رئيس مركز المعلومات بالحكومة المصرية: لم نعدّ تقارير عن شعبية جمال مبارك لنحجبها

الدكتور ماجد عثمان لـ «الشرق الأوسط»: تحفظ الناس سياسيا معضلة استطلاعات الرأي العام * بعض البرامج الحوارية خرجت عن المنطق

د. ماجد عثمان رئيس مركز المعلومات بالحكومة المصرية (تصوير: عبد الله السويسي)
TT

قال رئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري، الدكتور ماجد عثمان، إن مركزه لم يعد أي تقارير عن شعبية جمال مبارك، نجل الرئيس المصري الذي يشغل الأمين العام المساعد لشؤون السياسات في الحزب الحاكم. وأضاف في حوار لـ«الشرق الأوسط» بمكتبه، حول ما تردد في أوساط محلية مصرية بهذا الخصوص، أن المركز لم يقم بأي استطلاع للرأي العام من هذا النوع لكي يحجبها، مشيرا في الوقت نفسه إلى تحفظ المصريين سياسيا وثقافيا وأن استطلاعات الرأي تراعي المرحلة التي يمر بها المجتمع ويتعذر تجاوزها، معتبرا هذا الأمر معضلة تواجه استطلاعات الرأي العام التي يجريها المركز التابع للحكومة، لكنه قال في المقابل إن المركز لا توجد عليه أي محاذير وليست لديه خطوط حمراء، ثقافيا وسياسيا.

وأضاف الدكتور عثمان أن بلاده تواجه مشكلات البطالة والفساد وتدني الأجور وعدم الشعور بالأمن في بعض المناطق، قائلا إن الحلول تكمن في ضرورة استمرار الاقتصاد المصري في النمو بالمعدلات المرتفعة الراهنة نفسها، وتضافر المجتمع، وخفض الزيادة السكانية. وأشار في الوقت نفسه إلى ما سماه حالة الانفتاح والتعبير التي أصبح يتمتع بها الشعب المصري، موضحا أن بعض البرامج الحوارية في الفضائيات التلفزيونية تجاوزت، وأنه ينحاز للصبر على السلبيات مقابل الإيجابيات.

وأوضح أنه يؤيد إصدار قانون لتنظيم تداول المعلومات، لكن التحرك لإصدار مثل هذا القانون ما زال بطيئا، مشددا على أهميته لاستكمال منظومة الشفافية ومكافحة الفساد. وإلى تفاصيل الحوار..

* هل من خطوط حمراء في القضايا التي يتناولها المركز، وخاصة أنه مركز حكومي؟

- ليست لدينا خطوط حمراء فرضت علينا، لكن ينبغي أن نعي أن التطور في أي مجتمع يسير في مراحل من المتعذر تجاوزها، فهناك قضايا رأي، ليست فقط سياسية وإنما أيضا ثقافية، ينفر المجتمع من طرحها، مثل الشذوذ الجنسي. مثلا، هناك دول أخرى تعد الحديث عن الهولوكوست جريمة كبرى، وأعني بذلك أعرق المجتمعات الغربية الديمقراطية. لماذا؟ لأنه تشكلت لدى مجتمعاتها قيم معينة. بالنسبة إلينا، تتحدد الخطوط الحمراء بناء على مدى تقبل الناس لمناقشة الموضوع.

* هل سبق أن حجب المركز تقارير عن الرأي العام، بعد أن أجراها بالفعل، خاصة بعد أن ترددت شائعات عن حجب تقرير عن شعبية جمال مبارك، الأمين العام المساعد لشؤون السياسات في الحزب الحاكم؟

- لا. لم يحدث ذلك. هذا يعيدنا مجددا إلى مسألة طبيعة الموضوعات التي يمكننا العمل عليها، فنحن نختار قضايا تصب في دعم اتخاذ القرار الحكومي. وإذا طرحت سؤالا سياسيا أو بشأن قضية حساسة تمس الدين أو الثقافة السائدة، فلن يبدي الأفراد استعدادا للرد بصراحة. وبالتالي يصبح إجراء مثل هذا الاستطلاع ضربا من العبث. وأود التنويه هنا إلى أمر معين، إن هناك تقارير فنية للغاية لا يفيد نشرها على الجمهور في شيء، مثل أن نضع تحليلا اقتصاديا عن تأثير رفع الدعم عن سلعة معينة على التضخم في مصر. في هذه الحالات، يمكن الاستعانة بأساتذة جامعات في مناقشة التقرير، ومثل هذه الحالات لا تعد حجبا.

