الهند تطلق برنامجا طموحا لتأمين الغذاء إلى 350 مليون جائع

خطة تتكلف 6 مليارات دولار تهدف لتوزيع الحبوب مخفضة الأسعار على الفقراء

TT

نظرا لكونها تضم أكبر عدد من السكان يعانون الجوع على مستوى العالم، تستعد الهند لتطبيق قانون للأمن الغذائي، قد يتمكن بموجبه نحو 372 مليون شخص من الحصول على إعانات حكومية من الحبوب بأسعار مخفضة. وتهدف الخطة الطموحة، التي ستكلف الدولة مليارات الدولارات، إلى تزويد العائلات الفقيرة بـ25 كيلوغراما من الحبوب بـ3 روبيات (نحو 6 سنتات أميركية) للكيلوغرام شهريا.

وقد دفع الجوع الأطفال الفقراء في قرية غانّا التابعة لولاية أوتار باراديش إلى تناول الطين الجاف لملء بطونهم الجائعة. وتقول سوني (5 سنوات) الفتاة الكسولة ذات البطن الضامرة: «إن طعمه أشبه بالحمص ولذا فنحن نتناوله». مع انخفاض عدد وجبات غالبية الأسر في هذا المكان إلى وجبة أو وجبتين على أحسن الأحوال يوميا تتكون في معظمها من الأرز والملح، إلى جانب بعض الخضراوات إذا صادفهم الحظ، فإن الطين قد يتحول إلى خيار قاتل لسكان القرى الفقيرة.

فقدت راجا بابو طفلتها ذات الثلاثة أعوام نتيجة إصابتها بالفشل الكلوي، بعد أن تعلمت أكل الطين عند الجوع. وكان تحالف حكومة رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ قد أعيد انتخابه لخمس سنوات أخرى العام الماضي بعد حملة انتخابية تعهد فيها بمواجهة الفقر في الهند. والمثير أن الفقر لم يتراجع رغم النمو الاقتصادي السريع الذي تشهده البلاد. وعلى الرغم من أن كوارث المجاعات التي أدت إلى إزهاق أرواح عشرات الآلاف في السابق وأصبحت اليوم من الماضي، فإن الجوع لا يزال يودي بحياة الملايين من المشردين في القرى والمدن الهندية. ورغم اكتظاظ مخازن الحبوب في الولاية بالغلال وازدهار الاقتصاد وبروز الكثير من الأثرياء الهنود على مستوى العالم، فإن واحدا من بين اثنين من الأطفال الهنود غير قادر على الحصول على ما يكفي جسمه وعقله من الطعام حتى يتمكن من النمو بصورة سليمة. وتأتي الهند في المرتبة الأولى عالميا في عدد الجائعين، بحسب الإحصاء الذي نشرته مؤسسة «غلوبال ريسيرش إندكس» والذي أعده معهد أبحاث سياسة الغذاء العالمي، ففي الهند وحدها هناك نحو 350 مليون شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي، أي إنهم لا يعلمون من أين سيحصلون على وجبتهم المقبلة. ويماثل هذا العدد الهائل من الجائعين في الهند، عدد سكان ألمانيا وفرنسا وبريطانيا مجتمعين.

والمثال الآخر على عمق المأساة التي يعيشها قطاع كبير من الهنود يأتي من ولاية البنجاب التي تعرف بأنها سلة غذاء الهند حيث يأوي 10% من سكان الولاية إلى مخادعهم كل ليلة طاوين من الجوع. وتقول سيلتو (19 عاما) التي تعمل في مهنة قطع الحجارة من أجل العيش في قرية منعزلة في إقليم البنجاب، إنها فقدت طفليها من الجوع.

ويمكن تفسير السر وراء ذلك بالمنطقة التي تبلغ مساحتها مساحة ملعب كرة قدم، والمغطاة بالبلاستيك، والتي يطلق عليها الجبل الأسود، الدائمة الوجود وسط حقول القمح التي تنضج في شهر مارس (آذار). وتحت هذه الأغطية البلاستيكية يوجد جبل فاتحغارة سهيب، على بعد 40 كيلومترا غرب البنجاب، حيث يخزن القمح المحصود منذ 3 سنوات.

تعج أجولة القمح في هذا المكان الذي يحوي المخزون الفيدرالي الهندي من القمح في الهند لإطعام الفقراء، بالكثير من الثقوب التي أحدثتها الفئران. ونظرا لوجودها في العراء تتحول بهدوء إلى مكان للنفاية في دولة تنتشر فيها زراعة الحبوب ويبلغ مجموع عدد سكانها أكثر من 33 دولة نامية.

وحسب إحصاءات أجريت بين 1997 و2007 أهدر أكثر 1.3 مليون طن من الحبوب (حمولة 130,000 شاحنة) نتيجة لسوء التخزين. ويبلغ الاحتياطي الفيدرالي الهندي نحو 45 مليون طن ضعف مخزون العام الماضي. وقال أشوك غولاتي، مدير معهد أبحاث سياسة الغذاء الدولية في آسيا: «من الواضح أن هذا أكثر مما نحتاجه، فقد أدى حفظ المخزون في العراء دون رعاية ملائمة، إلى فقدان كميات كبيرة من الحبوب». وإذا وزع المخزون سيحظى كل الهنود البالغ عددهم 1.25 مليار بـ45 كيلوغراما.

