقع غير سليم، وهو تأزم بصورة أساسية عند انحراف العماد ميشال عون عن الخط الوطني الذي كان هو عليه أصلا يوم قرر التحالف مع حزب الله... إن قبول العماد عون التخلي عن دور الدولة ومؤسساتها وسكوته بحجة أن سلاح حزب الله يؤمن توازن رعب مع العدو الإسرائيلي من دون الأخذ بعين الاعتبار أن الموقف الذي يواجه موقفهم لا يطلب القضاء على سلاح الحزب أو التخلي عن هذه القوة العسكرية بقدر ما يطلب تنظيمها في إطار الدولة اللبنانية وأن تعود الإمرة فيه إلى الدولة وفقا لأصول نتفق عليها، وهنا تأتي الاستراتيجية الدفاعية، كل هذه الأمور تجعل الوضع المسيحي في الحالة المشكو منها، بسبب خروج ميشال عون وحلفائه المسيحيين عن الخط الذي رسمه الأجداد والكنيسة المارونية في بناء دولة لبنان الديمقراطية المستقلة والحرة.

* في رأيكم، ما سبب تحول العماد عون عن مبادئه السابقة التي تحدثتم عنها؟

- أنا لا أريد أن أنصب نفسي محللا نفسيا للعماد عون، وأعتقد أن التاريخ سيصدر حكمه بهذا الأمر، ولكن في قناعتي الشخصية أيا تكون دوافعه يبقى موقفه سيئا وسيسيء إلى لبنان، حقيقة لا أعرف أسباب مواقف العماد عون، فإذا كانت عن اقتناع فهو مخطئ، أما إذا كانت بغير اقتناع فهذا حرام، لا شك أن الصراع على السلطة والزعامة المسيحية هو عامل مؤثر، فإذا كان الصراع حول من يكون في مقدمة الناس علينا ألا ننسى الناس، فإذا ذهب الناس عندها سيكون «عون» في المقدمة لا أحد، أنا هنا لا أحكم ولكن في اعتقادي السياسي أن العماد عون يرتكب وحلفاؤه خطأ كبيرا بحق الدولة وبحق الوجود المسيحي في لبنان الذي لا يضمن سوى نظام ديمقراطي يحمي حرياتهم ومصالحهم، وعندما يسقط هذا النظام، الذي في اعتقادي أنه في حال استمرار الوضع على ما هو عليه أنه سيسقط، عندها سيكون الخطر كبيرا على المسيحيين.

* بعد خروج النائب وليد جنبلاط وتبدل مواقف بعض حلفائكم، ماذا بقي من حركة «14 آذار» بعد خمس سنوات على نشوئها وما حققت في مقابل فريق «8 آذار» الذي حقق كل أهدافه؟

- يجب عدم المبالغة، من المؤكد أن «14 آذار» اليوم غير ما كانت عليه بالأمس أو بفترة زمنية سابقة، إلا أن «14 آذار» حققت الكثير من أهدافها، فهي بحركتها أمنت خروج الجيش السوري من لبنان بعد أن تحول هذا الوجود إلى وصاية وحل مكان اللبنانيين في تقرير مصيرهم، إضافة إلى إقامة العلاقات الدبلوماسية مع سورية والمحكمة الدولية وغيرها، غير أن حركة «14 آذار» أصيبت ببعض النكسات، فمثلا خروج وليد جنبلاط من هذا التحالف هو نكسة وخروج عن التوجه والمبادئ، وكنت أعتقد لفترة أن خروج وليد جنبلاط من «14 آذار» لن يدفعه إلى اعتناق مبادئ تختلف أو تتناقض مع هذا الفريق، وهذه كانت تمنياتي أيضا، إنما تطور مواقفه الأخيرة فيه خروج عن المبادئ التي قامت عليها «14 آذار»، سواء في مفهومه الجديد لدور الجيش ودور السلطة، ودور حزب الله وسلاحه خارج السلطة الشرعية، ومفهوم العلاقة مع سورية، وهذا يتناقض كليا ليس مع مبادئ «14 آذار» فحسب، بل مع المبادئ المتطرفة التي كان يتخذها وليد جنبلاط خلافا لرأينا، باعتبار أننا كنا أكثر هدوءا منه، حيث كنا من الحمائم، بينما كان طليعة الصقور وكنا ننتقد ونتهم بالتخاذل عندما لم نجاره في مواقفه البعيدة المدى. ولا أنكر أن تحول جنبلاط أصاب «14 آذار» باهتزاز، إضافة إلى عنصر جديد يتمثل في الانفتاح السعودي - السوري الذي أسس لعلاقات جديدة بين رئيس الحكومة سعد الحريري، أي رئيس تيار المستقبل، مع السوريين ما خلق جوا جديدا، مما جعلنا (14 آذار) نمارس سياسة الانفتاح إلى حدود عدم الوقوع في شرك التبعية من جديد، أو أن نصل إلى معادلة أن سورية خرجت من لبنان عسكريا لكنها عادت ودخلت سياسيا وتوجيهيا. في رأيي هناك مسار يحاول العودة إلى هذا النمط من التعاطي لكننا ضده، وإذا تحققت هذه العودة السورية عندها يمكن أن ننعى «14 آذار» ومبادئها وشهداءها، ونحن لسنا محكومين للذهاب إلى هذا الخيار، أما رغبتنا في إقامة أفضل العلاقات مع سورية والاحترام المتبادل وحماية أمن البلدين فهي موجودة وثابتة شريطة ألا نرتكب الأخطاء التي ارتكبتها سورية في الماضي، وهي ممارسة الوصاية على لبنان وأن تأخذ القرارات بالنيابة عنا وتفرضها علينا وأن يكون التعاطي بينها وبين اللبنانيين على حساب السيادة اللبنانية.