* ماذا عن بعض البيانات الحكومية.. هل هناك بيانات معينة تحجبها عن المركز؟

- لا. ميزانية الأمن فقط. أعتقد أن ميزانية الأمن من الأمور السرية في جميع الدول.

* من خلال ما يعده المركز من تقارير، كيف ترى المشكلة السكانية في البلاد؟

- إحدى مشكلات مصر الزيادة السكانية الكبيرة التي تصل إلى 1.6 مليون سنويا. لدينا كل سنة مليون مولود وأربعمائة ألف حالة وفاة. عدد المواليد لدينا يكافئ عدد المواليد في اليابان وألمانيا معا.. أو مواليد إنجلترا وفرنسا وإيطاليا مجتمعة.

* ما أكبر المشكلات التي تواجه مصر في الفترة الراهنة، كما يراها المركز؟ وكيف يمكن التغلب عليها؟

- أعتقد أن مصر تواجهها أربع مشكلات: أولا: عدم التناسب بين الأسعار والأجور، وهي مشكلة مرتبطة بالمستوى المعيشي، ثانيا: البطالة. ثالثا: الفساد. رابعا: عدم الشعور بالأمن العام داخل بعض المناطق في مصر.

* وكيف ترى الحلول لهذه المشكلات؟

- أعتقد أن الحل للمشكلتين الأولى والثانية يكمن في استمرار الاقتصاد المصري في النمو بالمعدلات المرتفعة الراهنة نفسها، لأن رفع الأجور من دون إنتاج حقيقي لن يجدي نفعا. وأعتقد أن المشكلة الثالثة مجتمعية وفي حاجة إلى تضافر مجتمعي، أما المشكلة الرابعة الخاصة بالأمن فأعتقد أن الزيادة السكانية وظهور بعض المناطق العشوائية أدى إلى ظهور مناطق أصبح شعور الناس بالأمن فيها أقل.

* توصلت أحد استطلاعات المركز (أكتوبر 2006) إلى أن 75% من المصريين يخشون التعبير بصراحة عن آرائهم، فكيف يمكن الوثوق في نتائج استطلاعات الرأي في ظل هذا الوضع؟ وفي تقديركم، ما الدافع وراء هذا الخوف؟

- يجب أن ننظر إلى الأمور من دون اختزال للمراحل، بمعنى أن استطلاعات الرأي ظهرت في الولايات المتحدة عام 1820، أي أننا نتحدث هنا عن قرابة قرنين. ظهرت استطلاعات الرأي في مصر على فترات متقطعة. وربما ساعد إجراء استطلاعات الرأي في الفترة الأخيرة عبر الهاتف في تنشيط الاستطلاعات في مصر، علاوة على وجود حالة من حرية التعبير الواسعة جدا وغير المسبوقة في البلاد. ما أود التأكيد عليه أنه من غير المنطقي تصور أننا سنتمكن خلال عامين أو ثلاثة من تحقيق ما فعله غيرنا خلال 200 عام. تغيير الثقافة ليس بالأمر السهل. السؤال يتحدث عن 2006، أؤكد لك أنه إذا أجرينا هذا الاستطلاع اليوم، ستأتي النتيجة مختلفة للغاية بعد مرور أربع سنوات الآن.