الأطفال في قرية ناتلي في ولاية ماذايا باراديش لديهم بطون ناتئة وشعر أخف من الطبيعي وتدل الإشارات الأولية إلى ضعف سوء التغذية. وقد توفي مؤخرا 7 منهم بسبب الإسهال. وتروي ساهيب التي تزوجت في سن الثالثة عشرة وأنجبت 5 أطفال 3 منهم فقدتهم بسبب سوء التغذية أنها كانت بحاجة إلى 2,000 روبية من أجل علاج أحد أطفالها الذي فقدته قبل أشهر قليلة. وقالت: «لا أستطيع توفير الطعام فكيف أتمكن من توفير ثمن الدواء؟».

ولعل ما يثير الحيرة بشأن الهند أنها بعد أكثر من 6 عقود من الاستقلال والظهور كأحد محركات النمو الرئيسية في الاقتصاد العالمي، لا يزال الجوع يحصد المزيد من الأرواح. فهل السبب في ذلك راجع إلى وجود ندرة في الطعام لتقديمه للجائعين؟. واضح أن ذلك ليس هو السبب، إذ لا توجد دولة أخرى في العالم تقدم هذا النموذج من التضارب الصارخ والمخزي من ترك المخزون الغذائي في العراء في الوقت الذي يعاني فيه الملايين من الجوع. وفي الوقت ذاته لا تسمح أي دولة بتصدير الغذاء في الوقت الذي يتزايد فيه عدد الجوعى والأفراد الذين يعانون من سوء التغذية لديها. في الولايات المتحدة حيث استعارت الهند الهيكل الاقتصادي لا تسمح الدولة بتصدير المواد الغذائية إلا بعد ضمان حصول سكانها، 309 مليون نسمة، إضافة إلى 168 مليون حيوان أليف، على ما يكفيهم من الطعام. وفي الهند عادة ما يتم تصدير الطعام - القمح والأرز والذرة والفاكهة والخضراوات - وغالبا ما تقدم الحكومة المعونات لتعويض الخسائر في التجارة.

الخطة الحكومية الكبيرة لمحاربة الجوع وسوء التغذية تبدو رائعة على الورق. فالوزارة المعنية بتنمية المرأة والطفل ووزارة تنمية الموارد البشرية ووزارة الأغذية والزراعة أنشأت مشتركة 22 برنامجا لتخفيف الجوع والفقر.

ورغم كثرة هذه البرامج والمخصصات المالية التي ترصد لها، فإن معدلات الفقر لا تزال في ازدياد. وتقول منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة إن 5,000 طفل يموتون كل عام في الهند نتيجة لسوء التغذية. ولم تنخفض نسبة سوء التغذية في الهند إلا بنسبة 6% فقط من نسبة 46% منذ بداية الإصلاح الاقتصادي عام 1991. ولا تملك الهند التي تقع في المرتبة 66 في مؤشر الجوع العالمي لعام 2008 من بين 88 دولة، ولاية واحدة في فئات المناطق التي بها معدل جوع منخفض أو معدل جوع متوسط. وعلى الرغم من القوة الاقتصادية التي تتمتع بها الهند منذ سنوات، فإن البلاد سجلت معدلات أسوأ مما يقرب من 25 دولة تقع في جنوب الصحراء الأفريقية وجنوب آسيا عدا بنغلاديش.

ويقول لورانس حداد، مدير معهد دراسات التنمية: «لم أر دولة تملك مثل هذا المعدل السريع من النمو تحوي هذا المستوى المزري من سوء التغذية. الأرقام في هذه الدول الـ88 مؤسفة. يجب على صناع السياسة العمل على مواجهتها، فنمو الناتج الإجمالي المحلي ليس كافيا والتنمية الشاملة أمر ضروري. وللهند سجل ضعيف في توزيع الثروة في البلاد».

وتقول جاتاي إحدى سكان قرية غوراباتي في ولاية أوترا باراديش إنها فقدت 5 من أفراد أسرتها واحدا تلو الآخر خلال 18 شهرا ماتوا جميعهم بسبب الجوع. وتضيف: «نحن لا نملك أرضا وعندما لا يكون هناك عمل لا يوجد لدينا ما نأكله. توفي زوجي لأنه لم يتمكن من الحصول على أي عمل ولا نحصل على طعام لمدة 7 أو 8 أيام».

الدول الأكثر فقرا من الهند، المجاورة لها وكذلك الأخرى في أفريقيا، تخطت الهند في مواجهة الجوع وسوء التغذية. وقد قامت الحكومات المتعاقبة في الهند بتوزيع ملايين الأطنان من المساعدات الغذائية وتدير مراكز إطعام للأطفال وتطعم 140 مليون طفل يوميا في المدارس، إلا أنها فشلت في القضاء على الجوع.

ويرجع السبب في ذلك إلى أن غالبية الخطط لم تصل إلى المحتاجين بسبب الفساد. فنحو 58% من إعانات الطعام الهندية من الحبوب الغذائية لا تصل إلى العائلات الواقعة تحت خط الفقر.