* البعض يرى أن لانقلاب جنبلاط على «14 آذار» سببا من اثنين: إما خوفه على حياته وحياة عائلته والخصوصية الدرزية، وإما أن إداراته القوية التقطت التحول الدولي حيال المنطقة.. ما السبب الحقيقي في رأيكم؟

- أنا لست طبيبا نفسيا لأحلل أسبابا لخلفيته ودوافعه، لكن إذا صح وجود الاحتمالين فلا أتفق مع وليد جنبلاط على الاحتمالين، لأن الموقف السياسي والوطني يجب ألا يرتبط لا بالخوف ولا بالمصالح ولا بمعلومات تدلل على أن المعادلة التي استندت إليها بموقفك المبدئي تغيرت، وبالتالي يجب أن تغير مبادئك، بالنسبة إلينا القضية مبدئية، فلا رغبة لدينا في معاداة أحد، ونحن (14 آذار) لم نتخذ مواقفنا بسبب مصالح لأننا دفعنا دما، نحن كنا خائفين على حياتنا ومع ذلك أكملنا ومات منا من حمل الشهادة وحملنا أمانتها، ولذلك إذا تغيرت الظروف فقد نتكيف معها لكن لا نغير مبادئنا حتى يبقى للسياسة الحد القليل من الاحترام.

* في أي إطار تضعون هجوم وليد جنبلاط على مسيحيي «14 آذار»؟ وما معنى أن يقول «ليسوا حلفائي»؟

- صحيح نحن لسنا حلفاءه أو بالأحرى لم نعد حلفاءه، ودعني أعترف بشيء وهو أن التحالف مع وليد جنبلاط لا يقل صعوبة عن الخلاف معه، إذا كنت حليفه تتعب وإذا كنت في مواجهته تتعب أيضا، ولا أعرف نحن الذين كنا حلفاءه أننا انزعجنا من خروجه، لأن وجوده معنا كان عنصر قلق، فهو كان دائم القلق وقلقه هذا غالبا ما يوتر أجواء العمل المشترك، أما لماذا يركز هذه المدة «هجومه» على مسيحيي «14 آذار» فلا أدري، ولكن يجب أن نتذكر أن ذهابه إلى سورية استغرق وقتا طويلا من التحضير، إضافة إلى نوع من اتفاق ما، ولا أدري ما إذا كان هذا الاتفاق الذي جرى معه يشترط عليه أن يتنكر لحلفائه، خصوصا أن منهم من ترى فيهم سورية أنهم يقفون في موقع الممانع لدورها في لبنان، وقد يكون أحد هذه المبررات أن يقدم جنبلاط شهادة حسن سلوك جديدة إلى سورية عبر تنكره لحلفائه وللحلف الذي كان فيه، وربما أكثر من ذلك انتقادهم واعتبار المبادئ التي يعمل حلفاؤه السابقون عليها لا تخدم المصلحة القومية والعربية التي عاد جنبلاط وأكد التزامه بها.

* ما الجدوى من طاولة الحوار ما دام سلاح البحث في سلاح حزب الله بات من المحرمات؟

- في رأيي أن طاولة الحوار باقية وقائمة ومستمرة على قيد الحياة لسببين: الأول إيجابي لأنها تعطي صورة للعالم والناس أن هؤلاء السياسيين لا يبنون المتاريس ولا يطلقون النار على بعضهم وهذا شيء إيجابي. أما الشيء السلبي فهو أن طاولة الحوار تؤكد وجود خلاف على الاستراتيجية الدفاعية، لكنها لن تنتج استراتيجية، أما عمر طاولة الحوار فسيكون بعمر الصراع العربي الإسرائيلي! وفي تقديري أن عددا من رؤوساء الجمهورية الذين سيأتون بعد الرئيس ميشال سليمان سيترأسون ما يسمى لجنة الحوار الوطني، لذلك عندما قرر الرئيس سليمان ألا أكون على طاولة الحوار فلم أكن آسفا على ذلك.

* ما الهدف من إثارة موضوع صواريخ السكود؟ وهل يعني ذلك نذرا بشن عدوان على لبنان؟

- لا أملك معلومات استخباراتية حول جدية هذه المزاعم إلا أن حزب الله يعترف أن لديه سلاحا يقلب كل المعادلة، واللافت أن حزب الله لا ينفي هذا الأمر بينما سورية تنفيه، أعتقد أن الخوف من هذه المزاعم أنها قد تبرر لاندلاع حرب أو مواجهة، وهذا خطرها، وخصوصا أن إسرائيل عندما تقرر شن حرب تخلق الذرائع التي تناسبها، وربما نستفيق يوما على حرب قد تدمر لبنان، من هنا علينا أن نكون حذرين ونسعى إلى نزع فتيل الانفجار.