* في اعتقادك، كم ستكون النسبة الآن؟

- أنا لا أستبعد أن تصل إلى النصف.. دعونا نحلل الأمور بشكل أفضل فيما يتعلق بنقطة الإفصاح عن الرأي، أعتقد أنه خلال آخر عامين في مصر اكتسبت البرامج الحوارية مساحة من حرية التعبير تكاد تكون خرجت عن الإطار المنطقي، بل إنها وصلت إلى التجاوز. أنا شخصيا لا أرغب في تقييدها، لأن هذا في حد ذاته قيمة مهمة. ومع ذلك فما زلت أرى أنها تجاوزت حدودها. بطبيعة الحال، يحمل هذا الأمر إيجابيات وسلبيات، وينبغي أن نصبر على السلبيات مقابل الإيجابيات.

* لكن البعض يتخوف أحيانا من إبداء رأيه في قضايا سياسية بعينها.

- النقطة المهمة: من هو الشخص الذي لا يفصح عن رأيه؟ ما نراه من خلال استطلاعات الرأي أن هناك مشكلة عادة في الموضوعات السياسية المطروحة. لكن الموضوعات الأخرى ليس بها مشكلة. هذا الوضع يختلف عن الحال في الماضي، ذلك أنه خلال أي مقابلات شخصية أو استطلاعات رأي أو كشوف ميدانية لم يكن الناس يرغبون في الإجابة عن أي موضوع. الآن هذا الوضع تغير. لكن لا تزال لدينا مشكلة في الموضوعات السياسية، ولكن ليس مع الجميع، وإنما مع الشرائح الأقل تعليما والأقل دخلا. ربما يكون كبار السن أكثر تحفظا بحكم خبرات أو تجارب سابقة.

* رصدت تقارير المركز أن مصر بها 17 مليون عانس.. ما حقيقة هذا الرقم؟

- لتوضيح حجم مشكلة العنوسة في مصر، أصدرنا تقريرا معلوماتيا، في إطار سلسلة تقارير تصدر شهريا عن المركز تتناول كل منها قضية واحدة فحسب. ونسعى من وراء هذه التقارير إلى تسليط الضوء أمام الإعلام والمجتمع على هذه القضايا من دون أن نبدي فيها رأيا. مثلا تقريرنا عن مشكلة العنوسة في مصر يبين التقدم في سن الزواج وليست العنوسة الكاملة، والدليل على ذلك أن نسبة غير المتزوجين في الشريحة العمرية فوق الثلاثين سنة لا تتجاوز 3%. والملاحظ أن استطلاعات الرأي أدت إلى نوع من الانفتاح على الجمهور، حيث يجري استغلال بيانات استطلاعات الرأي من قبل إعلاميين أثناء تناولهم بعض المشكلات التي تواجه مصر.

* ما السبب وراء تضارب الأرقام في بعض الأحيان بين مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار والوزارات؟

- يكمن وراء تضارب البيانات سببان ويجب التمييز بينهما: الأول مبرر، ويرجع إلى اختلاف التعريفات أو اختلاف الفترة الزمنية أو اختلاف الشريحة العمرية التي يجري تطبيق التعريف عليها. النوع الثاني من التضارب هو ما نود القضاء عليه وينجم عن تسييس البيانات لمصالح خاصة أو إظهار تقدم في مجال ما أو إخفاء تراجع في مجال ما.

* لكن هل يعني ذلك أنك ترى أنه من الصعب توحيد التعريفات بين مختلف الأجهزة الحكومية؟

- لا. ليس صعبا. لكن ما أود قوله إن هناك تضاربا مقبولا وهناك آخر مرفوض. ويكمن الحل بالنسبة إلى التضارب المرفوض في مزيد من الشفافية ومزيد من المهنية في العمل.

* هل يجري أخذ تقارير المركز في الاعتبار بالفعل عند صنع القرارات؟

- عملية اتخاذ القرار في القضايا الصعبة عادة ما تكون متعددة الأبعاد. سأتحدث هنا عن مشكلة محددة حتى أكون واضحا، قضية الدعم.. الدعم الغذائي ودعم الطاقة. الدعم قائم منذ فترة طويلة، حيث بدأ بعد الحرب العالمية الثانية في نطاق ضيق صغير، ثم شرع في التزايد. وتنطوي منظومة الدعم على كثير من المشكلات. أي رأي اقتصادي سيحث على إلغاء الدعم العيني وتحويله إلى دعم نقدي، مع مراعاة توجيه الدعم إلى محدودي الدخل. وبذلك يتضح أن لهذه القضية بعدا اقتصاديا واضحا.

