بغداديون يلجأون للتنقل في القوارب هربا من زحام الشوارع

يعتبرون النقل النهري الوسيلة الأسرع والأكثر أمانا

عراقية تنزل من قارب عبرت به مع نساء أخريات نهر دجلة في بغداد (أ.ب)
TT

يقول عباس محمود الكرخي، وهو يمسك بهاتفه الجوال بيد وكيس يحتوي على ثلاث سمكات باليد الأخرى، إن له علاقة خاصة بنهر دجلة الذي يشطر بغداد إلى جانبين، الكرخ والرصافة.

ويتنقل الكرخي يوميا بواسطة زورقه الصغير بين الكرخ والرصافة، حيث ينقل ركابا صباح كل يوم، ويتقاضى أجرا لا يتجاوز ألف دينار عراقي (أقل من دولار) عن كل راكب. وقبل مغيب الشمس يقوم باصطياد الأسماك ليبيع منها ما يريد، ويأخذ المتبقي إلى عائلته التي تسكن في منطقة الشواكة في جانب الكرخ وبالقرب من النهر الذي يعشقه الكرخي. والكرخي لم يكن الوحيد الذي يملك هذا النوع من القوارب الصغيرة، فهناك آخرون اعتادوا منذ زمن نقل المواطنين من الكرخ إلى الرصافة وبالعكس، فالكثير من البغداديين باتوا يفضلون التنقل بالقوارب هربا من ازدحامات الشوارع «بحثا عن راحة البال»، كما يقول أحد التجار البسطاء في منطقة الشورجة الذي اعتاد أن يستقل القارب كل يوم للذهاب إلى عمله، ويؤكد أن الكثير من موظفي البنك المركزي العراقي، الذي يقع في جانب الرصافة يذهبون إلى عملهم بواسطة الزوارق. ويقول عدد من الركاب إنهم يلجأون إلى الزوارق، ليس لسرعة الوصول إلى مبتغاهم فقط، بل لأنها الوسيلة الأكثر أمانا إثر تعرض الكثير من حافلات الركاب إلى تفجيرات بواسطة عبوات ناسفة.

وكان أغلب كبار السن من أهالي المدن العراقية، وبالخصوص تلك المدن الواقعة على ضفاف نهري دجلة والفرات يتذكرون رؤية اليخوت والقوارب الصغيرة والمتوسطة الحجم وهي تعوم فوق مياه هذين النهرين والتي كانت تعد وسيلة النقل المثلى للأشخاص ونقل البضائع وحتى تجهيز مستودعات المشتقات النفطية الواقعة على الأنهار. وكان هذا المشهد في العقود التي سبقت السبعينات من القرن الماضي شائعا جدا، فقد افتقر العراق آنذاك إلى طرق المواصلات البرية السريعة وخطوط السكك الحديدية التي كانت محدودة جدا، ولهذا استعيض عنها بالنقل النهري، لكن هذا القطاع تراجع تدريجيا في منتصف الثمانينات.

إلا أنه عاد ليستأنف نشاطه في الأعوام الأخيرة بسبب الازدحامات «القاتلة» التي تشهدها العاصمة العراقية جراء قطع أغلب الطرق لأسباب أمنية، كما تلجأ القوات الأمنية إلى قطع الطرق والجسور لدى وقوع أي انفجار كإجراء أمني، ولضمان نقل سريع للجرحى إلى المستشفيات. ناهيك عن زيادة أعداد السيارات في الشوارع جراء تسهيلات تقدمها السلطات لعمليات الاستيراد وارتفاع المستوى المعيشي للمواطنين.

وقالت وزارة النقل العراقية إنها تعد قطاع النقل النهري «من أهم المشاريع الاستثمارية وأكثرها ربحا»، ويؤكد المسؤولون في الوزارة أن «المواطن العراقي بدأ يبحث عن كل ما هو جديد أو قديم يتم استحداثه، وأصبح ركوب القارب الصغير وسط النهر فيه متعة خاصة لسكان بغداد ومدن العراق الأخرى، فهو وسيلة جيدة لنقل المواطنين ما بين الكرخ والرصافة، ونقل بضائعهم من وسط الشورجة التجارية إلى شارع حيفا بعيدا عن الزحامات في الطرق».

ويرى البغداديون أن النقل النهري أصبح وسيلة للتنفيس عن العوائل التي بدأت في البحث عن قضاء وقت ممتع داخل النهر مصطحبين معهم أمتعتهم من أغذية سريعة وكاميرات لالتقاط الصور التذكارية.