مخاوف من تمدد اليابسة الإيرانية لضم جزيرتي أم الحبابي وأم الرصاص العراقيتين

أمام استمرار تآكل الضفة العراقية لشط العرب

TT

يعتبر سكان البصرة أن شط العرب بقدر تعلقهم به ليس نهرا عاديا بل واحدا منهم أثكلته الجغرافيا السياسية بوابل من الأحداث الجسام. فبعد أن خلع خوذته وبزته العسكرية بعد انتهاء ثلاث حروب 1988 - 2003 أثخنته تداعيات الهزال وشحة وملوحة المياه بعدما امتلأت أجوافه بالغوارق وعاد بعد عام من احتلال العراق إلى مواجهة ظاهرة تآكل سواحله وانحراف مجراه داخل الأراضي العراقية، وخشيتهم من ارتباط بعض من جزره باليابسة الجديدة في الجرف الإيراني.

وعلى الرغم من إجماع خبراء وأكاديميين وباحثين عسكريين تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» على خطورة ظاهرة تآكل الضفة العراقية لشط العرب وإضافة مساحات يابسة للجانب الإيراني، واستغاثات فلاحي منطقة سيحان (65 كلم جنوب البصرة) من فقدان أجزاء من أراضيهم التي تعد من أخصب مناطق بساتين النخيل، أعربت مكاتب هندسية عن شكوكها في جدية وزارة الموارد المائية في معالجة تلك الظاهرة التي شرعت في تنفيذ مشاريع فيها منذ عام 2005 من خلال تركها الأعمال قبل إكمالها.

لم تمر مناسبة حول شط العرب إلا وكان مركز علوم البحار بجامعة البصرة، لكثرة الدراسات والبحوث التي أعدها خبراء المركز، متصدرا الدعوات على ضرورة معالجة ظاهرة تآكل الضفة الغربية لشط العرب، معربا عن خطورتها على المستوى السيادي. وقال الدكتور مالك حسن مدير المركز: «إن تلك الظاهرة غيرت من طوبوغرافية المنطقة بحساب التمدد المساحي لما يحمله النهر من طمي مجروف من الأراضي العراقية ليقذفه في الجرف الإيراني، مما جعل الجرف الشرقي التابع لإيران يتمدد على حساب الجرف العراقي المقابل، وبالتالي إضافة مساحات جديدة لإيران من الطين العراقي».

ويرى هشام عايد (ضابط متقاعد وباحث في الجغرافية العسكرية) أن شط العرب والخليج العربي بشكل عام يحتلان أهمية قصوى في الجغرافية العسكرية والسياسية في المنطقة ويخضعان لتجاذبات كثيرة بين إيران التي تصر على استخدام مسمياتهما الفارسية في كل المحافل من جهة والعراق ودول الخليج العربي من جهة أخرى». وأضاف «أن الشواهد كثيرة على طموح الجانب الإيراني في تأسيس موطئ قدم لها في هذين الممرين المائيين، إن لم يتحقق بالعبور إلى الضفة الأخرى كما جرى في احتلال مدينة الفاو إبان الحرب العراقية الإيرانية، فبالاقتراب منها كما حدث في احتلال الجزر الثلاث الخاضعة لسيادة دولة الإمارات العربية المتحدة وجزيرة أم الرصاص التي احتلتها مرتين بعد سقوط النظام السابق، ومن المرجح أن ترتبط باليابسة الإيرانية خلال السنوات القليلة القادمة نتيجة انحراف وتآكل مجرى شط العرب وانحسار المياه المغذية له، إضافة إلى ادعاء الجانب الإيراني مؤخرا بعائدية خور العمية العراقي الحاوي على منصات تحميل النفط المصدر للخارج لسيادته».

وشكك عمار الحمد (مهندس مكتب تنفيذ مقاولات الري) في جدية وزارة الموارد المائية في معالجة تعديل مجرى النهر وإيقاف حالة التداعي في الجرف الغربي له وقال: «تمثلت أعمال الوزارة في مرحلتها الأولى عام 2004 بوضع صفائح صد سميكة بطول 500م وبتكلفة مليارين و94 مليون دينار، ووضع حجر أمام أقفاص مملوءة بالحجر الجلمود لمسافة 1600م وبتكلفة مليارين و308 ملايين دينار في المرحلة الثانية التي بدأت عام 2007 ولم تنجز لحد الآن لتوقف العمل فيها». وأضاف: «توقف العمل بادعاء عدم توفر غطاء مالي، وما زال النهر ينخر بمقطع الجرف في موقع مشروع الوزارة».

من جانبه أوضح علاء الدين ظاهر مدير الموارد المائية بالمحافظة أن «معالجة تآكل الضفة الغربية (العراقية) لشط العرب تعد من المشاريع الكبيرة وأخذت اهتماما واسعا من لدن الوزارة التي أسندت العمل فيه إلى شركاتها المتخصصة في تنفيذ المشاريع المهمة، لما تمتلك من جهد هندسي وفني متخصص، مشددا على أن بعض فقرات العمل ما زالت قيد التنفيذ».

وفي خاصرة النهر حيث تعمل معاوله لهدم الضفة شكا نعمة غضبان رئيس المجلس البلدي في ناحية السيبة لـ«الشرق الأوسط» من الإهمال الحكومي للنهر وعدم مبالاتها بالتغيرات الطبيعية الجارية فيه والتي تصب في مصلحة إيران. وقال: «إن المساحات التي كسبتها إيران من هذه الظاهرة عجزت عن تحقيقها في حرب الثمانية أعوام»، مرجحا: «امتداد اليابسة الإيرانية إلى جزيرتي أم الحبابي وأم الرصاص في الأعوام القليلة القادمة ما لم تتم معالجة الجرف المستمر للضفة الغربية للنهر».