إلا أن هناك أيضا بعدا اجتماعيا.. من سأعطيه دعما ومن سأحرمه؟ أيضا، هل يظل المستحق مستحقا للأبد، أو أنه ربما بعد عامين سيصبح ميسور الحال ويصبح هناك شخص آخر يستحق الدعم؟ هذه أيضا نقطة ليست باليسيرة. النقطة الثالثة تتمثل في البعد الأمني.. لدينا في مصر تجربة سابقة عندما رفعت الأسعار عام 1977 اندلعت مظاهرات ووقعت مشكلات أمنية خطيرة. وعليه، ينبغي التمهيد للتغيير بالنسبة إلى المواطنين، بحيث تصبح لدى الفقراء قناعة بأن الحكومة لا تأخذ منهم شيئا من دون أن تعطيهم مقابلا مناسبا. حتى نصل إلى هذا المستوى، لا بد من حوار مجتمعي ومساندة إعلامية.

* لكن لا تزال البيانات الصادرة عن المركز تقابل بريبة وتشكك من قبل البعض، بسبب تبعية المركز للحكومة.

- هناك بيانات ننتجها وأخرى نحصل عليها من مصادرها. بالنسبة إلى الأولى كل ما يمكننا عمله هو أن نشرح بشكل مبسط آلية التقرير وندافع عن مصداقيته. أما بالنسبة إلى البيانات الثانية، فلا يمكنني إعادة تركيبها. في الواقع، قضية الثقة هي قضية عامة، وأشير هنا إلى أن مسح القيم العالمي، أحد المسوح العالمية التي تجري في دول كثيرة منها دول عربية، توصل إلى أن مستوى الثقة في الآخرين في العالم العربي منخفضة جدا. مثلا، في مصر، ينتقد البعض اعتمادنا على عينة تبلغ 1000 شخص، على الرغم من أن مركز «غالوب»، أكبر مركز لاستطلاعات الرأي في العالم ويعمل منذ عام 1935، يعتمد داخل الولايات المتحدة على عينة من 1500 فرد، بينما عدد سكان الولايات المتحدة 300 مليون، ونحن 80 مليونا فقط! أيضا، الكثيرون يهاجمون الاعتماد على الهاتف في عمل استطلاعات الرأي، وسأوضح الأمور بشكل عملي، لقد أجرينا استطلاعا عن الفساد في أحد الأعوام فرفض البعض نتائجه لأنها اعتمدت على الهاتف. وعليه، قمنا بإجرائه في السنة التالية في الوقت نفسه بالهاتف وبالمقابلة الشخصية أيضا، وظهر الاختلاف بين النتائج على مؤشر من 100 نقطة 4% فقط وجاءت لصالح الاستطلاع عبر الهاتف، بمعنى أن الاتصال بالعينات عن طريق الهاتف أظهر نتائج أعلى من المقابلات الشخصية. بطبيعة الحال، تحدث مزايدات سياسية، فالبعض يأخذ موقفا مسبقا بالرغبة في مهاجمة الحكومة، ويهاجمنا باعتبارنا مركزا يتبعها.

* سبق وأعلنت تأييدك لضرورة إصدار قانون لتنظيم تداول المعلومات، إلى أين وصلت جهود إقرار مثل هذا القانون؟

- في الحقيقة، لا يزال يتحرك ببطء، لكن أعتقد أنه لا بأس في أن نتأخر ويصدر قانون جيد. الملاحظ أن بعض الدول العربية سارعت بإصدار قوانين مشابهة، لكنها جاءت أقرب إلى المنع منها إلى المنح. وإذا كنا سنصدر قانونا فلا بد من أن يشكل خطوة إلى الأمام. ومن جانبي، أؤكد على أهمية صدور هذا القانون لاستكمال منظومة الشفافية ومكافحة الفساد في مصر والدول العربية كلها.