لبنان يراجع اتفاقياته مع سورية.. ومطالبات تعديلها لا تلقى تجاوبا حكوميا

الجسر لـ «الشرق الأوسط»: الجانب السوري أخذ بالملاحظات اللبنانية ولم تكن لديه طلبات في المقابل

TT

تتعالى الأصوات المطالبة بتعديل الاتفاقيات اللبنانية - السورية، التي وقعت خلال فترة الوجود السوري في لبنان، ثم تهبط وتيرة المطالبة بالتعديل في غياب رؤية لبنانية واضحة لهذه التعديلات. لم يطرح في خصوصها أي شيء عمليا، كما أكد بعض المشاركين في اجتماعات اللجان الفنية المشتركة بين البلدين، وعلى الاتصالات الجارية بين الحكومتين، مما أبقى هذه المطالبات في دائرة التداول الإعلامي من دون أن تلقى تجاوبا حكوميا من الطرف اللبناني الذي يستجمع ملاحظات الوزراء على الاتفاقات التي تحتاج إلى اجتماع للمجلس الأعلى بين البلدين لتعديلها.

المطالبات اللبنانية بتعديل الاتفاقيات وإلغاء بعضها، لم يحملها معه الوفد اللبناني المؤلف من 20 مديرا عاما برئاسة وزير الدولة جان أوغاسابيان، إلى المسؤولين السوريين. كما أنها خفتت بعد التحول الذي قام به رئيس الحزب الاشتراكي، النائب وليد جنبلاط، نحو سورية، والزيارة التي قام بها رئيس الحكومة سعد الحريري لدمشق منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وأشار أوغاسابيان من دمشق، إلى عدم وجود ملاحظات لدى الجانب اللبناني على الاتفاقيات الموقعة، إنما هي اقتراحات تطويرية، مؤكدا أهمية الاجتماع من أجل «التأسيس لمرحلة واعدة وزاهرة تحقق التكامل الاقتصادي بين البلدين بما ينعكس على التطور الاقتصادي». وقال: «إن أي اتفاقية لصالح سورية هي لصالح لبنان». أما رئيس لجنة الدفاع والداخلية النائب عن تيار المستقبل، سمير الجسر، فأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن الجانب السوري أخذ بالملاحظات التي حملها معه الوفد اللبناني إلى دمشق، ولم تكن لديه أي طلبات في المقابل.

فما قصة هذه الاتفاقيات؟ وعلام تنص؟

قبل 19 عاما، وتحديدا في 22 مايو (أيار) 1991، وقع لبنان بعدما وضعت الحرب الأهلية أوزارها، معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق مع سورية التي جاءت لتعبر عن طبيعة «العلاقات المميزة، وروابط الأخوة التي تجمع البلدين والشعبين» كما جاء في المعاهدة. وكنتيجة لهذه المعاهدة، وقع البلدان 139 اتفاقية وبرتوكولا، بقي معظمها حبرا على ورق. وبقيت محل إجماع من البلدين حتى عام 2005، وتحديدا مع اغتيال رئيس الحكومة اللبناني الأسبق رفيق الحريري في 14 فبراير (شباط)، والحملة التي شنتها فيما بعد قوى «14 آذار»، مطالبة بانسحاب القوات السورية من لبنان في مرحلة أولى، وإقامة العلاقات الدبلوماسية وإلغاء المجلس الأعلى اللبناني - السوري وتعديل الاتفاقيات الموقعة بين البلدين في مرحلة ثانية، تمهيدا لتصحيح العلاقات بين البلدين، علما بأن 7 اتفاقيات - 5 منها متعلقة بالطاقة الكهربائية - ومذكرة تفاهم وبروتوكولا وُقعت بعد اغتيال الرئيس الحريري.

وقد نصت معاهدة الأخوة والتنسيق على إنشاء المجلس الأعلى الذي يتكون من رئيسي البلدين ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة في لبنان، ورئيس مجلس الشعب ورئيس الحكومة في سورية، على أن يجتمع مرة واحدة كل سنة، وهذا ما لم يحدث. كما تألفت هيئة المتابعة والتنسيق المؤلفة من رئيسي الحكومة في البلدين كليهما وعدد من الوزراء المعنيين بالعلاقات بين البلدين، على أن تجتمع مرة كل 6 أشهر، أو عندما تقتضي الضرورة، وهذا أيضا ما لم يحصل، وبخاصة في السنوات الخمس الأخيرة.

ولعل أبرز الملفات التي طالبت قوى «14 آذار» بفتحها مع سورية، ملف المفقودين في السجون السورية، معظمهم اختفى إبان الحرب الأهلية، وملف ترسيم الحدود اللبنانية - السورية، الذي طالبت قوى «14 آذار» بترسيمها ابتداء من الشمال، بينما اشترطت سورية وحلفاؤها في لبنان انسحاب إسرائيل من مزارع شبعا أولا، تمهيدا لإجراء ترسيم لكامل الحدود بين البلدين. وقد شكل هذان الملفان مادة مهمة في السجال السياسي الذي كان دائرا في السنوات الخمس الماضية، وقد تم تشكيل لجنتين مشتركتين للملفين كليهما، عقدتا اجتماعات متعددة ولم تتوصلا إلى أي نتيجة بعد.

وفي هذا السياق، أوضح عضو تكتل التغيير والإصلاح، النائب غسان مخيبر لـ«الشرق الأوسط»، أن ملف المفقودين «شائك»، ولكنه ضروري لتطوير العلاقات اللبنانية وتحسينها وتنقيتها من الشوائب، لإرسائها على أساس مؤسساتي، داعيا السوريين إلى الاعتراف بوجود مفقودين لديهم. وشدد على أنه «لا يمكن للحكومة أن تتخلى عن موضوع المفقودين، لأنها التزمت به في بيانها الوزاري. وقد يكون الأمر متعلقا بتوقيت طرح الموضوع». ودعا لبنان وسورية «إلى اختيار التوقيت المناسب لتأمين حق العائلات بمعرفة مصير أولادهم، وصولا إلى المصالحة». وقال: «إن المجلس الأعلى اللبناني - السوري غير عملي ويخالف الدستور، ويجب استبدال مجلس آخر به يكون له صلاحيات استشارية وتنسيقية ليستقيم الوضع».

وبرزت مؤخرا مطالبات بتعديل اتفاقية اقتسام مياه نهر العاصي، الذي ينبع من لبنان ويصب في البحر الأبيض المتوسط في منطقة لواء الإسكندرونة، والتي اعتبرها البعض غير منصفة للبنان. وكانت الاتفاقية قد أُقرت في 20 سبتمبر (أيلول) 1994، لكن مجلس النواب اللبناني لم يقرها إلا في 12 ديسمبر 2002. وحددت حصة لبنان بـ80 مليون م3 من المياه عندما تبلغ موارد النهر ضمن الأراضي اللبنانية 400 مليون م3 وما فوق، وفي حال تراجعها تنخفض حصة لبنان بمقدار التراجع الحاصل.

وقال المدير العام لمصلحة مياه الليطاني، النائب الأسبق ناصر نصر الله، ردا على المطالبات بتعديل حصة مياه لبنان من نهر العاصي، بأن لبنان لا يستفيد حاليا إلا من 10% من حصته في الاتفاقية، مؤكدا أن الاتفاقية أعطت لبنان وسورية حقوقهما، داعيا الحكومة اللبنانية إلى السعي لتنفيذ مشروع متكامل على العاصي يستفيد من خلاله لبنان من كامل حصته من مياه النهر. وقال نصر الله لـ«الشرق الأوسط»: «إن الاتفاقية تشتمل على بنود لصالح سورية منها التحديد للبنان كيفية التعاطي مع الحوض الجوفي للنهر، ومنع حفر الآبار بنطاق شعاع بين 1000 و1500 متر عن ينابيع العاصي. وأخرى لصالح لبنان منها تحديد نطاق النهر وأي ينابيع يمكن الاستفادة منها». وأشار إلى وجود 3 آلاف و500 بئر مياه في حوض العاصي، محفورة قبل توقيع الاتفاقية، ويمكن الاستفادة منها بـ16 مليون متر مكعب من المياه سنويا، ولا تحتسب من ضمن حصة لبنان الأصلية.